مقالات

أبو محمد يكتب : موسم الهروب إلى بورتسودان   (جري دنقااااس)

مراديس نيوز

 

لم يكنْ هروبُ أيِ رجلٍ سوداني من أيةِ معركة مهما كانت، أمراً معتاداً أو مألوفاً أو مقبولاً، و يكون الأمرُ صعبٌ جداً إنْ كان الهاربُ جندي سوداني و يصبح الأمرُ أصعب إنْ كان الهارب ضابط عظيم، و يصل الأمرُ حدَ الدهشة إنْ كان الهارب القائد العام للقوات المسلحة أو نائبه.

هذه الدهشةُ تحققت لدى الناس عند هروب البرهان و الكباشي مِن ساحة المعركة بالقيادة العامة للجيش، و لم يصمدا في مواجهة أشاوس قوات الدعم السريع. و لحقا بمن سبقهما الفريق إبراهيم جابر، وسيصبحون جميعهم قدوةٌ سيئةٌ لمن سيلحق بهم من أشباهِ القادةِ، كياسر العطا.

أضحت بورتسودان وجهةً و ملجأً مرغوب لكل مرعوبٍ من قادةِ العسكر مِمَن خزلته شجاعتُه و قاده جُبنُه إلى مغادرة سوحِ القتال فيما أطلقوا عليه هم أنفسهم معركة الكرامة، و لم يحفظوا كرامتهم بالصمود و لم يحفظوا ماء و جههم بالبقاء في ساحة الشرف بالدفاع عن الجندية السودانية و الزي العسكري السوداني و الإرث العسكري السوداني.

تسابق قادتنا و تنافسوا في فَن القدرة على الهروب من القيادة العامة التي تمثل رمزية مادية و معنوية للجيش السوداني منذ تأسيسه قبل ما يقارب المائة عام، فمنهم من هرب دون ضجيج، متسللاً كإبراهيم جابر و منهم من هرب حافياً و لاذ بالفرار كالبرهان و منهم من هرب متحججاً بتحقيق النصر بالتقهقر. و كلهم وجهتهم بورتسودان التي إستنفروا نساءها و بناتها للقدوم إلى الخرطوم لتحرير قيادتهم العامة.

إن أعضاء إتحاد تجمع الضباط العظماء الفارين من القتال في الخرطوم يتوقع له أنْ تتسعَ عضويته يوماً بعد يوم مع تشديد أشاوس الدعم السريع لقبضتهم على الخرطوم، و سوف نشهد مزيداً من الهجرة و الإنزواء في غياهب بورتسودان بالقرب من طالبي الدنيا، أمثال مالك عقار و جبريل إبراهيم و مَن جرى جريهم و خاف خوفهم.

سجّل التاريخُ يوماً أنّ محافظَ الكُرمُك البطل *يعقوب حسين* في أواخر الثمانينات من القرن الماضي قد إستشهد في المدينة بعد الهجوم عليها من قبل حركة متمردة، و رفض الخروج قبل مغادرة آخر مواطن من المدينة، كإلتزام أخلاقي فرضته عليه المسؤوليةُ و الشجاعةُ التي تمتع بها. و التاريخ مليئ بالشواهد و الصناديد الذين واجهوا مصيرهم بكل بسالةٍ حتى إنتصروا أو صافحوا الموت كأبطال.

لا أدري بماذا يحدِّث البرهان و الكباشي و جابر أنفسَهم عن أنفسِهم، و لكنْ أعلم أنّ الناسَ يتحدثون عنهم بإحتقارٍ أكتر مما ورد في مقالي هذا. و لن تكون هناك كفارةٌ لزلةِ قدم جرتْ هكذا إلا بالتنحي جانباً من الشأن العام و شأن الجيش و ترك الرجال يفعلون، فلربما قادنا غيرُكم إلى سلامٍ تنعمُ به البلاد بالرخاء و يستريحُ فيه المواطن من الإحساسِ بالخجل تجاه قادته.

ابو محمد

23 أكتوبر 2023 م

الخرطوم

# *أجنحوا للسِّلْم*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى