الأخبار

متاريس ثقافية بقلم /مليح يعقوب حماد

هنالك العديد من المتاريس والعقبات.وقفت ،كحاجز صد امام تطور قطاعات الثقافة والتراث والفكر و الابداع ،عرقلت كثيرا من مسيرتها، وخصمت من قيمها وجمالياتها. وقللت من قدرتها علي الابتكار والتجديد، وافرغتها وفي بعض المواضع من محتواها. يمتلك السودان مخزون ضخم، من التراث والثقافة والحضارة والفنون ، و بمقدَوره ان يقوم بتحويله لمورد اقتصادي قومي واستراتيجي. يرفد خزينته بالاموال. في حال ان احسنت الدولة ادارته. فبلد بهذا الحجم من التنوع ،حرام عليه ان يصل لهذا المستوي من الانقسام. يفترض به ان ينهض بموارده وثقافاته، من ثم يقوم بتصديرها الي العالم. يعاني السودان من خلل اداري واخلاقي واستهبال سياسي (ثقافي وايدلوجي) ظل يلازمه منذ الاستقلال، مما جعله دولة فقيرة، تستورد موارد و ثقافات الغير. وتعتبر الفنون محور رئيسي في تحقيق الوحدة والانصهار والتنمية والاستقرار.ولها مقدرة كبيرة علي قرائة الواقع، و ترجمته الي حلول جذرية، تعالج مشاكل الدولة والمجتمع. عبر ادواتها التعبيرية الفاعلة في رفع الوعي، وتغيير السلوك نحو الامام   (اعطني مسرحا اعطيك شعبا). َهنالك بلدان َ مشابهه للسودان في تركيبته و تنوعه وتاريخه ونشاته. نجحت في تسويق مواردها وثقافاتها.من ضمنها الولايات المتحدة الامريكية،والتي مرت بصراعات سياسية وثقافية، اقرب للحالة السودانية ،فعن طريق الفدرالية، والتنمية المتوازنة، حققت الوحدة والاستقرار و التعايش والانسجام، وصدرت ثقافاتها ومواردها لجميع البلدان.علي عكس حكومات السودان، والتي مارست علي شعبها شتي انواع التهميش السياسي والاقتصادي و العرقي و الثقافي و اللغوي والديني، فاتسعت دوائر الغبن، و انتشرت خطابات الكراهية. نلاحظ ان علاقة الدولة السودانية بالثقافة تظهر في الاحتفالات الرسمية والمناسبات العامة و المهرجانات والاعياد ،كنوع من الاهتمام الظاهري،والذي لا تربطه صلة بجذور الازمة.و كشكل من الترميز التضليلي، والذي يعطي انطباع المشاركة، دون ان يحدث اي تغيير ايجابي علي ارض الواقع .فالتنمية الفعلية لمفهوم الثقافة، يجب ان تنطلق من القواعد الشعبية ،وليس من مسارح السلطة.َ و عندما يقول منسوبي دولة المركز وبمختلف توجهاتهم اليمينية واليسارية و التقدمية : ان الثقافة تقود المجتمع،فأعلم ان اكثرهم يكذبون. فتلك واحدة من اساليبهم المتبعة في سواقة الناس لخدمة برامجهم السياسية المؤدلجة، والمتعارضة مع المصلحة الوطنية.وقد انحازوا ثقافيا لمجتمعاتهم، في كل الحكومات المدنية والعسكرية التي شاركوا فيها. فالثقافة من اخر اولوياتهم .بدليل ان اصغر ميزانية في الدولة  السودانية ومنذ تاسييها، هي ميزانية وزارة الثقافة. وتعتبر حكومة الكيزان أسوأ نموذج لتجارب الحكم في السودان، ويعتبر الموتمر الوطني أسوأ نسخة من احزاب المركز .فقد استغل منسوبيه الثقافة والعرق والهوية والدين كادوات للفرقة والشتات،وليس كمصادر للوحدة والسلام. و تسببوا في انفصال الجنوب، واندلاع الحروب الاهلية. وتعتبر الثقافة من اكبر ضحايا الصراع السياسي الدائر بين المركز والهامش.ويعيش المبدعون تحت رحمة الفقر الناجم عن سيطرة الاقتصاد الطفيلي، والذي يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل الشركات المستفيدة من ابداعهم.وهي ذات الاسباب التي نشأ من اجلها قانون الملكية الفكرية،لحماية مؤلفاتهم ضد كل من يحاول التعدي  عليها بغير وجه حق. ولقد فشلت الحكومة في توفير سوق اقتصادي موازي للمحتوي الثقافي والفكري المعروض في الساحة.َوعليها ان تتدخل لحماية الفنون ورعاية الموروثات الثقافية المختلفة، وحفظها من الانقراض، َبالتشجيع علي تجويد المنتوج الفني، اضافة الي جذب المستثمرين ، لخلق سوق ثقافي (انتاجي) يراهن علي قيمة الابداع. وعلي الدولة ان تقوم باقحام قضايا الثقافة والفنون في مشروع العدالة الانتقالية، مع التعويض وجبر الضرر وسد الفوارق التنموية.ومنح الاقاليم اكبر قدر من الخصوصية الثقافية والعرقية واللغوية والدينية.فأهل مكة ادري بشعابها.وعلي الدولة ان تقوم بوضع سياسات ثقافية عادلة، متوازنة ومتجانسة مع مفهوم الوحدة في التنوع.وعليها ان تقوم  بضبط اجهزتها الاعلامية المرئية والمسموعة، بان لا تنحاز لثقافة وتهمل الاخري. فالهيئة العامة للاذاعة والتلفزيَون، بوصفها (هيئة عامة) عليها ان تساوي بين الاغنية الامدرمانية والكردفانية والدارفورية والفونجاوية والوسطية والنيلية والشرقية الخ.فجمعيها اغنيات سودانية،  قومية مستوفية لشروط الانتماء الوطني. والحكومة هي من فكت اللجام لاغنية الحقيبة.واطلقت لها يد العنان، ثم وفرت لها الرعاية والاهتمام، وافردت لها مساحة واسعة في الاعلام، فنمت وتطورت، الي ان تم وصفها بالاغنية الحديثة وعلي حساب اغاني الهامش ،ونلاحظ ان مفهوم الحداثة في الغناء السوداني،تم اختزاله في اغنية الوسط والمنبثقة من فن الحقيبة، وهو عبارة عن مفهوم تجاوزي،لايسنده منطق ،وكما ان توصيف الاعلام السوداني للغناء الام درماني بانه  غناء حديث دون غيره، يعتبر توصيف ظالم، ولا يرتكز علي دراية ومعرفة.َوطالما ان اغنيات الهامش وكغيرها، مستوفية لشروط الاداء، المرتبطة بالنصوص والموسيقي والالحان، فتعتبر ايضا اغنيات حديثة، ولا تقل شأنا،عن غيرها ،ففي مفهوم الحداثة، أرى ان الجميع  سيان ولايختلف حول ذلك الا مكابر. وقد اشار قانون الملكية الفكرية،الي ان الاغنية تتحول لتراث ، عند مرور خمسين عام علي وفاة مؤلفها،وحينها تصبح مملوكة للدولة و الشعب. وفي هذه الحالة يسقط عن مؤلفها الحق المادي، ويظل الحق الادبي لصيقا باسمه لمدي الحياة. وبنائا  علي ذلك، فان اغلب اغنيات الحقيبة، قد دخلت في منظومة التراث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى