مقالات

خليل كرشوم حسن يكتب…(السودانيون عبيد)

مراديس نيوز

الطغاة الفراعنة يستبيحون الدساتير ويتلاعبون بها كيفما شاؤوا، يجمعون اموال الشعب عبر الاستيلاء على الحصة الكبرى من الثروات أو جمع الضرائب، ويرمون بالفتات لمن حولهم من الأوتاد الذين يتكاثرون من حولهم، عبيدا للمال والسلطة.
على مدار التاريخ الانساني، حين يتجاوز الطغاة المستبدون مرحلة الشعور بالتهديد، تتغير بواطنهم ومنطلقات تفكيرهم، فيسيطر عليهم شعور عميق وتفكير مسيطر إنهم آلهة في الأرض ينبغى أن تنحني لهم الرقاب ويسمع لهم الخلق، بل يتعلقون بهم طاعة ورهبة.
نعم نحن عبيد ولا شك في ذلك عبيد وسنظل عبيدا إن رضينا أم أبينا تمرحلنا من عبودية المستعمر إلى عبودية المستعمر الوطني منذ فجر الإستقلال عن اي استقلال نتحدث استقلال خروج الفرنجة بعدها آل الحال إلى إستعمار جديد من بني جلدتنا من حكم الطواغيت.
ظاهرة العبودية الطوعية، ، من حيث رصد لغة العبد الطائع باختياره وكذا تمثلاته الذهنية والنفسية ونسقه الإدراكي والسلوكي. العبودية الطوعية، هي اختيار الإنسان من تلقاء ذاته أن يكون عبدا للطاغية/الحاكم مستمتعا بطاعته، سواء كان في الحكم، أو في الحزب او التنظيم أو الحركات المسلحة أو أي مجال من مجالات الحياة التي تمارس فيها سلطة ما.
لم تزل مملكة الأحزاب التي تهيمن على ولاءات الغبش( كحزب الأمة والاتحادي ) على سبيل المثال، الصادق المهدي رئيس للحزب نوفمبر ١٩٦٤م حتى ٢٠٢٠م بل فرخ الحزب وتفرعت المملكة لأمتهان السياسة فجاء ( عبدالرحمن ، صديق، مريم بالإضافة لمبارك الفاضل والصادق الهادي ) أيضا الاتحادي( أحمد الميرغني، محمد عثمان الميرغني، محمد الحسن ، جعفر الصادق ، إبراهيم الميرغني ) محمد ابراهيم نقد سكرتير للحزب الشيوعي ١٩٧١ _ ٢٠١٢م عبود حكم (٦) عام ، نميري حكم (١٦) عام البشير حكم (٣٠) ولم تزل الاطماع تراود اتباعه والسلالات التي أدمنت لعبة السياسة كآل الدقير وغيرهم
التسيد في الحكم بل الطاغية المستعمر الجديد بردائه الوطني ليس من عبث السياسيين، ولا من أفعالهم، بل هو من الشعب الأمة التي ارتضت لذاتها ان تقبل ذلّ الحكام ،ومكنتهم من نفسها فكيف ينجو الشعب من ذل الطغاة .
حتى الحركات المسلحة مارست سطوتها على اتباعها، تقاتل بهم في الادغال والاحراش ويموتون مضحين لأجل قضية آمنوا بها وعندما يصل زعمائهم إلى كرسي الحكم يغضون عنهم الطرف فالقضية هي المناصب
الحاكم الطاغية يورث العبد الطمع في التسيد؛ الطمع هو اشتهاء نفسي منحط، يسعى من خلاله العبد الطوعي إلى تحصيل خلق ذميم في طلب ما هو أذم، بل طلب ما بلغ نهاية الذم، فالإطغاء يبقي العبد مستعبدا على أسوأ وجه ممكن، يزداد عبودية على عبودية. ويخفي الطاغية تسيده على المتعبد الطوعي تحت اسم (احترام القانون ، الولاء )، مبررا دحره للفطرة الروحية،النفسية بما يتخللها من آفات أخلاقية مثل: حب الظهور وحب الشهرة وحب الجاه وحب الثناء والنفاق والكذب والحسد والحقد والوقاحة، والإغواء، منفصلا عن كل الأصول الأخلاقية، مبررا ذلك بالواقعية السياسية.
فالحريّة عندما تُسلب سيضيع بعدها الفكر والتفكير، ليبدأ بعدها الزّحف نحو الحاكم الجديدبعقول فارغة، فيملأها الطاغية بأفكار ومفاهيم شتى بما شاء، وكيفما شاء، ومتى شاء، لتكون تلك الأفكار المشوّهة منهجاً مقدّساً، تُخصّص له الدروس، وتكرّس له العقول، وتُفدى من أجله الأرواح.
إن العبد الطوعي، هو الأداة الأساسية، بنظرنا، في ترسيخ التسيد (سيدي فلان وعلان ، والزعيم علان ، القائد دهلان) ينم عن غريزة دفينة في النفس، غريزة الاستتباع والتملق، تمتد ذاكرتها التاريخية إلى الذين استخفهم حاكمهم فأطاعوه، وأصبح يريهم ما يرى، وهم يطغون على الناس ويقهرونهم بأفكار زعيمهم ورؤيته، ويحضوهم عليها، مما تنكره الفطرة ويستنكره العقل.. إن أرعن السلوكيات التي تعرقل مسار الحياة المدنية وقيم النبل والوجود الانساني هي التي تدعوا للخدمة الآبقة للطاغية..والأخطر في هذا الأمر هو عندما يتخذ ذلك صورا من الفعل الحركي والدينامي ونسج أنماط من الخطاب المؤطر والمؤثر ، المستلب للعقول الممتص للأحاسيس..كل ذلك من اجل الركوب على المعنى الحقيقي لنظرية الطغيان السلمي والعبودية الخادمة له..كل ذلك من أجل الوصول لأرقى أشكال الوصولية والتسلق والانتهازية إلى احتلال درجة الطاغية القائد والجلوس على كرسي الطاغوتيه للفوز بالخدمة السلمية الآبقة للعبد الطائع المائع والحاشية الساذجة التي تتعطش إلى الحقيقة..إنه التاريخ الذي لا ينسى.
لذلك، إنَّ الخروج من مستنقع العبوديّة يتطلّب وقفة حقيقيّة مع الذات الإنسانيّة، من أجل مسح جميع العوالق والموروثات التي تراكمت عبر السنين، والخروج من قولبة الذلّ والانبطاح وحالة النقص المتوارثة، والبدء بإطلاق العنان للعقل والوعي
قبل ما يقارب خمسة قرون كتب مفكرٌ فرنسي شاب اسمه إيتيان ديلا بويتي مخطوطة بعنوان خطاب حول العبودية الطوعية كُتبت تلك الوثيقة للتنديد بنظام المَلَكية المطلقة وللتحريض على عصيان النظام الاستبدادي. ولقد حظت تلم المخطوطة باهتمام يتعدى زمانها ومكانها. بل إن قيمتها الفكرية والتحريضية تستمر إلى اليوم رغم عمرها الذي يقارب خمسمئة سنة.
يقدم ديلا بويتي (دي لا بويسي، حسب بعض الترجمات العربية) تحليلاً نافذاً للأساليب التي يتبعها الطغاة للبقاء في قمة السلطة. وهو تحليل يتفوق فيه ديلا بويتي على كثيرين من المنظرين في هذه الأيام إذ هو ينطلق من فرضيتيْن متلازمتيْن من فرضيات علم الاجتماع السياسي الحديث. الأولى تقول إن مصدر السلطة هم الناس. إلا أن هؤلاء يتخلون عن السلطة، لهذه الأسباب أو تلك، لصالح شخص يتحول عاجلاً أو آجلاً إلى طاغية.
من هنا، ندرك أنّ الأمم الناهضة هي تلك الّتي تتوهّج حضاراتها، وتتجلّى عظمتها من خلال الثبات على طريق الحريّة ورفض العبودية بكلّ أصنافها، وتقاوم الجهل والتخلّف من أجل تهيئة الطريق نحو مستقبل يَنعَم فيه الجميع بالتقدّم والازدهار.
أمّا الأمم المُستعبدة، فلا نجاة لها إلّا من خلال التسلّح بالوعي والمعرفة، والإيغال في غياهب الواقع الاجتماعي، وتحليل علاقاته السببية بجميع أبعاده ومسمّياته، وأهمها دراسة سلوكيات الأفراد ضمن فترات زمنية متباعدة .
فالإنسان، بطبيعته، مجبول على الحريّة، وحقّه في ذلك مُقدّس فَرَضَته الشرائع السّماويّة، والعبودية منشأها وجودي طوعي، وهي بطبيعتها تتناقض مع الفطرة الإنسانية.
والشعوب، وإن ارتضت العبوديّة ردحاً من الزمان، فلا بدّ من أن يأتي الوقت الذي تستفيق فيه، لتخرج من ذلّ عبوديّة الطغاة إلى كرامة عبادة الله وحده. حتى فترة الديمقراطية كانت أداة للسلطان الوريث المدلل الذي لا يعلم عن رعيته شيء متى يفيق الشعب السوداني من السطحية والتبسيط وعبودية الولاء لاصنام الحكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى