كنت احد الذين حاربوا الحركة الشعبية فى مناطق العمليات فى جنوب السودان. ومنذ ان كنت طالباً فى جامعة السودان كنت احد كوادر الاتجاه الاسلامى وكنت على قناعة بان كنا نقاتل فى الجنوب من اجل الاعلاء من راية الله حيث زين لنا اخوتنا الكبار كما يقول شيخنا التجانى عبد القادران قتال اخوتنا فى الجنوب هو مثل قتال المشركين كما كان فى عهد الرسول عليه الصلاة و السلام. ذهبنا لقتال الحركة الشعبية ليس من اجل دنيا فانية و انما احقاقا للحق و نصرة لدين الله. وكنت اذهب للجنوب منذ عام 1993م حتى تم اسرى فى كاجو كاجو فى عام 1997م. فى تلك الفترة استعادت حركة قرنق معظم المواقع التى دحرناهم منها فى معارك كثيرة مثل صيف العبور و الميل اربعين التى صمد فيها اخوتنا من المجاهدين ومنهم من استشهد ومنهم من ينتظر. عندما تم اسرنا كنا نخشى ان يقوم المتمردين بقتلنا ولكننا تفاجانا بمعاملة جيدة لم نكل نتوقعها منهم. بقينا فى الاسر حوالى الشهرين ثم قام الجنود المكلفين بحراستنا بالطلب منا بالتواجد و الجلوس فى مكان واحد لان هنالك قائد كبير من جيشهم سوف يصل للاطمئنان على حالتنا. كان المعسكر كله فى حالة استعداد و النظام و الانضباط كان عالى ذلك اليوم منذ صباح اليوم الباكر وحتى منتصف النهار حيث شاهدنا حوالى خمسة عربات لاندكروز مربوط فى مقدمتها مدفع دوشكا. نزل من العربة شاب ملامحه تقول بانه شمالى حيث كان فى كامل زيه العسكرى يبدو انه قائد المنطقة لان القادة الاخرين نزلوا خلفه و حوله حراسة مشددة وكان قائد المعسكر الذى كنا فيه و نسيت اسمه الان اظنه كان اقوت يتحدث العربية جيداً طلب من جنوده الانتباه قائلا: انتباه القائد ياسر عرمان ثم قام ومعه باقى الجنود وحيوا القائد الشمالى الذى يبدو انه يحمل رتبة عالية وبعد ان قام بالسلام و تحية بعضهم البعض طلب القائد الشمالى من طاقم حراسته ان يعودوا لاماكنهم و طلب من قائد المعسكر اقوت ان ياتيه بكشف عدد الاسرى ونحن كنا نراقب هذا الموقف لاننا كنا تحت الحراسة ولكننا قريبين من المكان و نسمع ونرى باعيننا ما يحدث. طلب القائد الشمالى من الحراس ان يتركونا معه لبعض الوقت و تقدم نحونا و صافحنا كلنا وقمنا باحتضانه وكنا فرحين بقدومه. سال كل واحد منا عن احواله و المنطقة التى اتى منها وعن معاملتنا و اذا كان ينقصنا اى شىء. كان فى ونسة معنا حتى موعد العشاء وتعشى معنا حيث اكل من نفس الاكل الذى قدم لنا. وطلب منا ان لا نخشى شىء لان الحركة لا تقتل الاسير وقال لنا كنتم اعداءنا ولكن عندما سقطت بندقيتكم عنكم فانتم الان اسرى وليس اعداء لنا وسوف تعودون الى اهلكم و ذويكم فى اقرب فرصة. لم اكن اصدق بان الذى يتعامل معنا بهذه الصورة هو ياسر عرمان الذى كنا نتمنى الظفر به وقتله بل بكيت وقتها لاننا كنا نحاول قتل بعضنا البعض من غير اى سبب وياسر عرمان الذى كنا نظنه شيطان و عدو الله عاملتنا احسن معاملة بل طلب من القائد اقوت ان يعاملنا بصورة حسنة و ياتينا ببروش لاداء الصلاة حيث كنا نصلى فى ساحة المعسكر. على الرغم من حركتنا كانت محدودة فى المعسكر ولكننا كنا سعداء لاننا كنا نصلى و نختلط مع الناس فى السوق من غير ان يصيبنا اذى. وعندما تم اطلاق سراحنا عدنا الى الخرطوم وزرت اخونا عبد الحميد الذى تم اسره فى معركة كان يقود جيش الحركة فيها ياسر عرمان وعندما تم اسرهم كان عبد الحميد مصابا اصابة خطرة وحمله ياسر عرمان على ظهره لمسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات لاسعافه و حكى من رأوا ذلك المنظر بان ملابس ياسر عرمان تبللت كلها بالدماء و اصبحت حمراء لانه كان يحمل عبد الحميد على ظهره . وعندما جاء ياسر عرمان الى الخرطوم كان اسرة اخونا عبد الحميد فى استقبال ياسر عرمان و قاموا باحتضانه و شكره على ما فعل. الاخ الفاضل ياسر عرمان رجل من معدن نقى و فارس لا يخشى ساحات القتال و حاربنا بشرف و سالمنا بشرف ولقد ساءنى ما يتعرض له الان و جميع اخواننا الذين كانوا فى الاسر يذكرون كرمه و طيبته فهو ابن بلد و خير من انجبت دار جعل. يا اخوانى السابقين معاملة ياسر عرمان بهذه الصورة ليس من الدين فى شىء ونسال الله الهداية لنا و لكم.
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
-
الخرطوم تستضيف مؤتمر الخرطوم للقضايا الإنسانية
أغسطس 11, 2024