آداب

د. أسامة محمد جمعة داؤد يكتب …مدرسة البعث والإحياء (استنهاض الماضي لإصلاح الحاضر) (2)

مراديس نيوز

انطلقت مدرسة البعث والإحياء في مستهل العصر الحديث واكتسبت عظمتها من تعدد أسمائها ، فقد أطلق عليها الرواد الأوائل مدرسة البعث والإحياء وذلك لأنها تحاول إعادة الحياة للشعر العربي التقليدي بأغراضه وصياغته وأساليبه ، وسُميت مدرسة التراث نظراً لمحاولات روادها إحياء التراث القديم ،كما سميت بمدرسة النهضة نظراً لأن نشأتها واكبت عصر النهضة وثورة إزالة الظلم والاستبداد ،كما أُطلق عليها المدرسة الاتباعية والتقليدية والكلاسيكية ،لأنها سارت على النهج القديم في التصورات والاخيلة والمعاني ، وأطلق بعضهم عليها مدرسة الشعر العمودي لمحافظتها على عمود الشعر ، وسميت بالمدرسة المحافظة لمحافظتها على الأوزان والقوافي والمعنى والمبنى .
ويعتبر محمود سامي البارودي أهم رواد هذه المدرسة والمؤسس الحقيقي لها ، ويتبعه رواد آخرين وهم أحمد شوقي وهو أكثر رواد المدرسة شهرة ، ثم حافظ إبراهيم وعلى الجارم وأحمد محرم ، ومعروف الرصافي.
وقد أسهمت عدة عوامل في ظهور المدرسة ونجاحها أهمها : حركة الإحياء التي شملت التراث العربي كله ، ونمو الشعور القومي والإحساس بقضايا المجتمع ، والأمه ومصيرها. وكان رواد المدرسة يرون أن وظيفة الشعر يجب حصرها في تهذيب النفوس والدعوة إلى مكارم الأخلاق
واتسمت المدرسة بسمات ميزتها من المدارس اللاحقة أهمها : اهتمامها بتقليد البحور المعروفة والتزام شعرائها بالقافية الواحدة ، بالإضافة إلى اهتمامها بالاغراض التقليدية من مدح وهجاء ورثاء …ومجاراة الشعر القديم في افتتاح القصيدة ، واستخدام الألفاظ الجزلة وإحكام الصياغة ، وتعدد الأغراض في القصيدة الواحدة ومناظرة روائع الشعر العربي القديم كالمعلقات والبردة نحو معارضة البارودي لقصيدة الشريف الرضي التي يقول فيها :
لغيرِ العُلى مِنّي القِلى وَالتَجَنُّبُ. وَلَولا العُلى ما كُنتُ في الحُبِّ أَرغَبُ.
فقال البارودي على منوالها:
سِوَايَ بِتَحْنَانِ الأَغَارِيدِ يَطْرَبُ وَغَيْرِيَ بِاللَّذَّاتِ يَلْهُو وَيُعْجَبُ
وَما أَنَا مِمَّنْ تَأْسِرُ الْخَمْرُ لُبَّهُ وَيَمْلِكُ سَمْعَيْهِ الْيَرَاعُ الْمُثَقَّبُ
وَلَكِنْ أَخُو هَمٍّ إِذا ما تَرَجَّحَتْ بهِ همة نحَوْ َالْعُلاَ رَاحَ يَدْأَبُ
وقد أُخذت على مدرسة البعث والاحياء عدة مآخذ أهمها : اهتمام روادها بالصياغة البيانية في اعمالهم الشعرية وإهمالهم للمضمون، وبعدهم عن الواقع بسبب التكلف في تمثيل الماضي في الأساليب ، وتكلفهم الصنعة وبعدهم عن الطبع.
ويعتبر الهدف من نظم الشعر من أول قضايا المدرسة فأصحاب المدرسة يرون أن المتعه يجب أن لا تكون في مقدمة أهداف الشعر لأنها في نظرهم من الكماليات ، أما القضية الثانية فهي الاحتكام في الشعر الى النموذج المنتج في العصر الجاهلي والعباسي والأموي ،أما القضية الثالثة فهي تمسكهم بالتقديم لقصائدهم بمقدمات طللية أو غزلية تخالف الواقع ، أما القضية الرابعة فهي اهتمامهم بالصنعة والمراس والإطلاع لدعم الموهبة.
بالرغم من النقد القاسي الذي قدم للمدرسة من قبل المجددين اللاحقين إلا أنها بذلت جهداً كبيراً في إخراج الشعر من الركاكة والضعف وأعادت إليه بريقه القديم والبسته الجزالة والقوة بحركتها الارتدادية في سبيل البعث والاحياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى