. ١٣ ديسمبر ٢٠٢٣م!
لقد بات واضحا – بما لا يدع مجالا للشك، أن الحرب الدائرة في السودان الآن، لا علاقة لها بالوطنية ولا القرارات القومية، إنما تمت وإديرت لدواع جهوية معلومة – يخشي الناس ذكرها، بينما السودان يمر بوضع تحولي وتطور تاريخي، لا يحتمل إلا أن تسمي الأشياء فيه بأسمائها! وكسرا لبرتكولات هذا المخشي – “المسكوت عنه”، وبناء علي تلك الإرهاصات والتهديدات التي رشحت في 10 مارس 2023م، أثناء مخاطبة ثنائية للبرهان وياسر العطا لأهاليهم في مناسبة زواج جماعي بقرية قندتو وهما يتوعدان – دون مناسبة قوات الدعم السريع (بالقضاء والفناء)، فما يمكننا الحكم به علي هذه الحرب، أنها بنيت علي قرار جهوي لا يخدم المصلحة الوطنية في شيء، مما يجعلها مجرد أوامر غير مبرئة للذمة – أخلاقيا ودينيا وحتي مهنيا، لأجل بقاء واستمرار أتباع نفس النظام البائد في السلطة! وما ذلك الإتفاق الإطاري – بغض النظر عن جاهزيته للتوقيع عليه، فإن أولئك الأتباع – بقايا لجنة البشير الأمنية بالمكون العسكري للسلطة الإنتقالية، قد جعلوا منه مجرد سيناريو لإشعال فتيل هذه الحرب! وبلمحة سريعة، فان الدلائل المؤكدة علي مدي جهوية قرار الحرب وطبيعته الإرتجالية التجشمية “العبثية!”، لنجدها متمثلة في النقاط الآتية:
اولا: لا يمكن لدولة ذات سيادة مبدأها الوطنية وتدار بدستور واسس مهنية، أن تقرر الخوض والإستمرار في حرب تم وصفها بالعبثية، بإعتراف رئيس مجلس سيادتها وقائد عام قواتها المسلحة – مسؤول أوامر الحرب – من أضرب لتقتل إلي أرضا سلاح، ما لم تكن هناك مصلحة ما – هي فوق المصالح الوطنية بأجمعها، أدت لقيام هذه الحرب المصممة عبثا في ظاهرها وخبثا في باطنها، وقد قالها البرهان في هذا الخصوص: (مهما تجوط، تجينا راجعة)!
ثانيا: لطالما أنها حرب عبثية وفي بلد أحوج ما يكون للسلام والإستقرار، فإن المصلحة الوطنية وعلي رأس أولوياتها إحتواء المهددات القومية المحدقة بالبلاد، فإن القرار الطبيعي المتوقع إتخاذه بشكل عاجل في هكذا أوضاع، هو وقف الحرب ولو من طرف واحد – تبرئة للذمة المطلوبة وتأكيدا للوطنية المفقودة!
ثالثا: عرقلة التوصل لإي إتفاق يفضي لوقف الحرب، هو مؤشر حقيقي لحملة التصعيد المستمرة من جهة، وتكرار آخر لنفس عملية عرقلة توقيع الإتفاق الإطاري التي أدت دون إجماع وبشكل مفاجئ لقيام هذه الحرب الدائرة من جهة أخرى! لذا فإن ممارسة هكذا عراقيل قبل أن تكن نكوصا لتعطيل الإتفاق الإطاري، إنما هي تأكيد آخر علي طبيعة الحرب الوجودية في معناها الغير معلن، عبر ذلك المخطط المعد جهويا للقضاء التام علي قوات الدعم السريع، حتي ينتفي مع إفنائها مطلب دمجها في القوات المسلحة السودانية!
رابعا: الإصرارا علي مواصلة الحرب دون تقديم اي طرح وطني او رؤي حقيقية تحد من نزيف الدماء ورفع المعاناة عن كاهل الشعب المنهك، إنما هي أجندات تتطلب التحقيق الرسمي بمستوى عال ( _of High Scale Official Investigation_ ) وتساؤلات تقتضي التوضيح للراي العام، لكونها مواقف غير بناءة ولا مسؤولة ولا علاقة لها البتة بالمصلحة الوطنية، لا من قريب ولا من بعيد!
خامسا: طريقة تقديرات الحرب والإستعداد لها، لم تضع في الحسبان جهوزية القوات المسلحة ولا التقديرات الحقيقية لحجم العدو المستهدف وإمكانياته الأخري (Other RSF’s Potentials)، مما يؤكد علي أن الحرب لم تكن موصي بها أمنيا ولم تكن قرارا مهنيا، حيث يكون بالإمكان تجنب البلاد حدوثها بدءا، أو الإجتهاد بخلق بدائل غيرها سلما، أو التحكم في نتائجها تفاديا لما نشهد الآن، من فوضي الإنتكاسات والهزائم المتتاليات!
سادسا: تضييع القائد العام للجيش لفرص وقف الحرب منذ أيامها الثلاثة الأولي ولحد هذا التاريخ، يؤكد عدم مراعاة مصلحة الجيش الذي يهم الشعب السوداني قاطبة، ألا يراه إلا مكرما منتصرا وليس مهملا مهانا كما شهد الجميع علي ذلك – محليا وإقليميا ودوليا! هذه اللا مسؤولية تجاه القوات المسلحة، تؤكد ان وصف الحرب بالعبثية من قبل القائد العام للجيش، أمر مقصود بذاته لأجل التمويه، خاصة انه تحديدا هو من أصدر أوامر إنطلاقتها، وهو نفسه من بيده الآن قرار وقفها في أي وقت يشاء – لا ليضع الكرة في ملعب الطرف الثاني – لإحراجه واختباره، إنما ليري بنفسه كيف أن الشعب السوداني بأسره – لا ينتظر منه حتي الآن، إلا قرارا يوقف الحرب اللعين! [للمزيد عن تلك المخاطبة الثنائية، يرجى مراجعة مقالنا بالرابط أسفل المقال]
من هذه النقاط نستخلص، أن ثنائي الحرب (البرهان/ العطا)، لا يزالان في موقف التصعيد الذي فاجاءا به الشعب منذ تلك المخاطبة بقرية قندتو التي منها إنطلقت نذر الحرب ولا تزال علي وتيرة تهديداتها مستمرة – دون ان نتساءل؛ لم لا يجنح البرهان وياسر عطاه لمبادرات السلام، وأمامهما سيل الدماء والأشلاء وكل الحطام! الإجابة، تكمن في طبيعة قرار الحرب الجهوية، الذي لا يعني عامة الشعب السوداني المكتوي بنيران هذه الحرب في شيء – اللهم إلا خاصتهم ومن يشبهونم، ممن يهددون جميعا بإستمرارية الحرب، علي ندائية: “بل بس”! عليه، فإنها ليست الصدفة وحدها ما جعلت إبني قندتو من يهددان باضمار مواجهة الدعم السريع من قندتو، وهما لوحدهما الآن من يقوما بالتصعيد من خلال رسائل تصريحاتهما التي ادت لفشل مفاوضات جدة “تو” من جهة، ومن خلقت مغالطة لإهدار مخرجات قمة جيبوتي الأخيرة من جهة أخري، بينما الشعب السوداني بأسره يعلق الآمال عراضا علي هذه المنابر لوقف الحرب – اليوم قبل الغد! ولمن لا يعرف قندتو، فإنها إحدى قري إقليم الشمالية الذي لم يتذوق ويلات الحرب – وكيف لا، وقناة طيبة مسخرة هي الأخري للتصعيد والتعتيم والتضليل، ولكأن الذي يدور بالبلاد مجرد مطاردات لقمع تمرد شارف علي الإنتهاء – إيقانا بالنصر من عند أنفسهم، ونسوا ان النصر ليس بالقوة حتي المميتة منها، بل هو من عند الله، الناصر لمن يشاء!
فقرية قندتو ومعها جلاس – ملتقي قيادات الكيزان والجنرالات “الدولة العميقة”، وبقية الريف الشمالي حتي وادي حلفا، لم تكن حتي الآن مناطق متاثرة بالحرب، وإلا لتغيرت (ويدي علي المصحف)، مواقف الرجلين تجاه الحرب، لما يعجل بوقفها دون اللجوء للغة التصعيدات التي بقيا يستعرضان بها، منذ خروجهما خلسة من مواقع الحصار المضروب عليهما لما يزيد عن أربعة أشهر بالتمام! عليه، لو كانت هذه الحرب تدور رحاها بولايتي نهر النيل والشمالية، لما أعطي البرهان؛
□ الأمر بقصف قراها ومدنها عشوائيا بالطيران ولا بالمدفعية الثقيلة، كما شهدنا – بلا رحمة، بأطراف العاصمة وكردفان ودارفور.
□ ولما قطع عنها حركة المواد الغذائية والدوائية والسلع التجارية وحتي المعونات الانسانية.
□ ولما استهدف فيها المرافق الحيوية والبني التحتية، كما شهدنا دون ادني مسؤولية.
□ ولما سحب عنها الخدمات الشرطية والعدلية والخدمات المصرفية، ولما قطع عنها شبكات الإتصال وإمدادات المياه والكهرباء، حرمانا لانسانها من حقوقه وسبل معاشه الإنسانية!
وهنا لا يزال المواطنون وجميع العاملين المحرومون من حصول رواتبهم وسبل معاشهم وحياتهم .. حتي إشعار آخر، في حيرة من حقيقة هذا الذي يجري – أهو؛ حرب إنتقائية علي المدنيين أم انهاعلي المتمردين، ومدافع الجيش وراجماته وصواريخ طائراته وحتي مسيراته لا تزال تحصد ارواحهم، بنسبة لا تقل عن (٩٠%) من جملة ما حصدت منهم ومن أفراد الدعم السريع بين الأحياء السكنية! ولذا، فإن البرهان – القائد العام للجيش، سيكون في موقف لا يحسد عليه إن دخلت قوات الدعم السريع واحدة من مدن الشمالية، لذا رايناه بالأمس واقفا بين الجنود، متفقدا بنفسه أعمال حفريات خندق مدينة شندي، للتصدي لأي هجوم محتمل منها، وهو لا يزال يعد الجنود بالنصر والتوعد بالقضاء علي ما أسماها مليشيا الدعم السريع، بعد ما أقر بها قوة خارجة من رحم الجيش! ومع رهان كسب الحرب بالتصعيد والمراوغة بالمغالطة بين قبول الإتفاق علي وقف إطلاق النار والتراجع عنه بإفشاله، هي مجرد مناورة لكسب الوقت، لردع الدعم ليس للخروج من العاصمة الخرطوم وانما منعا لتوقف زحفه المحتمل نحو إقليم الشمالية – عملا بالآتي:
أولا: الإستمرار في خطاب الكراهية كسبا للراي العام، إشانة وتشويها منتظما للدعم السريع. حيث أن محاولة إصباغ الصفة الوطنية لهذه الحرب، لم تأتى إلا بعد توالي هزائم قادة الجيش منذ الأسابيع الأولى للحرب، حيث جعلوا من الدعم السريع خلقا لا يشبههم، وأجانبا خططوا للاستيلاء علي السودان تغييرا لخارطته الديموغرافية.
ثانيا: الإستمرار في حملات التجييش والإستنفارات، أمام تواضع الدعم البشري الخارجي المحتمل من دول ربما وعدت بذلك! عليه، فإن وكلاء قيادات تنظيم الإخوان بالاقاليم سينشطون في الأيام القليلة المقبلة علي سد فجوة النقص البشري للجيش باستجلاب مستنفرين جدد، أن نجحوا في ذلك من خارج كردفان ودارفور المسيطر عليهما الدعم السريع!
ثالثا: المناورة – الآن، بقبول وقف إطلاق نار دائم، ليس المقصود منه مع لغة التصعيد المسموعة والتهديدات المعهودة، الوصول لسلام دائم منشود، وإنما مناورة لإعادة تموضعات الجيش حماية لاقليم الشمالية كخيار لا رجعة فيه، ولو تنتهي الحرب بقيام حكومتين علي النموذج الليبي! لذا،
رابعا: الإستمرار في عمليات الإستهداف الممنهج للبني التحتية وللمواطنين العزل بقصفهم عشوائيا بالطيران والمدفعية الثقيلة، إنما هي أوامر نزوح وتشريد وأجندات تدمير وتخريب، لأجل تفريغ العاصمة من سكانها ثم الإنقضاض علي الدعم السريع بسياسة الأرض المحروقة!
خامسا: إجمالي هذه الإستمرارات باجمعها وعلي راسها التصعيد والتهديد المتواصل من مايستروهات الحرب في السودان، إنما هي تمهيد لتهيئة المجتمع الدولي لفرض تدخل عسكري دولي علي السودان، يعمل البرهان للترحيب به ووزنه كما بعثة اليوناميد واليونيتامس مناورة بأجنداته التي تروق لمخطط تجزئة السودان! لكن هذا التدخل عاقبة تحقيقه هي السباق مع الزمن أمام تقدم الدعم السريع ومفاجآته الغير محتملة!
ختاما، هذه هي الحقائق المتمثلة في التصعيد والتمويه والتضليل – يجب أن يعلمها: أولا الشعب السوداني، ان إبني قندتو (البرهان والعطا) لا يزالان مع التصعيد وخيار الإستمرار في الحرب، حتي القضاء علي آخر جندي دعم سريع في السودان – هكذا وعدا وتوعدا! وثانيا وسطاء مفاوضات جدة والمنابر المساعدة لها، ليدركوا هذا الواقع والتحوط معه بالخيارات الأخري – عقابا وحظرا وحصارا وحتي تدخلا عسكريا، حتي لا يضيع الوقت والمال سدي، ونفخا في قرب مقدودة!
. … أنتهي،،،