استخدم العرب الشعر في أغراض متعدده بعضها فاحش مثل الغزل الصريح والغزل بالغلمان والتشبيب والهجاء وبعضها حسن مثل المدح والوصف المقبول والجهاد وحداء الإبل ، وقد كان الشعر متنفسهم الوحيد في تلك البيئة القاسية التي ترعرعوا فيها ، لذلك لا يمكن للإسلام أن يقيم حظراً على ذلك المتنفس ، لكن من يطالع موقف الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يتعمق فيه يظن أنه وقف موقفين متناقضين من الشعر فهو يحب الشعر ويشيد به ويثيب عليه ويمدحه من جهة ثم يعيبه ويزمه في بعض الأحاديث ، سوف نتناول في هذا المقال مواقف النبي صلى الله عليه وسلم المؤيدة للشعر والمنتصرة له :
أولاً: مدحه للشعر:
لقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم الشعر قوله “: «إن من الشعر حكمة.” أي أن من الشعر كلاما نافعا يمنع من السفه ويتعظ به الناس.
ثانياً: تحريضه على قول الشعر:
حرّض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على هجاء المشركين فقال” مايمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم ؟!” وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اهجوا قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل” فهجاهم عبدالله بن واحة ثم هجاهم كعب بن مالك رضي الله عنهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم “آن لكم أن ترسلوا لهذا الأسد الضارب بلسانه” فقال حسان والذي نفسي بيده “لأفرينهم فري الأديم” فقال عليه السلام “لا تعجل أذهب إلى أبي بكر ليخلص لك نسبي” فقال حسان بعد ذهابه إلى أبي بكر في هجاء أبي سفيان:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ * وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا * رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي * لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
وفي عام الوفود، وفد على المدينة وفد بني تميم وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا , : ” , جئنا نفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا ” .. ابتسم أذن لشاعرهم وخطيبهم ثم حرّض حسان للرد عليهم فقال:
إِنَّ الذَوائِبَ مِن فِهرٍ وَإِخوَتَهُم قَد بَيَّنوا سُنَّةً لِلناسِ تُتَّبَعُ
يَرضى بِها كُلُّ مَن كانَت سَريرَتُهُ تَقوى الإِلَهِ وَبِالأَمرِ الَّذي شَرَعوا
قَومٌ إِذا حارَبوا ضَروا عَدُوَّهُمُ أَو حاوَلوا النَفعَ في أَشياعِهِم نَفَعوا
ثالثاً/ الحث على رواية الشعر:
وخير مثال لذلك حديث عمرو بن الشريد، عن أبيه، الذي قال فيه: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: «هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟» قلت: نعم، قال: «هيه» فأنشدته بيتا، فقال: «هيه» ثم أنشدته بيتا، فقال: «هيه» حتى أنشدته مائة بيت .
رابعاً : استماعه للشعر :
هناك عدة مواضع استمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم للشعر وقد أكد جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه جالَسْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثرَ مِن مئةِ مرَّةٍ فكان أصحابُه يتناشَدونَ الشِّعرَ ويتذاكَرونَ أشياءَ مِن أمرِ الجاهليَّةِ وهو ساكتٌ
وقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم حسان رضي الله عنه يقول :
عدمنا خيلنا إن لم تروها *** تثير النقع موعدها كداء
يبارين الأعنة مصعدات *** على أكتافها الأسل الظماء
فقال في فتح مكة ادخلوا الخيل حيث أمر حسان
وعندما سمع النابغة الجعدي يقول
بلغنا السماء مجدنا وجــدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا. فقال النبي: «أين المظهر يا أبا ليلى؟» فقال: «الجنة»، قال النبي: «أجل إن شاء الله»، ثم وكذلك استمع إلى قصيدة كعب بن زهير:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ. مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ.
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا. إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
وكافأة عليها بالبردة .
خامساً تمثله بالشعر :
لقد استعان الرسول صلى الله عليه وسلم بالشعر في الحياة فكان يتمثل بقول طرفة بن العبد
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً • وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
وكان يتمثل أيضاً بقول الشاعر أمية بن الصلت:
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا ، وأي عبد لم يلم بمعصية كما تمثل بأبيات غيرها في مواضع مختلفة وأشهرها ما تمثل به في بناء مسجد المدينة.