الأبعاد التآمرية في الحرب السودانية! (1-10 بقلم / بدالرازق أنقابو،،،
angabo7@hotmail.com
. 21 فبراير 2024م
ما يحدث في السودان الآن من حرب عشوائية طاحنة، تماما كما حدث في بلدان الربيع العربي، كأنما هو إمتداد او مجرد انتظار لدور مقدر محتوم! إلا أن الأغرب في أمر هذه الحرب وقد حدثت بلا هوادة، هي أن أطرافها؛ الجيش والدعم السريع معا، إضافة للقوي السياسية بأكملها، والشعب السوداني بأسره، هم جميعا يدركون مدي مخاطرها الطائلة وتبعاتها الهائلة! إلا انهم مع كل ذلك تركوها لتحدث، في دهشة إحتار فيها من ظن أن “سلمية ثورة التغيير في السودان” كأعظم ثورة بيضاء أطاحت بأعتي نظام دكتاتوري في أفريقيا جنوب الصحراء، لن تعقبها إراقة دماء! فالشاهد في الأمر ههنا، نجده دليلا قاطعا أن لم يكن مؤامرة، في عدم الأمانة والمهنية في تصريحات من هو في موقع المسؤولية التاريخية والجنائية عن هذه الحرب، سيادة الفريق أول البرهان، المدلي بها بتناقض تام، كانما ليس بيده قرار وقف الحرب وهو القائد العام، بقوله – نصا: (لو كنا نعلم ان هذه الحرب تتجاوز خسائرها ال [١٠%]، لما دخلنا فيها)، رغم علمه انها تجاوزت هذه النسبة، ثلاثة اضعاف منذ اسبوعها الأول، وهو لا يزال مصرا علي خوضها حتي الآن!
وبين الإعجاب بهكذا ثورة تغيير، والدهشة الصادمة لما يجري من تدمير وتهجير، فإن الحاجة للنظر في هكذا تطور درامي، هي ما تفترض أن الحرب الدائرة، تنطوي علي أبعاد تآمرية – توفرت عواملها داخليا وخارجيا! والآن، فإن خروج الحرب عن دائرة السيطرة، لدرجة تضييع فرص مبادراتها المطروحة عبر تصريحات البرهان وهو يلغي كل ما تم بالخارج ولاءات الكباشي المؤكدة لذلك (لا للإطاري، لا للدمج ولا لأي إتفاق خارجي) – بما فيها إتفاقه بالمنامة مؤخرا، إلى أن دخلت الحرب شهرها الحادي عشر وهي اشد ضراوة – هذه الأيام، ما هي إلا تداعيات لتلك التآمرات المحتملة فيها! كل ذلك يحدث أمام مرأي ومشهد طرفي الحرب – القوات المسلحة والدعم السريع، فهلا يدركا ليتداركان الأمر قبل فوات الأوان!
#قراءة استفتاحية:
حينما يكتنف الغموض بداية أي صراع – كما هي حال الحرب السودانية الجارية الآن، فإن فرص التكهن والتساؤلات تبقي فيها مفتوحة، حتي تتضح – مع مرور الأيام والأسابيع، وجهتها وإتجاهاتها ويتبين للناس مدي حقيقتها من تكهناتها! إلا اننا مع هذه الحرب تحديدا، المستعرة والمستمرة بلا هدنة لقرابة العام، فإننا لا نزال بعيدين عن كامل حقيقتها، عدا ضلوع جماعات التيارات الجهادية فيها!
وأخذا بطبيعة الأفعال والأحداث التي تنطوي علي طابع تآمري، فإنها في معظم الأحوال تكون مدروسة ومخطط لها مسبقا، ولا تنتظر إلا ساعة صفرها لتنفيذها – بسيناريو، يظهر خلافا لما تبطن حقيقتها! وإذا ما نظرنا لهذه الحرب من هذا المنظور، فإننا نجد أن أجندات التآمر فيها، لتطغي علي كونها مجرد حرب عبثية – هكذا رسميا تم وصفها، دون إدانة لها! وأخذا بإحتمالية التآمر أم بعدمها، فإن الأفعال المغروضة – كأجندات، لا تجد طريقها للتنفيذ، إلا في بيئة وأجواء مؤاتية! فهلا تدرك حكومة السودان، ان الفعل العبثي – لعبثيته، يستوجب اخلاقا ومسؤولية عدم الإستمرار فيه، لإنتفاء مبررات الإستجابة إليه ودواعي الإصرار عليه! وإلا – بشكل أولى، فإنها حقا أجندات الإخوان في السودان، وقد جاهروا بها في رمضان، تهديدا وتوعدا بهذه الحرب الدائرة الآن!
فأجندات المؤامرة في هذه الحرب – إنفاذا بعواملها الداخلية، فانها في بدايتها تعود لذلك الإختلاف الذي جعل من جزئية الإتفاق الإطاري الخاصة بورشة إصلاح الاجهزة الأمنية، مجرد سيناريو لبدء الحرب! وبنظرة امنية لأسباب تفجر الحرب المتصلة بمسألة دمج الدعم السريع في الجيش، فإن اجراء الدمج كمطلب – لا يؤسس تهديدا، وهو لا يزال مطروحا علي الطاولة للأخذ والرد – بمعني، أن المسألة ليست في الدمج في حد ذاته، إنما في توقيت طلبه والمراوغة المقصودة في عدم توقيعه، لخلق حالة توتر مصنوع، هي ما أدت لتطويرها حربا شنوع! هذه الدلالة الأمنية الموجبة، يعززها في الطرف المعني بالدمج، ذلك الإنتشار الآمن لقواته وهي تؤدي المهام بكافة ربوع السودان بانضباط تام! فذلك الخلاف في حقيقة امره، مقدور التحكم عليه، حيث أن فرص التسوية فيه لم تستنفد بعد، والجهود جارية لإحتوائه – ليل نهار! وبرغم ذلك الإنتشار الآمن لقوات الدعم السريع، إلا أنها – ومن لا شيء، تم تحديدها كمهدد (ضد المسكوت عنها … من لا يشار إليها إسما ولا رسما – اي دولة-٥٦)، بينما هي تتواجد مسالمة جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة، بكافة حدود البلاد ومدنها الرئيسة – حتي آخر ساعة للحرب، دونما حدوث أي مضايقات او إحتكاكات بينهما مشهودة، أو أي سوابق أمنية مرصودة!
#حقيقة اللجوء لخيار الحرب:
القول بأن هذه حرب عبثية بلا هدف ولا غاية كما أشير إليها بداية، ذلك يدحضه ويعري حقيقته – وصفها لاحقا، بأنها “حرب كرامة!” وهنا – اي علي هذه السذاجة التي أضفت علي هذه الحرب الصفة الجهادية الإخوانية فيها، تم تغييب الإرادة الوطنية وتعطيل المسؤولية القومية، من العمل علي وقف الحرب أو إعادة النظر في أمرها، إلي القفز بها لمستوي القداسة، إلى حيث النداء والدعاء للتعبئة العامة والإستنفارات والحشود الشعبية الجارية، حتي تحقق هدفها المقصود! لكن النتائج علي الأرض لهذا الشهر العاشر للحرب – تقول بعكس ذلك، وهو الفشل في تحقيق الهدف المنشود، برغم الإصرار علي إستمرار الحرب وما يقابله من جريمة إستمراء وقوع المزيد من الضحايا والدمار والتخريب والنزوح والتشريد – بلا وازع ولا رادع!
لذا، فإن وصف هذه الحرب بالعبثية هو لمجرد التمويه والتماهي لكسب الرأي العام، وتضليله بحملة إعلامية وخطاب موجه، لم يكن من أولوياته السعي الجاد لوقف الحرب، إستجابة لمأساة شملت – ظلما، اكثر من عشرة مليون مواطنا بريئا! وبرغم حجم هذه المأساة، فان التصريحات المؤكدة لعزيمة (Intention) الإستمرار في الحرب، نجدها متمثلة في طبيعة الحرب كحرب إثبات وجود، وما تتطلب من تهديدات وتوعدات متتالية – من علي شاكلة: (سنقاتل قوات الدعم السريع حتي تنتهي أو ننتهي)! هذا التهديد “الإنهائي” هو ما نطق به القائد العام للجيش سعادة الفريق أول البرهان بمعهد جبيت العسكري بشرق السودان، وقد فات عليه أنه يخاطب قوات حكومية معادة جوا من تشاد، كانت قد لجأت إليها أثناء الإشتباكات مع ذات قوات الدعم السريع، بولاية غرب دارفور!
#يليه الجزء: (2-10)
. *مؤامرة الإنسياق للحرب*