ينأي بعض رواد النقد الأدبي من تناول الانحراف العقدي في الشعر ظناً منهم أنّ الاعتناء بهذا الباب من أبواب العلم واجب على علماء السنة لوحدهم ، وظل بعض النقاد يرون أن سوء المعتقد ليس عيباً على الشعر ، وحاول بعضهم تمييع الحكم عى المرتدين الذين نطقوا بالكفر في الشعر حتى لا يطال الحكم مجموعة أخرى من الغاويين ، لكن الحفاظ على العقيدة السليمة وكشف المروجين لسوء المعتقد واجب على علماء السنه كما هو واجب على كل ناقد مخص في الأدب الاسلامي .
والمتتبع للشعر في العصرين الاسلامي والعباسي يجد فيضاً من تلك الانحرافات العقدية ، لاسيما لدى بعض الشعراء أمثال بشار ، وأبي نواس وديك الجن ومن أمثلتها : التعدي على مقام الربوبية : نحو قول (المتنبي) (، متغزِّلًا- مع أن الرجُل ليس من شؤونه الغزل في شيء، لكنه وقع في شرِّ أبياته:
يَتَرَشَّفْنَ مِنْ فَمِيْ رَشَفَاتٍ
هُنَّ فيهِ أَحْلَى مِنَ التَّوْحيدِ
فقد تعدى على مقام الربوبية وهو يزعم أن أن الرشفات أحلى من التوحيد وقد حاول بعض شراح ديوانه إبعاد شبهه التعدي عنه فقال أنه كان يقصد بقوله أبي حيان التوحيدي صاحب كتاب الامتاع والمؤانسة.
وقد جاوز المتني حد الإساءة وهو يشعر بالعلوّ والرفعة على جميع المخلوقات والخالق، وقد ترجم ذلك الشعور في قوله:
أَيَّ مَحَلٍّ أَرتَقي أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقي
وَكُلُّ ما قَد خَلَقَ ال لاهُ وَما لَم يَخلُقِ
مُحتَقَرٌ في هِمَّتي كَشَعرَةٍ في مَفرِقي
فهو لا يستعظم شيئاً مما خلق الله بما في ذلك الصالحين والأنبياء والملائكة.
ومن الانحرافات العقدية التي برزت كثيراً في الشعر القديم انكار حياة ما بعد الموت قال ديك الجن منكراً المعاد والثواب والعقاب وداعياً إلى استباحة المحرمات
أَأَتْرُكُ لَذَّةَ الصَّهْباءِ عَمْداً
لما وَعَدُوهُ مِنْ لَبَنٍ وخَمْرِ
حياةٌ ثُمَّ مَوتٌ ثُمَّ بَعْثٌ
حَديثُ خُرافَةٍ يا أُمَّ عَمْرِو
وقال أيضاً
هيَ الدُّنيا وقد نَعِموا بأُخرى
وتسويفُ النّفوسِ من السَّوافِ
فإنْ كذبوا أمنتَ، وإنْ أصابوا
فإنّ المبتليـكَ هو المعافـي
وأصدقُ ما أبثُّك أنَّ قلبـي
بتصديقِ القيامةِ غيرُ صافي
وقال أيضاً:
إني بعاجل ما ترين موكل … وسواه إرجاف من الآثار
ما جاءنا أحد يخبر أنه … في جنة مذ مات أو في النار
ومن الانحرافات التي برزت بصورة واضحة لدى شعراء الغزل العزري أمثال جميل بثينة ومجنون ليلي وكثير عزة وقيس لبنى دعاء غير الله ، فقد كانوا يعتقدون أن الرجل إذا خدرت رجله فذكر أحب الناس إليه ذهب عنه ما يعانيه
و قد قال قيس لبنى
إذا خدرت رجْلي أبوح بذكرها ليذهبَ عن رجلي الخدور فيذهبُ
وقال جميل بثينة :
إذا خدرتْ رجلي، وقيل شفاؤها. دُعاءُ حبيبٍ، كنتِ أنتِ دُعائِيا.
ومن ابشع الانحرافات التمرد على الحق نحو قول أبي نواس:
يا أَحمَدَ المُرتَجى في كُلِّ نائِبَةٍ. قُم سَيِّدي نَعصِ جَبّارَ السَمَواتِ
والغلو في المدح ويظهر بصورة أكثر وضوحاً وبشاعة في قصيدة ابن هاني الأندلسي التي يمدح فيها الأمير الفاطمي بعد فتح مصر
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
و كأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ
وكأنّما أنصاركَ الانصارُ
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرنَا بهِ
في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ
ويظهر الاستهتار بالفرئض في شعر شبيل بن ورقاء هو من زيد بن كليب بن يربوعٍ، وكان شاعراً مذكوراً جاهلياً، فأدرك الإسلام وأسلم إسلام سوءٍ، وكان لا يصوم شهر رمضان، فقالت له بنته، ألا تصوم؟ فقال:
تَأْمُرُنى بالصَّوْمِ لا دَرَّ دَرُّها … وفى القَبْرِ صَوْمٌ لا أَباكِ طَوِيلُ
والتزام العقائد الفاسدة كالدهرية والجبرية وغيرها ونجد هذه المعتقدات الفاسدة في شعر بعض الشعراء أمثال ديك الجن وبشار بن برد ويقول الأخير:
خُلِقتُ عَلى ما فِيَّ غَيرَ مُخَيَّرٍ
هَوايَ وَلَو خُيِّرتُ كُنتُ المُهَذَّبا
أُريدُ فَلا أُعطى وَأُعطى فَلَم أُرِد
وَقَصَّرَ عِلمي أَن أَنالَ المُغَيَّبا