*بسم الله الرحمن الرحيم*
مغزىٰ الحاجة إلي تأسيس دولة سودانية فيدرالية جديدة…..ثمرة النضال التراكمي من ١٩٥٣ إلي ٢٠٢٣م
د. جودات الشريف حامد
باحث بالمركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية
لا يختلف إثنان إلا إذا كان ثالثهما فلولي بلبوسي أن الدولة السودانية هيكلياً و مؤسسياً مصابة بداء الإعتلال و الإختلال في بنيتها العضوية في كافة مستوياتها، لم يكن إختلال هياكلها لحظياً مرتبط بنظام (حكومة) بعينه دون بقية الحكومات المتعاقبة، بل إستمر الأمر كأزمة و علة مخططٌ لها إستراتيجياً لتبقىٰ، لأن زوال أسباب العلة و معالجة بواعث الإختلال تنسحب تدريجياً للمصلحة العامة لشعوب السودان و هوامشة بدلاً عن الإستئثار بها من قٍبل قلة لا تتجاوز ١٥% من تعداد سكان السودان.*
*هذا الواقع “المسخ” المشوٌه بكل ظلمه و ظلاماته قد أفرز سنة التدافع في بيئته، مجموعات سياسية و حركات إحتجاجية مطلبية رافضة لأسباب بقاء هذا الإختلال في بنية الدولة و قواعد هياكلها وتمثيل مؤسساتها، و المتتبع الدقيق لمسيرة هذه المجموعات و حركات الاحتجاج يلحظ أن بعضها قد إتخذ سبل النضال السياسي في إطاره السلمي في وجه أنظمة عسكرية نخبوية قاسية و مستبدة لا مكان للآخر مختلف الرأي في الوطن إعتبار في خساباتها و البعض الآخر قد آثر أن يتخذ من المعالجات العنيفة المسلحة وسيلة لمخاطبة المركز القابض لتوصيل إحتجاجه و رفضه للكيفيات التي تُحكم و تُدار بها الدولة السودانية و قد جُوبهت هذه الحركات الاحتجاجية بعنف أشد من جانب الدولة المركزية التي ترفض الاستجابة لمطالبها العادلة.
للأسف نخب الصدفة التي أوجدتها ظروف و أقدار زمانية و مكانية لتسود و تحكم لم تُكلف نفسها مجرد فضيلة التفكير المتكاسل لتطرح علي نفسها سؤالاً جوهرياً و محورياً ، لماذا تحتج و تُحارب شعوب الأقاليم و هوامشه العريضة طرائق تفكير المركز النخبوي القابض و أساليبه في وضع سياسات الدولة و آليات تنفيذها؟.
في الحقيقة تمارس تلك النخب ثقافة الهروب من إستحقاقات الاجابة و لا ترغب في إجابة جادة و حيادية و أمينة لتلك تمثل مدخلاً للحلول الجوهرية الملحة للتساؤلات أعلاه، لأن الإجابة الصادقة عليها تعني فيما تعني أن يتم إعادة تأسيس و بناء الدولة السودانية وفقاً لمرجعيات كلية تستوعب حقوق و حاجات أقاليم السودان المقصية قصداً وتنتصر لهوامشه المظلومة عمداً، فتعالج الإختلالات و تداوي الإعتلالات التي ظلت باعثاً للإحتجاجات ( التمردات) المطلبية و محفزاً لعدم الاستقرار و معززاً لإستبقاء الأزمة السياسية في السودان منذ ١٩٥٣م.
لذا عندما جاءت ثورة ديسمبر المجيدة و إسقاطها لنظام الفلول البغاة الظالمين، عادت للشعب السودان بوارق الأمل و روح التطلعات لتأسيس دولة سودانية جديدة و سيدة علي نفسها بإرادة شعبها، تحترم التنوع و تتحرىٰ قيم المساواة النسبية في التشريع وتلتزم العدل في الممارسة، و لكن للأسف هذا المزاج الشعبي الحر و التوجه الإحتفائي العام المتفائل لم يرق للفلول و من شايعهم من أنصار المركزية النخبوية الظالمة ، فأتخذوا قرار حرب ١٥ أبريل في مواجهة قوات الدعم السريع التي كانت تمثل لهم حسب إعتقادهم النخبوي الايدلوجي عقبة كاداء لإعادة عقارب الزمن الثوري إلي أزمنة أنظمة النخب المدنية و العسكرية التي أوردت السودان و أهله موارد التخلف و العدمية و إفتقار الأريحيةليعودوا للحكم من جديد عبر ذات العسكر الذي وصلوا عبرهم للسلطة في ٣٠ يونيو؟.
نود هنا أن نربط ربطاً في سياق التاريخ و إعتبار مشتركات غايات السياسة ما بين الجهد و النضال التراكمي لمجموعات و حركات الاحتجاج ( التمردات ) علي واقع بنية الدولة السودانية و أساليب إدارة الشأن العام فيها التي ظلت سمة ملازمة لها علي مدار أكثر من ٦٨ عاماً من خيبات و فشل النخب، و ما بين الواقع الراهن الذي أوجدته حرب ١٥ أبريل التي كانت بدءاً معركة دفاع عن النفس بالنسبة لقوات الدعم السريع التي كما يعلم الجميع قد حُوصرت و هُوجمت في مقارها و معسكراتها و ثكنات جنودها ليلاً و هم نيام، فلم يجدوا بُداً غير أن يمارسوا حق الدفاع عن النفس بموجب كافة قوانين الكون الوضعية و شرائعه السماوية، لذلك رسٌخت هذه الحرب و معاركها أدباً إنسانياً جديداً ضمن أدبيات قوات الدعم السريع العسكرية و السياسية و الإجتماعية بأن أُصطلح عليها أدبيات (معركة الدفاع عن النفس), و لكن و بفضل من الله و مٍنة قد تحوّلت بعد أقل من شهرين من بداية المعركة و بعد أن حقق الأشاوس فيها إنتصارات عظيمة فاقت التوقعات و تجاوزت حسابات المألوف في كافة مجريات حروب الدنيا،الامر الذي أدي الي تحول الغاية الأسمىٰ من معركة الدفاع عن النفس إلي معركة الدفاع عن و الإنتصار لقضايا الوطن الكبرى التي يأتي في مقدمتها الإصرار الأخلاقي النبيل الذي لا يقبل فرضية التراجع عنه كفاية و مبتغىٰ و المتمثل في تبني مشروع تأسيس و بناء دولة سودانية جديدة بأسس جديدة علي أنقاض أسس التفكير المتبلد و تخطيط سياسات الممارسة الأنانية المنكفئة علي ذوات النخب في دولة ما قبل ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، و حتي لا يُساء فهم ما نطرح من رؤوس مسائل حول المعايير الضابطة و الأسس الناظمة للدولة السودانية الفيدرالية الجديدة التي نبشر بها ، فكلنا و كحقيقة مبدئية ببعدها القانوني و الدستوري و السياسي نقر إدراكاً أن الدولة لها ثلاثة أعمدة أساسية لتستوفي معيار مُسمى دولة ( أرض، شعب، و سلطة).
فأما الأرض و الشعب فهما ركنان في الدولة مهما إشتدت حدة و عنف الأزمات السياسية فلا أحد يلقي عليهما لوماً أو يسقط عليهما لؤماً فيما يطرحه من مشاريع بديلة للتأسيس و البناء و وصفات لمداواة الازمة السودانية جذرياّ ، و لكن تبقىٰ السلطة و ممارساتها و من قبل ذلك وضع سياساتها و خططها التي يمثل الاختلال والإعتلال إنعكاس لها ،تظل في حاجة ملحة و ضرورة لا مفرمن إيجاد معالجات صادقة و حيادية و أمينة لها من خلال ما ظلت تطرحه المجموعات و الحركات المطلبية عبر مسيرة نضالها، حيث يأتي ما جاء في مشروع قوات الدعم السريع من خلال ( ورقته رؤية الدعم السريع للإصلاح و الحل الشامل ) بمرتكزاتها العشرة و تصريحات قائده الفريق محمد حمدان دقلو السياسية لمعالجة جذور الأزمة السياسية ،لتكون خلاصة للنضال التراكمي للشعب السوداني المشرأب لبزوغ فجر الدولة السودانية الجديدة المعاصرة، القائمة علي الفيدرالية السياسية و الرعاية الاجتماعية المتساوية و حقوق الإنسان المرعية، و لعل الفلسفة في إنتقاء و إختيار تأسيس و بناء دولة سودانية جديدة بمعايير جديدة هو أننا في حاجة إلي تأسيس علي أنقاض إختلال هياكل الدولة بكل حكوماتها المتعاقبة لنبني بدلاً عنها هياكل و مؤسسات مدنية و عسكرية جديدة تنعكس علي ركن الدولة المتمثل في الأرض تنمية و إعمار و علي ركن الشعب حرية و رفاهية و محبة سلام.
.……….و نواصل………….