
حول مؤتمري تحالف السودان التأسيسي – نيروبي
بقلم/ الصادق الزين
رئيس المجلس الاعلي لشؤون عموم قبائل دار حمر
لقد ظللت متابعاً ولكن بشكل متقطع لما يكتب ويثار حول مشاركة حزب الأمة القومي في مباحثات مؤتمري نيروبي في يناير وفبراير من هذا العام والذي تمخض عنهما التوقيع على ميثاق تحالف السودان التأسيسي وعلى النظام الأساسي لهذا التحالف تمهيداً لإعلان حكومة سودانية قومية تسود في جميع الأرض السودانية بإسم حكومة الوحدة والسلام لتوقف الحرب وتوفر الحماية والأمن للمواطنين السودانين الذين ظلوا يتعرضون لبطش وتنكيل وقتل ما تسمى بحكومة الأمر الواقع ببورتسودان ومليشياتها الإسلامية والإرهابية التي مارست أبشع الجرائم الإنسانية وكذلك توفر هذه الحكومة الخدمات الأساسية للسودانين عامة دون تمييز وتوصيل الإغاثة الإنسانية للمواطنين في المناطق المتضررة من الحرب ولكن ترفض حكومة الأمر الواقع توصيل الإغاثة الإنسانية إليها وهي جاءت مقدمة من الدول المحبة للإنسانية رغم إنها ليست دول إسلامية وليست لها روابط حتى بالأديان، وأيضاً لتمكين المواطنين من الحصول على قدم المساواة على المستندات والوثائق الرسمية مثل الجوازات وتحرير شهادات الميلاد والزواج والوفاة فضلاً عن تمتعهم بحقهم في الحياة كبني آدمين أسوة بغيرهم من المواطنين الذين يقيمون في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات هذه الحكومة الباطشة.
أجل، لقد شاركت كعضواً أساسياً بالأصالة والتمثيل في هذه النقاشات وكنت عضواً في التأسيس أجزنا بعد نقاش وتمحيص شديدين الرؤية السياسية للتحالف والنظام الأساسي وكذلك برنامج الحكومة وكنت عضواً في لجنتي برنامج الحكومة ولجنة العون الإنساني وعندما رجعت للمرة الثانية في فبراير ٢٠٣٥ للتوقيع على الميثاق التأسيسي للتحالف ترأست وفد المجلس الأعلى لشؤون دار حمر فوقعت على الميثاق التأسيسي إنابة عن المجلس الأعلى كرئيس مكلف ثم شاركت كعضو في لجنة غرب كردفان للتفاوض مع مفاوضي وفد الحركة الشعبية شمال الذي ضم القادة جقود وعمار أموم ودكتور أبكر آدم إسماعيل وآخرين حول موضوع ولاية غرب كردفان في مفاوضات كانت مضنية إستمرت لحوالي أسبوع بعد توقيع الميثاق التأسيسي تميزت بالصعود والهبوط ولكن بفضل مثابرة الوفدين وتفضيلهم للمصلحة العامة لشعوب المنطقتين في إقليم جنوب كردفان/ جبال النوبة وبفضل جهود لجنة الوساطة العليا ومشاركة مقتدرة وحكيمة من الدكتور الهادي إدريس رئيس فريق الوساطة ورئيس الجبهة الثورية وبحضور قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو والفريق عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال قد تغلبنا على شيطان التفاصيل والشيطان الذي يتربص بنا ببورتسودان فتم الإتفاق على تسمية الإقليم بإقليم جنوب كردفان/جبال النوبة بدلاً عن الإسم المقترح في مسودة الدستور من قبل الحركة الشعبية شمال تحت إسم إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان وتمسكهم به كدلالة على ثمرة النضال الطويل من أجل هوية شعب جبال النوبة، فقد تم التنازل عن هذا الإسم حتى تكون ولاية غرب كردفان الحالية ضمن حدود هذا الإقليم على أن ينظم القانون الحدود والعواصم الإقليمية وهي الصيغة التي وردت في الدستور وتنطبق على الأقاليم الثمانية الأخرى.
لقد قدم كل طرف تنازلاً هنا وهناك للوصول إلي هذا الإتفاق الذي كاد أن يتوقف بسببه كل مشروع التحالف وحلم المواطنين في تكوين حكومة الوحدة والسلام فمبروك للوفدين طول بالهم وسعة أفقهم وتغليبهم للمصلحة العليا المشتركة.
وللتاريخ أسجل شهادتي بأننا في نقاشنا الأول في شهر يناير ٢٠٢٥ بنيروبي حول إجازة مسودتي الدستور والرؤية السياسية فقد تم طرح مقترح تبني العلمانية من أحد الحضور بدلاً عن الدولة المدنية التي ورد ذكرها في مسودة الدستور وقد حظي المقترح بتأييد غالب من المجتمعين حينها، فموضوع العلمانية لم يكن أبداً إبتزازاً من قبل الحركة الشعبية كما يحاول تصويره الكثيرين وإنما كان رغبة أكيدة من قبل الحاضرين الذين ليست لهم علاقة بمشروع ورؤية الحركة الشعبية وهم من مختلف جهات السودان ومختلف ألوانهم السياسية من اليمين إلي الوسط إلي الشمال وكان مرد ذلك أن تعريف الدولة المدنية يتطابق وقع الحافر على الحافر مع تعريف الدولة العلمانية نصاً ومعناً فلماذا التلاعب بالألفاظ طالما أن تعريف الدولة المدنية هو ذاته تعريف الدولة العلمانية فياترى من نخشى أمن الناس أم من الله رب العالمين؟ فلو حقيقة نخشى من الله فإن الله يعلم ما بداخلنا ويعلم أن الدولة المدنية المطروحة في تعريفها هي ذاتها الدولة العلمانية ذات النصوص وذات التعريف الذي ينص على فصل الدين عن الدولة وكذلك فصل الهويات الثقافية وجعل المواطنة المتساوية هي الأساس للحقوق والواجبات، الإختلاف هنا مسألة نفسية ليس إلا أراد متبنين طرح الدولة المدنية إخفاء رغبتهم خشية من هجوم المتشددين من دعاة الدولة الدينية من السلفيين وحركات الإرهاب خاصة تيارات الإسلام السياسي ولكن المسألة ليست مبدأ وكثير من غلاة هذا الإتجاه يعلمون ذلك ولكنهم يخدرون أنفسهم ويخدرون الجماعات البسيطة التي تسمع لهم ولكن تبقى الحقيقة البازخة هي أن لا فرق بين طرح الدولة العلمانية وطرح الدولة المدنية إلا في الإسم.
أيضاً يلاحظ أن معظم مناصري طرح الدولة المدنية هم من السودانين الذين فضلوا بطوعهم وإختيارهم العيش والإقامة الدائمة في بلاد تسود فيها الدساتير العلمانية فيتمتعون بالحقوق المتساوية مع المواطنين الأصلين لهذه البلدان ويحصلون على كافة الخدمات دون تمييز بما فيها تعليم أبنائهم في المدارس التي لا يتم فيها تدريس الديانات جميعها وهم فخورين بذلك ولكنهم يزايدون ويتشاطرون ضد هذا الدستور العلماني حتى لا يطبق في السودان ليصبح وطناً موحداً يسع كافة أبنائه بمختلف هوياتهم ودياناتهم وثقافاتهم وهي مصلحة تقاصرت عن رؤيتها هامات هؤلاء المبتزين بإسم الدولة المدنية.
يجب النظر للمصلحة العامة وللأهداف الكبرى من وراء هذا الإتفاق وأن نبتعد عن التقييم غير الموضوعي المخلوط بالعواطف والمنكفئ سياسياً.
يعد تحالف السودان التأسيسي ميلاد جديد للدولة السودانية التي ستكفل الحقوق المتساوية للمواطنين وتنهي عهوداً من الظلم والبطش التي عاشتها بعض الشعوب السودانية تحت ظل إبتزاز حركات الإسلام السياسي التي شهدنا نهايتها ليس فقط بقتل الإنسان دون القانون بل ذبحه ومسح السكين على جسده ثم سلخه وتقطيع أجزائه قطعة قطعة وأكله في مراحل أخرى، فأي دين يقر هذه الفظائع أن تقتل الإنسان متعمداً رغم توسله بل إلجامه كالشاة ثم القذف به في البحر ويلاحقه برصاصات الموت ليخلد جسده في قاع البحر! أي دين وأي شرع يجيز هذه الفظائع والتمييز بين الناس؟
الدساتير العلمانية لا تحكم بالقتل حتى قصاصاً وتستبدل ذلك بالسجن المؤبد تعظيماً لحق الإنسان في الحياة كحق أساسي فوق الدستور وليس منحة من أحد حتى يصادره ولكم أن تقارنوا بعد ذلك لتعرفوا لماذا يفضل هؤلاء العيش في البلاد العلمانية دون البلاد التي تدعي الإسلام فبهربون من السودان عبر البر والبحر والمحظوظ منهم عبر الطيران ليحتموا بالبلدان العلمانية ولا يذهبون إلي أفغانستان ولا إلي ماليزيا ولا باكستان وهي أعظم الدول التي تطبق الإسلام ولا أقول البلدان العربية.
أما مشاركة حزب الأمة القومي في هذا العرس التاريخي على مستوى رئيسه اللواء فضل الله برمة ناصر والذي وقع إنابة عن جماهير الحزب على ميثاق التحالف وعلى النظام الأساسي فقد فعل السيد الرئيس ذلك بناءاً على رغبة جماهير حزب الأمة القومي التي جاءت مشاركة بالحضور الشخصي للمؤتمر وقد بلغ عددهم فوق المائة وخمسون عضواً هم بالأساس ضعف عدد حضور كل المؤتمرات العامة التي عقدها الحزب منذ تأسيسه وكان آخرها في العام ٢٠٠٩ أي قبل ستة عشرة عاماً جاء أغلبهم من السودان بعضهك حتى لا يمتلكون مستندات رسمية لأن سلطة الأمر الواقع ببورتسودان حرمتهم من إستخراج أو تجديد أوراقهم الثبوتية فإذا ذهبوا إلي مدنهم يقتلون ويذبحون ويحكم علبهم بالإعدام تحت قانون الوجوه الغريبة فإضطروا للحضور أرضاً فمنهم من أخذت رحلته تسعة أيام قبل وصول نيروبي ولكن تحت عزيمة الرجال من أجل صنع تاربخ جديد وميلاد جديد للدولة السودانية فقد جاؤوا زاحفين من السودان ومن كل مدن العالم.
نحن نعيش عهد الجماهير فلا عاصم لإرادتها فما فعله الرئيس هو ترجمة أساسية لإرادة الجماهير وهنالك مئات الآلاف من الذين لم يتمكنوا من الحضور ولكنهم ظلوا يتابعون بشكل يومي لمعرفة الأخبار ولتأكيد إصرارهم على توقيع الرئيس بنفسه على الوثائق وفي إحدى الإجتماعات الأولى لوفد الحزب عندما طرح أحد الأحباب مقترح توقيع شخصاً دستورياً آخراً غير الرئيس فقد قام الإجتماع ولم يقعد وكانت رسالة واضحة للسيد الرئيس أن لا تراجع من التوقيع بإسمه وهي صاحبة الإرادة والقرار.
الذين يتحججون بالمؤسسات التي بلغ عمرها ال ١٦ عاماً حتى أضحى من خرج من أصلابهم مشاركاً أساسياً معهم في صنع القرار عليهم مراجعة مواقفهم فقد قلنا أن حرب الخامس عشر من إبريل هي آخر الحروب وأن السودان بعده سوداناً جديداً ليس كقبله فكنا نعني ما نقول فقد إنتهى دون رجعة عهد الوصايا والتمثيل القسري للجماهير دون رضاها وهاهي الجماهير تنتزع هذا الحق وتفرض التوقيع بإسم الرئيس لميلاد السودان الجديد وهي جزءاً أساسياً من هذا الحدث.
الذين يقولون أن حزب الأمة القومي أصبح ترلة في قطار الدعم السريع هم يزايدون فقط فإن حزب الأمة والدعم السريع هما توأمين سياميان لا ينفصلان فحزب الأمة هو توأم الدعم السريع مع إختلاف الأسماء فهم خرجوا من حواضن واحدة وهم ذات الجماهير وذات القواعد ماضياً وحاضراً وأن كوادر حزب الأمة القومي التاريخيين هم من يقودون هذا العمل التأسبسي بدءاً بالرئيس محمد حسن عثمان التعايشي رئيس اللجنة التحضيرية العليا والأحباب عزالدين الصافي ومكين حامد تيراب فهم من يقودون هذا العمل فضلاً عن الكوادر الأخرى فكيف يصبح حزب الأمة القومي ترلة وهو صاحب الجت والرأس؟!
بالأحرى كان علينا أن نسأل أنفسنا لماذا يفقد الحزب كوادر فاعلة جماهيرباً وسياسباً بقيمة التعايشي ومكين وعزالدبن وغيرهم كثر وهم الآن يصنعون التاريخ ويجددون تاربخ حزب الأمة ويضعونه في المسار الصحيح.