
حرب 15 ابريل-( معركة التحولات الكبري)
د. جودات الشريف حامد
باحث بالمركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية
ما يحدث في السودان لا يمكن تكييفه كمعركة عسكرية أو تصنيفه كخلافا سياسي عابر، و لا صراعاً علي النفوذ و الهيمنة فحسب، بل معركة وجود و تحولات كبري في مصائر السودان تُعيد رسم ملامحه وتصون شموخ شعبه وعراقة تاريخه ، بعد أن قزمت النخب المركزية قامته وأََهانت قدره حينما تُركت لتعبث بقيمته و مصائر شعبه و هي لم ترَ فيه إلا ما يلامس أطماعها، ولا تعرف عن جغرافيته إلا عناوين للسلطة ولا عن شعوبه إلا من إرتضى صاغراََ الإصطفاف خلفها كأداء لشرعنة بقاءها، فأختزلت السودان وطناََ و شعباً في مشاريع سلطة و مغانم نفوذ، ، لقد صغَروا وطناََ لا يستحق التصغًير، فأرادوا وطناََ عملاقاََ بشعبه وموارده أن يتقزم ليناسب طموحاتهم الغضة،فضيقوا واسع الوطن تحت (عريشة ) طموحاتهم الذاتية المتواضعة، فأصبحت براحات و فضاءات رحابة الوطن سجينة رؤاهم القاصرة.
لقد ظلت هذه النخب التي يُناصر سوادها الأعظم اليوم الجيش و الفلول، تتجاهل عن عمدِِ إعتبارات التنوع الثقافي و التعدد الإثني و الديني و تُغض الطرف عن ثراء الروح السودانية الجامعة، لا لجهلِِ فحسب، بل لحسابات ديمومة نفوذ وإبقاء سلطة، فزرعت و ما زالت تبذر(تيراب) الصراع و الفتن في الجسد السوداني على قاعدة “فرق تسد” فعمقت جراح إنقسامات المجتمع السوداني لا لتعالجها، بل لتمارس الإعتياش السياسي عليها.فأستعاضت عن مشروع وحدة الوطن بمشروع التسلط و القهر والظلم، فحولت التنوع بخبث ماكر من نعمة إلي ذريعة للتمييز و مسوَغ للتهميش ومدعاة للإقصاء.
منذ إندلاع حرب جنوب السودان عام 1955م، و الذي إنفصل لاحقاََ فأصبح دولة ذات سيادة قائمة بذات شأنها- و حتى إطلاق رصاصات الغدر و الخيانة في 15 أبريل علي يد الجيش الذي تسيطر عليه عناصر النظام البائد ضد قوات-الدعم- السريع و التي كانت محاولة يائسة لقطع هذا الوصل الممتد من تراكم نضال الهامش ،مذ ذاك ظت الأمة السودانية عامة، و شعوب أقاليم الهامش خاصة في دوامة نضال تراكمي لا يهدأ و لا يستكين في مواجهة سياسات نخب المركز، فهذا النضال الذي تتقد جذوته اليوم، لم يكن وليد لحظة حرب 15 أبريل بل هو تراكم لعقودِِ من التهميش الممنهج و الإقصاء المخطط، و رفض مستمر لمعادلة الظلم المقونن، و مقاومة متجذرة لأوهام السيادة المفروضة فوقياََ.
لقد إستلهمت قوات-الدعم- السريع،و هى تخوض معركة الغدر و الخيانة التي خطط لها ونفذها جيش الفلول و كتائبهم الإرهابية المؤدلجة، إستلهمت “قدس” عوامل نصرها من عمق التاريخ النضالي الثوري للشعب السوداني، فقاتلت بجسارة و” رجالة” دفاعاََ عن نفسها و أولاََ، فحمت كيانها الإعتباري،ثم إنطلقت تُدافع عن مشروع سودان جديد، سودان يتسع للجميع، لا تحتكره الأقلية المركزية و لا تستفرد به النخب.فلمعت في هذه المنعطف التاريخي روح التراكم النضالي الممتد من جنوبنا الحبيب إلى دارفور، و من كردفان “جبال النوبة” إلي النيل الأزرق و الشرق، فصارت المعركة التي يخوضها أشاوس الدعم-السريع مشروعاََ وطنياََ تحررياََ واعياََ، لا تحركه رغبة الإنتقام كما يفعل الجيش و كتائب الفلول الإرهابية بأهل السودان، بل يسعى للعدالة وبناء دولة المواطنة.إننا نعيش منعطف التحولات الكبرى التي تردد صدى هتافات الثورة – ثورة ديسمبربروح جديدة( حرية، سلام، و عدالة) ولكنها هذه المرة لا تُرفع من منابربلا قوة و ميادين بلا سند، بل هذه المرة مسنودة ببنادق الأشاوس والرفاق في الحركة الشعبية و قوات “تأسيس” التي أنحازت بنادقها لخيار الشعب، و بدماء شهداءنا في الخرطوم ونيالا و الفاشر و زالنجي و كردفان و النيل الأزرق. إنه عهد جديد كُتبت ملامحه في نيروبي بإرادة جماهير الشعب السوداني عامة، وجماهير شعوب الهامش خاصة بمداد من الصبر والمصابرة والعزيمة، تتقدم صفوفه و تحمل رأياته قوات- الدعم- السريع و جميع شركاء “تأسيس” كخارطة وطن يسع أهله جميعاََ. إن السودان الجديد الذي ننشده يولد الآن على أنقاض رماد الخيانة و الغدر، يتقدم بثقة نحو تأسيس و بناء وطن يتساوى فيه الجميع، و تُحترم فيه التعددية و تُدفن في أعماقه القصية سياسة الظلم و عقائد الإستعلاء بلا رجعة.ختاماََ فإن السودان الجديد الذي نتطلع إليه لن يُبنى بالتمني،بل بالتضحيات الواعيةو الإصطفاف الصادق، فلنرفع الرأية عالية، و لنمضِ بثبات فإما وطن يسع الجميع أو لا وطن.