الأخبار

عقلية أحلام الفلول…رهانات البقاء البرجوازي النخبوي.

د. جودات الشريف حامد باحث بالمركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية

عقلية أحلام الفلول…رهانات البقاء البرجوازي النخبوي.

د. جودات الشريف حامد
باحث بالمركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية

إن للحياة دورات، ما أن تنتهي دورة أياً كان عاقبة منتهاها، حتي تبدأ دورة أخري،هذه أحد مسلّمات قوانين الطبيعة الضابطة و نواميس الكون الناظمة،وفي هذا فإن الأمر لا مماهاة أو مجاراة فيه لرغبات أحلام و سرديات رؤي و تنجيم توقعات بيزنطية قائمة علي الفهلوة و( التناجض) لإفتراع فلسفات جديدة لحركة مسار عُرف التاريخ ، فهوادي تجارب الحياة تفيد أن التاريخ لا يعيد مضابطه الماضية (خاصة المخزي منها) بناءً علي أمنيات خربة أو تنبؤات زائفة أو تطلعات و طموحات خبلة لأحد أو جماعة.

علي نحو من سخافة أحلام الفلول بالعودة إلي سلطانٍ ما رعوا أو راعوا فيه حقوق الشعب و مخافة الله و ما تحرُّوا خلاله معايير العدل بين الناس، و علي نحو من حماقة تطلعات و طموحات البرهان إثر رؤية منامية مدعاة أو نتاج خُلعة ليلية ألمّت بأبيه بأن رآه يتربع حاكماً علي جماجم أهل السودان، و علي نحو من تواتر سفاهة السرديات فإنه حتي ياسر كاسات يمتلك حجة تنبؤ يقال إن مصدره الراحل صدام حسين متوقعاً له بأن سيحكم السودان يوماً رغم عدم وجود طرف محايد يثبت واقعة قول الراحل صدام لذلك… جملة هذه السخافات الفلولية و رؤية والد البرهان بحمولتها الخرافية و سفاهة إدعاء ياسر كاسات إستناداً إلي توقع بشّره به الراحل صدام حسين، من إجمال ذلك يمكننا القول أن هؤلاء الغوغائيون فعلاً مجانين و المجانين تعميماً مرفوع عنهم حرج اللغو و ” الورجغة” و حديث أضغاث الاحلام ، فهم في عداد من سد الله عنهم نوافذ سلامة التفكير و رشد البصر و إعمال البصيرة، و ذلك أن أنساهم الله حظاً مشاعاً من فضيلة الاعتبار المبذول لكل العالمين من تراكم حِكم عقلانية الموروث الانساني و هداية النهج القرآني، الذي يزعمون زوراً و بهتاناً أنه دستورهم في الحياة الدنيا و سراجهم المنير لبلوغ سرمدية الحياةالآخرة و هو بريٌ منهم و من ممارساتهم الشيطانية، بعد أن إتخذوه بضعاً و ثلاثين عاماً حولوا قداسته إلي شعائر زائفة و طقوساً ضالة و مضلة و ممارسات ممحوقة و عمل غير متقبل، و بعد أن تزينوا به تظاهراً و إتخذوه مسوغاً و حجة ليرغموا به أهل السودان علي الخضوع و الطاعة و الخنوع لهم عبر شرعنة الكبت و الاستبداد و القهر لحكم كهنوتي عنصري فاسد و مفسد ،لم ينجم عن عقد اجتماعي أو سياسي أو أخلاقي أرتضاه الشعب* السوداني *بل كانت ثلاثين عاماً و نيف من حكم الأمر الواقع و زعماً كذوباً بأنه يستمد بقائه من الحق الإلهي المُدعىٰ ، الأمر الذي أبقى علي عوامل الاحتجاج متقدة في نفوس الشعب السوداني وعزز كوامن التمرد عنده و راكم محفزات المقاومةالداخلية خفاءاً و علناً و ذلك مقابل لظاهرية الإذعان الجبري الاضطراري و الطاعة المكرهة و القبول المزيف لحكم أمرهم الواقع.*
*لم يكن الأمر مجرد استبداد و قهر و كبت من أجل البُقيا الايدلوجية والسيطرة السياسية لنظامهم بل جعلوه نظاماً يراكم علي علاّته الكارثية التي مزقت أواصر البلد وصلاً و إمتداداً لسياسة الأنظمة المتعاقبة علي حكم السودان منذ ١٩٥٣م ٢٠٢٣م و التي قد بذلت جميعها بما فيها الانقاذ بثلاثينية سنينها العجاف جهداً مضنياً بُغية تقوية سلطانها المستبد القابض وضعوا من خلاله لأنفسهم حقاً سامياً لا تسقطه مطالبة العامة من أهل السودان و رسخوا لسياسات تفاوت اجتماعي مخطط له بخبث لا في هضم نسبية الحظوظ الفردية أو الجماعية المكتسبة فحسب بل سخّرت تلك النخب في طريقة تماثل أنظمة الإقطاع في أوربا أن نصبوا أنفسهم أسياداً للسودان ليس فقط في منحى سياسة أموره و إدارة مؤسساته، بل جيّروا فيه مشاعية أجهزة الدولة و إمتيازاتها العامة لفئة قليلة دون فئة الأغلبية الميكانيكية، الأمر الذي عمّق الغضب الاجتماعي في هوامش السودان الأقصى و الأدنى،مما أدي إلي ديمومة التمردات المطلبية منذ فجر تاريخ السودان ( تمرد توريت اغسطس ١٩٥٥) إلي حرب ١٥ أبريل التي أشعلها الفلول عبر عناصرهم في المنظومة الأمنية و التشكيلات العسكرية بالجيش السوداني غدراً ماكراً و تعدياً سافراً علي قوات الدعم السريع التي تمثل أحد القوات النظامية ضمن مؤسسات الدولة.*
*هكذا إستمر الفلول و من قبلهم بالطبع برجوازيي النخب يشكلون معادلة الحكم من ذات عناصر المعادلة من فجر الاستقلال إلي يوم الحرب هذا و هي معادلة حكم مختلة و ظالمة فُصلت لخدمة هذه النخب السياسية و طبقة البرجوازيية في المؤسسات و الرأسمالية المتضخمة المتكسبة من كافة تسهيلات الدولة علي حساب الأغلبية المهمشة في الوطن، لذا لا غرابة أن يتوحد ما يسمون أنفسهم رأسمالية وطنية و يتبرعون بأموالهم ويضعون مقدرات شركاتهم تحت تصرف الجيش كأنهم يردون جميل لدولة ما قبل ١٥ التي كانت سبباً في تراكم ثرواتهم عبر السمسرة و الوساطات و رشاوي عقود الدولة* …الخ *لذلك هم يرمون ببصرهم بعيداً لأن ثراءهم الاقتصادي هو نتاج لسابق علاقاتهم السياسية مع برجوازيي أجهزة الدولة و نخب ساستها.*
*هذا الاختلال التاريخي في ميزان السلطات لم يتضرر منه إنسان الهوامش لوحده،بل قد وصل بؤس الحال لاحقاً إلي حواف و عمق المدن،خاصة بعد ان فقدت الأرياف غالب اهلها، حيث زحفوا إضطراراً لا رغبة إلي محيط المدن و خرابات عمقها بحثاً عن أمن مفقود و تعليم و صحة متوهمة في مدن النخب و البرجوازيين و عملٍ في أنشطة اقتصاد المتكسبين من ريع السياسة، فلا الريفيون قد تمدنوا و لا أهل المدن قد وصلوا حد كفاية العيش بمعيار متطلبات المدينة.*
*هذا الوضع في مجمله و خاصة بعد هذه الحرب التي تدور رحاها الان بين قوات الدعم السريع التي تناصر التحول المدني الديمقراطي و تأسيس و بناء دولة علي أسس و معايير نقيضة لتلك التي كانت سائدة و متحكمة قبل ١٥ أبريل و بين الجيش و جماعاته الظلامية التي تريد إرجاع و إبقاء نظام الدولة علي ما كانت عليه سابقاً قبل الحرب، أنه و بهذا التعقيد و الوضوح في آن لا يحتمل التساهل فعلي جميع شركاء رؤي المستقبل أن يتحدوا حول مشتركات الوطن، لأن ثلاثية النخب و البرجوازية و الرأسماليةالمتكسبة من علاقات السياسة القديمة سيمثلون واجهة مقاومة لمسار التحول من دولة النخب إلي دولة الشعب التي نمارس النضال و نبذل الدماء و الارواح من أجل وضع أساسها و بناءها.
إن هذا الاختلال المطلق في منحنى عدالة الفرص بين أبناء الوطن الواحد طوال حقبة ما قبل حرب ١٥ أبريل يمثل شاهد في محاكمة تاريخ سؤ ممارسة النخب لسلطان الدولة من خلال ظلمها و إذلالها المعنوي و المادي لمجتمعات الهامش و سكان المدن السودانية علي السواء و هي بلا شك محاكمات من عامة الشعب يُستبعد فيها إعطاء المهل كما في السابق و يُقطع فيها الطريق علي أي إدعاءٍ للاصلاح، بل تُفرض معطيات تأسيس وبناء جديد لدولة سودانية متصالحة مع نفسها و تنوع شعبها عبر آليات ثورية حقيقية يمثل توحد قوي الموقنين بالتغيير الجذري فيها و كذا الانتصارات المباركة لقوات الدعم السريع علي بقايا الجيش و فلول الظلام أولى آليات و ضمانات تحقيقها.*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى