مقالات

الشهيد البطل اللواء/ على يعقوب وأبطال قوات الدعم السريع 

بقلم المستشار/ يوسف إبراهيم عزت

 

 الشهيد البطل اللواء/ على يعقوب وأبطال قوات الدعم السريع

بقلم: يوسف إبراهيم عزت

رأيتك يا علي ورأيت المعنى والمعنيين به، ورأيت فيك أسطورة وبطولة تضاف إلي تلك البطولات التي زينت جلساتنا تحت الأشجار ونحن نستمع للكبار يحكون عن فراسة أسطورية لأبطال الحروب القديمة والمستمرة رجال لا مثيل لهم إلا في كتب التاريخ القديم.

كل حرب خلفت بطولة وأسماء يا (علي يعقوب) ولكنك أوصلت الفراسة ذروتها، وحتماً ستنتهي هذه الحرب يوماً ما، ونتمناها الأخيرة في هذه البلاد التي شربت من دماء مواطنيها حد الغرق، وجموع الشعب في إنتظار أن ينبت هذا الدم غرس السلام المستدام، والطبطبة على جراح النساء الثكالى، وبدء أحلام جديدة لشباب صار حلمهم في المنافي البعيدة، وأصبحوا في سعيهم لتحقيق هذا الحلم طعاماً تتغذى به حيتان البحار العملاقة !

رأيت في وقفتك وأنت تقف بقامتك وهامتك العالية في مكان ليس فيه غير الفخر ، وذلك مقامك وحق لك أن تفتخر وأنت سليل جنيد أبو الراشد، الذي شدت قوافله القادمة من تونس الخضراء بعد حروب البربر وحطت بأرض (ودّاي)، وحين شربت الإبل وامتلأت “القرب” بالماء قال مقولته التي صارت عاصمة لدولة (توّه أنجمينا)، فصارت مقولته عاصمة دولة تشاد الحالية، الجارة الشقيقة، التي يتهموننا بها تسفيها وتقليلا من شأننا وشأنها ، ولا يدرون بان وجودها نفسه هو ذكرى لطريق قوافلنا ونعتز بان حوافر خيول جدودنا وطأت تلك الأرض فأنبتت فيها نسبا ودولة، وأسست لتاريخنا التليد بروابط الدم والتراب وكانت منازل مراحيلنا من شمال أفريقيا في “وادي الدوم” و “البطحة”، هذا هو تاريخنا الذي كتبه الفرسان، بدماءهم الزكيّة مثلك يا (علي).

لم نأت إلى السودان مع ابن أبي السرح وتاريخنا لا يبدأ من دخول العرب السودان ، ولنا في تشاد وأفريقيا كلها أنساب وتاريخ منذ بدء الخليقة، فصلت بيننا حدود لم نرسمها نحن بل رسمها من لا يعرف تاريخنا ولم يقرأ عنه. عبرت مراحلينا “وادي الدوم” و”أوزوا” و “انجمينا” الحالية، ووصلت حتى “مزبد” و”شرنقوا”، قبل قرون وما زلنا نحن بثقافتنا البدوية وسحناتنا ولنا في كل قبيلة في دارفور والسودان نسبا ودم ولكنا نتاج هجرات ورحيل داخل أفريقيا يبحث فيها الباحثين عن سيرة راشد وأبو زيد الهلالي، وما زالت نوقنا في رحلة مستمرة في صحارى أفريقيا، ولسنا شتات ولكن ذلك هو نمط حياتنا ونعتز به ، وسندخل على فرعون من أبواب متفرقة كما أوصانا اخينا يوسف قبل أن يفلق النبي موسى بعصاه البحر.

رأيتك في أساطير وافي أبو صوف، وفي بليّلة جد أولاد بليّلة الذي نادى عليه طفل صغير مهاجري (الناقة في -بتني – يا بليلة ، بتسرح وبتجي فوقي يا بليلة) فشدّن خيول الفرّاس وغارن وأخرجن الطفل والناقة من براثن العدو. رأيتك يا علي تجسد سيرة عشناها جيلاً بعد جيل، سيرة في شفاه الغنايات على أنغام النحاس والمراثي، في صفقة الكاتم وفي أشعار ود أم عز وسالم جودة وود الفكي وحتى جيل عمر جبريل، الذي قال في مجادعة الدم داخل حوش الثقافة العربية وهو يرد علي محمد النوراني الذي توعد أم قرون ( الصيدة أم قرون الفّي حدب جفالة / مجبورين نضحي وبالنفس نسخالا / هي بتركب قلوبنا وما بنقول لها لا لا / ونحن بنركب البذكرها في لسانو قواله)، وتلك حكاية أخرى لي فيها كتابة عن المواجهة بين ثقافة واحدة في بيئتين (حديد يلاقي حديد)، وتلك هي التي قاد الكيزان بلادنا لها وهم منتسبين إلى الثقافة الوافدة، وهذه هي الحرب التي كذَّبت حتى منهج التحليل الثقافي، وأنت يا علي عزيت الجميع بموتك، وعزيت التراب الذي مشت عليه أم قرون وتاجوج وميري وكلتومة وبت عجبنا وكل نساء البلاد، والموت من أجل قضية نصر ، وبموتك أنتصرت للمعنى، وسديت بصدرك الممتليء رجولة ورأي ذخائر موجهة لصدورنا وصدر البلاد كلها.

هذه الحرب جعلتم عنوانها الثبات في الموقف والموت عز حين ينطق شبل صغير الشهادة وهو يواجّه فوهات البنادق المصوبة عليه رافضا الإساءة لشرفه أو قيادته، ذلك هو الموقف الذي يجب أن تقدم فيه الروح، ولكن نحن يا علي للأسف لا نعيش في عصر البطولات والفراسة، نحن نعيش زمن الجبن والانتصار على الشاشات ، حيث نعيش زمن الغدر والخساسة و”الدرون” وتجارة الحروب وبضاعة السوق هي أجسادنا، والذي يغتالك وانت واقفاً منتصبا، لا يعلم انه أداة متحكم فيها ومستغل ليكسر جيشه وبلاده ويعض بعدها أصابع الندم.

منذ بدء هذه الحرب أستشهد لنا فيها فرسان وهم وقوف وصدورهم مفتوحة لمعانقة الرصاص وكان أولهم الشهيد مضوي حسين ضي النور الفارس وسليل الفراس، يعرف قدره حتى التراب الذي مشى عليه ، والشهيد موسى قارح الباسم رجولة ورأي، والجميل الشاب فيناوي، وغيرهم كثر ، حتى توجت أنت بموتك كل المعاني، وأعطيت الكلمة التي ستبقى عنواناً لهذه الحرب الجنونية؛ (نحن بنركب عناقر الرجال)، طبعاً ان وجدو!، لم يرى أحداً كعبك ولم ينظر أحد إلى قفاك في حياتك، اتنبرت وأوفيت الفخر جلاله، وذلك لعمري مجد وشرف لكل البوادي العامرة، بل لكل السودانيات والسودانيين، الذين ينكر أشباه الرجال انتماءنا لهم.

بطولتك يا علي هي بطولة سودانية خالصة وكان مكانها ملاقاة عدو خارجي، ولكن شاءت الأقدار ان تكون بطولة في مواجهة عصابة أشعلت الحرب وهي تتبع فكر وافد هدفه تدمير البلدان وتخريبها، وهم من مخلفات الحرب الباردة التي صنعت معسكراتها (حسن البنا ) وأتباعه للوقوف في وجه تحرر الشعوب المسلمة من الاستعمار والتخلف.

سيكون دمك ثمنا لدولة يشعر كل سوداني فيها بالفخر والاعتزاز، ستكون غنوة في شفاه أم قرون جيلاً بعد جيل، وأم قرون وطن للغرباء والمنفيين عن أوطانهم، ستكون يا علي رمزاً لحرب واجهتم فيها بكل شجاعة وانتصرتم على آلة القتل الجبانة من طائرات ومدافع وكل سلاح جبان غير مرئي، انتصرتم على العنصريين الجبناء في صباح الخامس عشر من أبريل من العام الماضي، حين وسوس لهم شيطان الوَهم والاستعلاء أن يكسروكم بالضربات المحسوبة خطأ، وتغادر التاتشرات العاصمة هاربة تلاحقها طائرات (سارة) وقوات العطا على الأرض، حتى يستقبلها أركو مناوي الذي غادر العاصمة وزيت سلاحه منتظراً وصولها دارفور، ورشاشاته منصوبة (للحك) الذي توعد به والذي ذاق مرارته، لقد هزمتم كل ذلك وهزمتم الموت نفسه.

رأيت فيك يا علي موسى عبودة الذي تحدى الطائرات ودخل الخرطوم بمتحركاته في الأسبوع الأول للحرب ، رآيت فيك أبو الرخا ومصطفى الشريف ابو عامر ، وشباب أجمل من سلام ايادي المستقبلات ، حصدهم رصاص الغدر ولم يولوا هاربين بل زرعو على أرض البلاد بطولها وعرضها قبورا وسقوا بدمائهم هذه الأرض وحتماً ستنبت أرواحهم حباً ووردا يجمل الوطن القادم للجميع.

كنت يا علي قائداً شجاعا وفارساً مهاباً في حياتك وحين استشهادك، كنت الهيبة التي عشت بها وعرفك الناس رجلا واثقا وموثوقا وحكيما في الملمات الكبرى، وإذا كان الصدق يمشي بين الناس على قدمين فأنت الأصدق منا جميعاً في الموقف وتبعاته .

لا اود الكتابة عنك ولا عن الحرب ولا عن الذين رحلوا قبلك أو الآتين، لكن هذه تحية لروحك الطاهرة الغالية، واما الكتابة عن الحرب فستكون بعد أن تضع أوزارها، وبعد أن يتوقف رحيل الشهداء كالشهب، ودماء الشعب السوداني يتوقف ثرثارها، وتتصافح الأيادي غير الملوثة بالدم حباً ومودة، وذلك ما سنعمل له، وستظل بندقية أشاوس الدعم السريع وهي تواجه غول الدولة القديمة مسنوده بعدالة القضية، وهي السعى لتأسيس وطن للجميع وتنتهي الحروب مرة واحدة وإلى الأبد، وفي هذا على البندقية أن تفرز عدوها من صليحها ، وكلنا ثقة بان دماء السودانيين المدنيين غير المتورطين في الحرب أمانة بيدكم حتى يأت السلام الشامل.

لك المجد يا علي يعقوب، وعبرك أحيي أبطالا أنت تجسدهم، وأحيي كل من تمرد على دولة النخبة التي وصلت حدها الأقصى بإنقلاب البشير – الترابي، وانتهت بخيانة البرهان – الكيزان، وبالدم والدموع التي سالت من عيون جميع السودانيين، واذا وصمتكم الدولة التي كانت قائمة كذبا بالمتمردين فذلك شرف لا يدانيه شرف، ومن لم يتمرد على تلك الدولة عليه مراجعة انسانيته.

دمك ودماء شهدائنا جميعا هو امتداد لكل الوسيمين؛ من الشهيد إبراهيم الزبيدي وحتى الجميل فيناوي، وتأبينكم سيكون احتفالاً بالسلام الشامل وتأسيس دولة المواطنة والحرية والعدالة للجميع.

لك المجد يا علي ولشعبنا الخلاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى