مقالات

عبدالرحمن البيشي.. الأشجار تموت واقفة

بقلم: على أحمد

عبد الرحمن البيشي .. الأشجار تموت واقفة*

بقلم: علي أحمد

يافارساً عرش العُلا تتربّع
صًم الجبال أمام عزمك تركع

حين يخرج المقاتل الشًجاع من بيته فإنما يطلب الشهادة في سبيل قضيته، ولكن للشهيد عبد الرحمن البيشي حكايات تُحكى وقصص تُسرد ولا تنتهي، فقد كان بين زملاءه وجنوده كالمورد العذب شديد الزحام.

كالشجرة العتيدة الصامدة اُستشهد المقدّم عبد الرحمن البيشي واقفاً في أرض المعركة يقاتل، لم يهرب من ميدان القتال أو يحتمي بحصن منيع، كما فعل بعض ضباط الكلية الحربية الكبار، لكنه رغم أنه تخرج فيها بعدهم، لكنهم اختاروا أن يصبحوا قادة للعار والجبن والخيانة فيما اختار هو الخيار الصحيح وبلغ فيه ذروة المجد بنيله الشهادة بإذن الله، لا نزكيه عليه.

عندما اشتعلت الحرب كان المقدم (عبد الرحمن البيشي) عليه شآبيب الرحمة والمغفرة، أحد قادة قوات الدعم السريع الذين يشار إليهم بالبنان في النيل الأزرق، حينها طلب البرهان من ضباط الجيش الملحقين بقوات الدعم السريع العودة إلى وحداتهم، فرفض الشهيد العظيم وأطلق مقولته الشهيرة: “أنا حميدتي لقيتو في الباردة، وما بتخلي عنه في الحارة”، فتمكن من فك الحصار المفروض على قواته في النيل الأزرق والتحرك بها بطرق يعرفها جيداً فهو ابن المنطقة إلى أن وصل الخرطوم وقاتل بجانب قائدة بوفاء منقطع النظير، وكان حاضراً بقوة فكراً وتخطيطاً وقتالاً ضارياً على الأرض إلى أن لقى ربه مقبل غير مُدبر واقفاً عير جاثٍ؛ بقذيفة موجهة أطلقت من طائرة وهو بين جنوده في ميدان القتال.

إن البيشي من فئة بشرية نادرة اختصها الله بالنبل والفروسية، ولا زلت أذكر كيف كان وفياً لأحد قادة الجيش حين تم أسره في مدينة سنجة، وكيف تعامل معه بترفق ولين وطمأن أهله عليه وتولى علاجه من إصابته، فمن يعامل عدوه وخصمه بهذه الأخلاق وهذا النبل فإنه بلا شك من طينة الفوارس والكرماء والنبلاء.

وأذكر فيما أذكر رسالته التي وجهها إلى أهله في قبيلة (رفاعة) خلال أيام الحرب الأولى، حين قال لهم من كان منكم في الجيش فليقاتل مع الجيش ومن كان معكم في جهاز الأمن فليقاتل معه، ومن كان مع قوات الدعم السريع مثلي فليقاتل معها إلى آخر نفس، فنحن أناس أوفياء لا نخون وسنقاتل مع مؤسستنا إلى أن نلقى الله سبحانه وتعالى.

خلال مسيرته مع الدعم السريع حقق البيشي ما يجعله يمضي (مرفوع الهامة ومنتصب القامة)، خصوصاً انتصاراته الأخير في ولاية سنار وهزيمته الساحقة للفلول، وكانت كلماته الأخيرة لجنوده أن أوصاهم بتحرير سنار، وحينها سيغني جنوده ومريديه:
” افتحوا حُراس سنار ..
افتحوا للعائد أبواب المدينة”.

مثل البيشي أيها القراء الكرام، لا توفيه صحائفاً ولا ينصفه مداد، لقد كان فارساً مغواراً ونبيلاً في زمن عزّ فيه الرجال، وإذ نرثيه فهذا ليس بُكاءً والفوارس لا يُبكى عليهم، وإنما هي محاولة لرد الوفاء لأهله، فالشهيد عبد الرحمن البيشي، كما قالت الخنساء في رثاء أخيها صخرا:
” قد كان حِصناً شديد الرُكن ممتنعاً//
ليثاً إذا نزل الفتيان أو ركبوا”,
نسأل الله سبحانه وتعالى له الرحمة والمغفرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى