الشعر العربي لم يكن جامداً أو خابعاً في حالة واحد فقد ظهرت عدة حركات تجديدية قبل جماعة الديوان منها : حركة تجديد مقدمات القصيد التي ظهرت في منتصف القرن الثاني والتي تزعمها أبونواس وأبو العتاهية ، ثم حركة التجديد في الأوزان التي ظهر في أواخر القرن الثالث في الاندلس فيما نعرفه (بالموشحات والزجل) ، وسبقت مدرسة الديوان جماعة البعث والاحياء الارتدادية التي تحاول العودة بالشعر إلى أمجاده في العصر العباسي والاموي والجاهلي.
وأبرز رواد جماعة الديوان : عباس محمود العقاد ، وعبدالرحمن شكري ، عبد القادر المازني، وقد أطلق عليها جماعة الديوان نسبة لكتاب ألفه اثين من روادها وهما العقاد والمازني ، وكان في نية مؤلفيه أن يخرجاه في (10) أجزاء يتناولا فيه الأدب كما ينبغي لكنهما عجزا بعد أن انتجا جزئين من الكتاب.
وقد تعددت آراء الباحثين حول الدوافع التي دفعت العقاد والمازني لتأليف كتاب الديوان ، بينما يرى بعضهم أن دافعهما الأساسي هو الثورة على الشعر التقليدي ، يرى آخرون أن دوافعهما تكمن في الحقد والكراهية لأحمد شوقي واستهداف مكانته والحد من تألقه بالإضافة إلى حاجه مؤلفيه إلى المال.
وقد هاجم المؤلفان في الديوان أحمد شوقي وحافظ ابراهيم ووصفا شعرهما بالجمود والسطحية ، وبينا أن الشعر الصحيح يجب أن يتعمق في سرائر الأمه وجوانبها النفسية ، كما هاجما الصحافة لعنايتها بالشاعر أحمد شوقي ، وتضخيمه وتقديمه على شعراء عصره.
وقد عجز مؤلفا الديوان أن يضعا مشاعل تضئ الطريق لكل أديب أو قواعد عامة وإرشادات يجب أن يلتزم بها ، أو توصيات لما يجب أن يكون عليه الأدب مثل كتاب العمدة لابن رشيق والموازنة للآمدي والوساطة للجرجاني ، بل عجزت مدرسة الديوان عن التأطير والتنظير لمذهبها الأدبي وذلك نسبة للانشقاق الذي حدث في صفوفها وتساقط روادها بدءاً من شكري الذي هاجم المازني في مقدمة الجزء الخامس من ديوانه واتهمه بسرقة أفكار الغربيين ، ثم انسلاخه من الجماعة الذي تبعه هجوما شرساً عليه من روادها الذي وصفوه بأنه تافه ولا يصلح أن يكون شاعراً ولا أديباً ، ثم دخول المازني في المعركة عندما كتب مقالاً بعنوان صنم الالاعيب واتهم فيه شكري بالجنون وسرقة الشعر الانجليزي ، وأصبح العقاد وحيداً بعد أن ترك المازني الشعر وتحول إلى النثر.
وأبرز خصائص مدرسة الديوان أنها تركز في التعبير عن الذات والتجارب الشعورية الصادقة ، وتعني بالوحدة العضوية ، وتهيم شعراؤها بالطبيعة ويضفون عليها الحيوية ويشخصونها ، بالاضافة إلى عنايتهم بالمعنى والميل إلى التأمل.
ويبدو أثر الرومانتيكية ظاهراً في شعر الديوان من خلال نبرة الحزن التي سيطرت على انتاجهم الشعري، ومواقفهم الطبيعة والشاعر حيث يرى بعضها الشاعر فيلسوفاً أو نبياً قال عباس محمود العقاد:
الشعر من نفس الرحمن مقتبس والشاعر الفذ بين الناس رحمن
وأهم قضايا التجديد التي تناولها رواد المدرسة : قضية تعريف الأدب ومفهوم التجديد والوحدة العضوية ، فالعقاد يعرف الأدب بأنه التعبير الجميل عن الشعور الصادق ، وترى المدرسة أن التجديد لا يعني جعل الجديد محل القديم وليس بالضرورة أن يكون مما لم ينتبه إليه السابقون إنما الشرط أن تتوافر التجربة الشعورية ، فإذا امتنع الانسان عن وصف الصحراء التي عاش فيها وتفاعل معها مخافة أن يقال أنه سبق إلى هذا التصوير فهو في نظر العقاد ليست شاعر. والمقلد الحقيقي في نظر الجماعة هو من ينسي شعوره ويسير على درب غيره.
أما القضية الثالثة فهي الوحدة العضوية وهي البناء الفني المتناسق الذي يريط كل جزء من أجزاء القصيدة بالآخر وكل خلل مهما كان بسيطاً يعد خللا في القصيدة ككل، ولم تكن الديوان أول من ابتدر الوحدة العضوية فقد سبقها ابن طباطبا في عيار الشعر عندما تحدث عن ربط فصول الشعر بعضها ببعض ، كما سبقها ابن رشيق في العمدة عندما وصف القصيدة في بنائها بالهيكل العظمي ، وأهم الشروط التي يجب أن تتوافر في الوحدة العضوية : أن تحافظ القصيدة على بنيتها من حيث الشكل والمعنى ، وأن تتناول فكرة واحدة ، وأن يتوافر التسلسل المنطقي في معالجة الفكرة.
نواصل