بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس و بناء دولة سودانية فيدرالية.. من منظور الإختلاف و التنوع.
بقلم/ د. جودات الشريف حامد
باحث بالمركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية
الحديث عن صيغة نظام سياسي يناسب الواقع السوداني و يستوعب تعدده السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الجغرافي و ربما العقدي أحياناً يقتضي إقراراً أولاً بقصور و فشل أنظمة الحكم المتعاقبة عليه منذ ١٩٥٣م حتي أبريل ٢٠٢٣م و عجز نخبها في إجتراح إطار نظري يوفر علي أنصار و دعاة تأسيس و بناء دولة سودانية فيدرالية جديدة مشقة البحث عن مرجعية لقراءة و فهم و تحليل الواقع بناءاً علي تراكم تجارب مسبقة ناجزة يمكن الإستناد علي تفسيرها و تحليلها و إستنتاج العبر و الخلاصات منها بُغية إصلاحها و من ثم تطويرها فيكفي ذلك الجميع رهق التفكير السياسي و التنظير الإجتماعي لمنظور جديد و بمعايير حديثة معاصرة تكون لبنة لدولة سودانية حديثة ظل أهل السودان جميعاً يتطلعون إلي بزوغ فجر ميلادها.*
*لذلك فالحقيقة الموجعة و النتيجة المؤسفة التي يمكن الإنطلاق منها هي أن النخب المدنية و العسكرية التي تعاقبت علي حكم السودان بالإستهبال و الإنتهازية و الإستغلال علي مدار ٧٠ عاماً لم تستطع أن تقدم مقاربات حكم مفاهيمية ناجحة تستوعب الظاهرة المجتمعية السودانية الثرّة التي تتميز بها مجتمعات الأقاليم السودانية الأدني منها و الأبعد، هذه النخب المركزية بمختلف تمظهراتها المدنية و العسكرية و الاجتماعية و الثقافية و عقلياتها المرجعية الفكرية لم تكن تري هذا التنوع الجميل إلا من خلال منظار الشك و قابليته للاحتجاج و التمرد و هو منظار ذاتي نرجسي يقوم فقط علي منفعة حزبية ضيقة كالتحشيد الإنتخابي اللحظي أو عبر التبرير الترميزي التضليلي الذي يمنحها إدعاء شمول و قومية الاستيعاب الكاذب ليسمح لها ذلك بشرعنة فعلها السياسي و دسترة هيمنتها علي مفاصل الدولة و إستخدامها كآلية في بناء شبكات علاقاتها المجتمعية المنتقاة بما يخدم مصالحها النخبوية لتحقيق الغلبة التي تضمن لها الهيمنة و السيطرة السلطوية الاستبدادية،، غير عابئة( أي هذه النخب)* *مع علمها المسبق أن وطناً مثل السودان لا يمكن أن يُحكم معافىٰ و ينعم بالاستقرار إلا علي أساس معالجات و حلول جذرية و دائمة ترضي إجتماعه السياسي و ليس علي مبدأ الغلبة و الرغبة المتطرفة في إلغاء الآخر المنتمي إلي أقاليم السودان الأدني و الأبعد و هضم حقوقه و يحله متي مارس فضيلة الاحتجاج*
*فالحلول الجذرية للأزمة السياسية التي أوضحناها في صدر مقالنا هذا أن النخب السياسية و العسكرية التي تناوبت علي سُدة الحكم ٧٠ عاماً قد فشلت في إستنكاه أصالة التنوع المجتمعي السوداني و سبر أغوار إختلافاته و تبايناته و إدراك أهمية إيجاد أساليب عيش مشترك له،بل و عجزت حتي في الإعتراف بمشروعيته التي تمثل إطار مرجعي ناظم للرؤية العامة لتأسيس و بناء و ادارة الدولة ، كان من مستلزمات الحكمة الموجبة أن تحظىٰ بتوافق مجتمعي شامل.*
*هذا الفشل النخبوي بمقايسات و تقويم أدائه التاريخي فكراً و سياسة و ممارسة لا يمكن إخضاعه أو إدراجه أو نسبته ضمن أو لأي تصنيف أداء إنساني أو تجربة بشرية شائعة عالمياً إستناداً إلي مقاربات و هوادي علم السياسة ومقتضيات إجتماعها السياسي.*
*جملة شواهد الخيبات و تراكم النكبات التي منحتنا لها تجربة حكومات النخب بسبعينية أعوامها العجاف، تعضد حجية التطلعات و الطموحات العامة للشعب السوداني نحو تأسيس و بناء دولة سودانية فيدرالية جديدة بأسس جديدة قائمة علي مبدأ الإعتراف بالتنوع كثروة إنسانية و نافذة حضارية خاصة لمجتمع مثل مجتمعنا السوداني سمح المحيا و لكنه ظل يعايش أزمته الخاصة المفتعلة بأهواء ساسته و نزعات نخبه ،و ما زال يتلمس خطاه نحو التوافق علي أسس جديدة لوحدته و عن معني و مضمون لهويته الوطنية الجامعة ،بل يمكننا الذهاب إلي أبعد من ذلك بحيث أن تأسيس و بناء دولة سودانية فيدرالية ميثاقية- دستورية جديدة تنسجم مع طبيعة خصوصية مجتمعنا السوداني و تنوع خياراته لا يبلغ مبتغاه و نهاياته المنطقية ما لم يتشبع أنصار و دعاة و رسل و بُناة هذه الدولة الجديدة بثقافة مراجعة الذات و فضيلة نقد تجارب الممارسة السياسية السابقة و إستخلاص العبر و الإعتبار كدالة لإحترام سنة الإختلاف و مشيئة الله في التنوع.*
*من نافلة القول هنا أن نؤكد أن الإعتراف المجتمعي المتبادل في إطره الأهلية و المجتمعية و كذا إعتراف الدولة في إطارها الرسمي بكافة هذه المجتمعات وإقرار حقوقها يمكن إعتباره مدخلاً معقولاً و مقبولاً لتستمد منه الدولة مسوغات شرعيتها الوجودية و الأخلاقية بمعايير فعالية الأداء و مردودية خدمة المجتمع و إنسجام سلوكها مع توجهات و أمزجة المجتمع المؤسس.
*………و نواصل……….**