الأخبار

البلابسة و بلاهة استقراء المتاحات السياسية وضياع الممكنات الدبلومسية.

د.جودات الشريف حامد : الخبير بالمركز السوداني للدراسات الاستراتيجية و الفيدرالية 

إن اغتنام الفرص والمتاحات السياسية تمثل أحد هوادي وضروريات مبدأ قبول ممكنات أن تكون جزءاً من واقع محدد، إمكانية تجاوزك فيه واردة وممكنة، فتعطي بغرورك واغترارك فرصة أن تُغيّب و تُهمّش لا قصداً بل واقعاً، فما لا يمكن ضمانه كلياً كما يتمظهر في الأمنيات السياسية وطموحات الميدان عسكرياً قد يكون متاحاً و مباحاً جزئياً عبر التواضع والاعتراف بمعايشة واقع الحال وفقه الممكن في متاهات السياسة وتبدل الثابت في متغيراتها.

يأتي هذا المدخل التمهيدي لتحرير وتكييف ظاهرة وسلوك البلابسة الرافض لوقف وإنهاء الحرب الدائرة ومآلاتها وهم عيناً لا قِبلَ لهم بمطلوبات واشتراطات استمراريتها، يدّعون الانتصارات و هم منهزمون، يزعمون امتلاك القوة والقدرة وهم في أسوأ حالات ضعفهم وهوانهم علي قرائن الواقع ومنطق مجريات الأحداث فيه، يتظاهرون بالتماسك وارتصاص الصفوف وهم اليوم أكثر تشظياً وهشاشةً و تفرقاً، تحسبهم جميعاً وقلوبهم في دنياوات الأهواء شتي ، لأنهم وببساطة لا يعدو أن يكونوا (بَوْ) لجماعة إفك مخادعة في مظهرها ومزيفة في جوهرها، ولله الحمد قد قيّض الله لهم في سوح القتال وفضاء إقامة الحجة والمقال ما يفضح عوراتهم المتدثرة بتناقضات الأضداد لأكثر من ثلاثين عاماً تحت عباءة الدولة وخمار سلطانها لمداراة سوءاتهم السياسية والأخلاقية والخلقية. تسعة أشهر ونيف هي عمر حرب ١٥ أبريل التي أطلق هؤلاء الفلول البلابسة رصاصتها الأولي غدراً وخيانة علي مقار أشاوس قوات الدعم و ما زالوا يمارسون الخداع الممنهج علي الشعب السوداني، محاولين تحريضه إثنياً وجغرافياً وأحياناً دينياً لقتال الدعم السريع في معية بعضاً قليلاً من عناصرهم المتأسلمة أحياناً ويقاتل الشعب لوحده إنابةً عنهم في أحايين كثيرة،أملاً وتوهماً منهم أن تنقلب معادلة أرض المعركة لصالحهم مع أن كل المقاربات السببية والمشاهدات الواقعية تؤكد أنهم لن و لم ينتصروا في معركتهم ضد قوات الدعم السريع حتي يَلجَ الجمل في ثقَب الإبرة التي ادعي برهانهم الهارب أنه يحفر بها مؤامراته الكيزانية الخبيثة ضد الوطن، فللانتصار العسكري والسياسي أسباب أولها وجاهة الغاية ونبل المقصد ومدي أخلاقياته و آخرها وجود رجال مقاتلين أصحاب قضية لا أصحاب مزايا مادية فحسب . في المقابل بالإمكان ملاحظة الثقة السياسية الفاخرة وكبرياء النفس وإباء الأفكار والأطروحات المتبصرة التي يتحرك ويصرح و يسدد و يقارب من خلالها السيد قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو أجندات ما يهمه ويشغل باله تجاه أزمات ومُقعدات الوطن و هو يجوب العواصم الأفريقية و يؤم مؤتمراتها بحثاً عن آليات منصفة لإنهاء هذه الحرب وإيجاد مداخل عادلة لإنجاز السلام المأمول بما يُفضي إلي حل جذري شامل الازمات السودان، شريطة أن يكون نابعاً من الإرادة الجمعية للشعب السوداني التوّاق إلي بناء دولته المدنية بمؤسساتها الديمقراطية المستقرة المرجوة ، ولأننا نعيش في عالم يُقدِّر ويُدرك ضرورة التعاون وقيمة التعاضد البشري وأهمية تشارك الهم الاقليمي والدولي في القضايا الإنسانية المشتركة، عليه فإن أمر إيجاد حلول نهائية للأزمة السودانية بكافة تشعباتها لم يعد هماً أو أمراً تقع مسئوليته التاريخية والأخلاقية فقط علي أطرافه المتنازعة عسكرياً على الأرض أو المختلفة سياسياً في في الرؤي والكيفيات المؤدية إلى استدامة سياسية ، وقد فطن السيد قائد قوات الدعم السريع مبكراً لكل هذه التقاطعات والتباينات، فتعامل معها ومع مجمل مقتضيات إنهاء هذه الحرب وصولاً لسلام مستدام يؤدي إلي تأسيس دولة سودانية راشدة ،تعامل مع كل ذلك كأجندات ومرتكزات مبادئ ومشاريع رؤى وطنية تفاوضية قام بطرحها وشرح فلسفة قناعته بها للقادة الأفارقة وممثلي الدول والمنظمات الدولية الذين التقي بهم في جولته الخارحية الراهنة، مؤكداً حرصه ومُثْبتاً صدقه تجاه قضايا وقف الحرب وتحقيق السلام وبناء الوطن رغماً عن الانتصارات الباهر والمشهودة لقواته علي جيش فلول البلابسة في كافة محاور القتال، كل ذلك تقديراً و نزولاً من سعادته لرغبة وتطلعات الشعب السوداني صاحب المصلحة الأول في إنهاء الحرب وتحقيق السلام، الأمر الذي نتج عنه كمية الاحترام و التوقير والتبجيل إقليمياً ودولياً لشخص الفريق أول محمد حمدان دقلو كقائد مسيرة سلام في معادلة الواقع ورجل دولة محتمل يدعو لإيقاف الحرب وتحقيق السلام و العودة لمسار التحول المدني الديمقراطي، وقد مثلت دعوة دول الايغاد لسيادته لحضور قمتها الطارئة بمدينة عنتبي الأوغندية تحولاً سياسياً و دبلوماسياً ضخماً في منظومة تقييم ومراجعة مواقف الرأي العالمي حول من له حق التمثيل في المحافل الدولية للحديث عن قضايا السودان و أزماته، هذا التحول في مواقف المجتمع الدولي وعلي رأسه دول الايغاد قد أضعف الوضع السلطوي للبرهان البلبوسي و من ورائه بلابسته الفلول الذين أضاعوا علي أنفسهم و بغرورهم وعجرفتهم و بلاهتهم فرصاً ثمينة لاستقراء مؤشرات تحولات المزاج الدبلوماسي الدولي تجاه أزمة السودان وفوتوا سوانحاً كثيرة في أن يكونوا جزءاً من واقع اليوم الذي ما زال لهم فيه متسعاً من المتاحات السياسية وغدٍ آخر يحمل في رحم مفاجآت إيقاعه المتسارع من ضيق الممكنات وعدم المباحات الدبلوماسية الكثير الصادم للفلول والبلابسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى