متاريس الثقافة السودانية
محور السياسات الثقافية
بقلم/مليح يعقوب حماد
من خلال سلسلة مقالاتنا السابقة المكتوبة تحت عنوان (متاريس الثقافة السودانية).توصلنا الي بعض النتائج . ونعتبرها مداخل هامة ،ويتوجب النظر اليها بعين الاعتبار قبل التفكير في وضع خارطة طريق تحدد نوعية السياسات الثقافيه المواكبة لتركيبة الدولة السودانية.ومن تلك المداخل نذكر الاتي :
1/استحالة ادارة التنوع الثقافي واللغوي والديني والاثني والجغرافي والسياسي والاقتصادي والسياحي الذي يتمتع به السودان من سلطة حكومية مركزية قابضة. لانه عبارة عن دولة مترامية الاطراف وغير متجانسة ثقافيا ولغويا وقوميا وعرقيا وهوياتيا .والتباعد الجغرافي بين الولايات والاقاليم والعاصمة القومية،حد من قدرة الحكومة المركزية من الانفتاح علي مجتمعات الريف.
2/ تعتبر جميع الانظمة السياسية المدنية والعسكرية و المتعاقبة علي حكم السودان غير متطابقة مع تركيبة السكان.
3/المشروع الثقافي لدولة المركز قد ولد منقوصا ومهما يحاول النهوض سوف يفشل في استكمال اركانه.كما سيعجز عن ضخ الاكسجين في رئة التنوع الثقافي والعرقي الذي يتمتع به السودان.
4/يعتبر المبدعين من اكبر ضحايا الاقتصاد الطفيلي، الذي يجعلهم ضعفاء أمام الجهات المستفيده من ابداعهم كالدولة والشركات والقنوات والاذاعات والتلفزيونات.ونلاحظ ان أغلبهم ليسوا علي قلب رجل واحد، و في امس الحاجة لمن يساعدهم في توحيد كلمتهم وتنظيم صفوفهم في شكل نقابات واتحادات واجسام مهنية و مطلبية وحقوقية ،تتصدي لمشاكلهم وقضاياهم وتنتزع حقوقهم المهدرة من قبل الدولة والشركات.فقد تحسبهم واحد ولكن قلوبهم شتي .وولائاتهم متفرقة.وهم مثل غيرهم من النخبة المثقفة والمتعلمة و المستقلة والسياسية و الحاكمة والمعارضة والتي تعاني من التقاطعات الفكرية و السياسية والوطنية والدينية والقبلية والايدلوجية ،و من الاحري لهم تركيز جهودهم في كيفية بلورة رأي عام، يحدد نوعية السياسات الثقافية المتماشية مع حجم عطائهم . مع التركيز علي القيم الجمالية للثقافة والفنون. كابداع مستقل مجرد من الادلجة والسموم .وهذا يحتاج لدرجة كبيرة من الوعي بسلامة المعروض الثقافي ،المبرأ من العيوب والمنفتح علي الذات و الاخر . فتلك مداخل هامة جدا في تطوير مفهوم الهوية السودانية الجامعة.
5/لا توجد معايير واضحة لادارة التنوع في السودان.و ادارته بشكل عشوائي ساهمت في أرتفاع موجات الغبن والاحتقان لدي شرائح كبيرة من الكيانات المجتمعية المهمشة .والتي بدأ ينتابها شعور عميق بعدم وطنية الدولة وباتت تشكل مهدد كبير لامنها واستقرارها وهويتها وثقافاتها وارضها وثرواتها .و استمرار الحروب الداخلية منذ فجر الاستقلال الي يومنا هذا خير برهان علي ذلك.
6/سياسات فرق تسد خصمت من رصيد التنوع وساهمت في اشعال الصراع الثقافي و تعقيد ازمة السلطة والهوية
7/البنيات التحتية لمؤسسات الدولة السودانية هشة وضعيفة ،وقابلة للتفكك والانهيار .و لم تعد تمثل وفي اي حالة من الاحوال صورة شاملة من تركيبة المجتمع ، لقد اهملت التنوع و زعزعت الحالات الوجودية للهوية السودانية الجامعة. .ولابد من العمل علي افساح المجال للتنظيمات السياسية الواعدة ،كخيار بديل يستوعب الواقع ويسد الفراغ السياسي والاداري الذي خلفته الحروب بالمنافسة الشريفة ،وهذا هو السبيل الوحيد والذي يدفع المواطنين الي تجاوز فكرة الحركات والاحزاب العجوزة (التقليدية والطائفية و اليمينية واليسارية) ، فالرهان عليها مضيعة للوقت وتكريس للاوضاع السياسية والعسكرية، القائمة منذ العام 1956.ولقد فشلت في احداث التغيير المنشود ، ولا ذالت منقسمة في داخلها الي مركز وهامش وتابع ومتبوع وعجزت عن ادارة التنوع في داخلها و علي مستوي الدولة. و يرتكز اغلبها علي اساس اسري أو جهوي أو ديني أو طائفي او ايدلوجي أو عنصري أو عقائدي .و حتما ستفشل في تحقيق الاجماع الوطني الكافي للتغيير .ولذلك نراها تجيد المراوغة والاستهبال وتحاول التاقلم مع الظروف من اجل مسايرة التغيرات الثورية المستمرة ،حفاظا علي مصالحها السياسية المتعارضة مع المصلحة الوطنية العامة.
8/ الثقافة ركن من اركان الصراع، وجزء من محركاته الجغرافية والسياسة والاقتصادية والتنموية.فعلي الذين قاموا باختزال الصراع في عنصر الثقافة، مراجعة مواقفهم لانها ساهمت بصورة أو باخري في تازيم الاوضاع وخلقت فجوات اجتماعية بين الكثير من القوميات السودانية ذات المصالح الاالاقتصادية والثقافية المشتركه.
9/ الثقافة من اكبر ضحايا الصراع السياسي الدائر بين المركز والهامش وعلي جميع مستوياته الراسية والبينية
10/تعتبر الثقافة عنصر مهم في رفع الوعي وتحسين السلوك وتغيير الاتجاهات. ولها ابعاد معنوية ومادية ومعرفية وحسية وادراكية ومعيارية وارادية، تساعد الانسان علي معرفة حقوقه وتحديد مستقبله.
11/الثقافة من آخر اولويات الدولة والاحزاب وتتهرب الحكومات السودانية من نبش ملفاتها، ومعالجة اشكالياتها لارتباطها المباشر بقضايا السلطة والهوية والثروة والموارد.
12/ الثقافة تصمد و تفرض شروطها بشكل طوعي واختياري بارادة الشعب ،وليس كما تفعل دولة 56 العميقة والمنحازة تاريخيا لثقافات محددة دون الاخري .حيث عبثت بمناظير الوحدة والانصهار وعطلت عمل اليات ادارة التنوع.
13/التشرزم ظاهرة اجتماعية وسياسية ومنتشرة بين المواطنين والاحزاب والجيوش والحركات والقبائل والقوميات ويصعب السيطرة عليها في المستويين القريب والمتوسط.ولابد من سن التشريعات والقوانين الصارمة من اجل ضبط سلوك الأفراد والمجتمعات والاحزاب والتنظيمات.