تعتبر الدرملي من اجمل الرقصات الشعبية السودانية. نشأت لاول مرة في المنطقة الشرقية من اقليم جنوب كردفان. وفي مناطق مثل تلودي وكلوقي والليري وماحولها.ثم انتقلت شفاهيا الي بقية بوادي كردفان. تطورت الدرملي بشكل مواكب ولا فت للانظار، عند الحوازمة والكنانة واولاد حميد والمسيرية، وغيرهم من المجموعات الرعوية المنتشرة في كردفان.لقد انتشرت الدرملي بين اوساطهم، ثم انتقلت لجيرانهم، الي ان صارت لعبة شعبية معروفة في المدن والارياف. ويعزى انتشارها ، لما حملته من قيم و مبادئ، ولما يتوفر فيها من معاني و دلالات سامية، تجسدها روعة الكلمات، وعذوبة الالحان، و حلاوة الرقص وسرعة الاستعراض، و الذي تكتمل لوحاته بمهارات الراقصين ورشاقة الحكامات. كما تعتبر الدرملي رقصة جماعية مشتركة بين الرجال والنساء . عززت كثيرا من معاني، الوحدة والانصهار بين مختلف الوان الطيف السكاني، وخلقت جسورا من التواصل، حيث عبرت الي، خارج حدود كردفان.وباتت ترقصها الكثير من الفرق الشعبية، و في شتي مدن العاصمة والولايات. والدرملي تعتبر من احدث رقصات البقارة. وهي عبارة عن لعبة هجين مقتبسة من تراثهم القديم ،والمشترك مع غالبية رعاة الماشية. المنتشرين في كردفان ودارفور،و النيلين الابيض والازرق، والذين تصل امتداداتهم الي تشاد والنيجر والكثير من بلدان غرب واواسط افريقيا .ومن تراثهم، النقارة والمردوم و القيدومه والفنجفانج والمردوع والمردمة والرزّة والهرّمة وديك الحمام والشوقار والشقلاب وام بري بري وام ردس وام بقاقو وام رقيبات والهدّاي والبوشان والجرّداق والكاتم والسنّجك والعريج والقندلا والسيّار والربّة وجمل رقد والمجلة و الحكامات والبرامكة الخ.وقد تتباين هذه الرقصات من مجموعة لاخري، حسب المحتوي والمضمون او حسب درجات التاثر بالجوار. ومع وضع اعتبار للتغيرات التي طرأت عليها مؤخرا ، نتيجة للتباعد الجغرافي.كما اندثرت بعض من رقصاتهم القديمة، وصمدت الاخري، في وجه الظروف والمناخ، فانتجت نفسها بشكل متجدد و مستمر نحو المستقبل.تعتبر الدرملي احد اشكال الرقص والغناء الجماعي والمشترك بين الرجال والنساء.وهي عبارة عن مسرح فلكلوري متكامل. يختلف في اخراجه من منطقة لاخري، ويشترط فيها الانضباط بمعايير الرقص والغناء لحفظها من الشرخ والتشوية. وعند أداء الرقصة، يتحرك الجميع في شكل قوس. او في شكل حلقة شبه دائرية ،يتقدمها الرجال،واحيانا النساء. فيقوم الطرف المتقدم (الروق الامامي) بأداء المقطع الاول من الاغنية. ليكمل الطرف المتأخر (الروق الخلفي) بقية المقطع. ويتحرك الجميع ، وبشكل ايقاعي راقص منتظم. حول مركز الدائرة ،حيث تتجانس الاصوات البشرية، و يتناغم الهارموني الموسيقي الطبيعي، وبأسلوب فطري، و سلس يدهش الناظرين. وهكذا يستمر الحال في الرقص والغناء، حتي يصل الجميع الي مرحلة الكسرة، وهي عبارة عن لحظة الذروة،وفيها ينتقل الشبان للمقطع الاخير، وتنتقل الشابات لنهايته. ساعتها يرتفع الاداء ويتنوع الرقص ويتغيّر التشكيل الايقاعي( ضرب الارجل) ،حسب الانفعالات اللحظية، والمختلفة من شخص لاخر.وهي التي تدفع الراقص، او الراقصة للانتقال الي مركز الدائرة من اجل أداء التحية(شراب الالمي) .وقد تختار الراقصة من يناسبها، ليحظي بشبالها الغالي، والمعتّق برائحة التربلول، وبعد ان يمتلئ الجو بأحلي انواع الروائح و العطور.ويشترط في غناء الدرملي، ان تقوم الحكّامات بتأليف الاغاني سباعية الطابع، والاقرب الي الموسيقي الشرقية،والتي يتوفر جزء اصيل منها في موسيقي البقارة. الذين تتداخل اغنياتهم احيانا مع السلم السداسي، ولكن فوق ذلك، يحتفظون بخصوصية التمتة وباصالة اللهجة البقارية. والتي تميزهم عن غيرها من اللهجات .حيث تأثرّت قبائل البقارة بالثقافات الافريقية ،وفي، شتي المجالات، مثل الزي والاكسسوار والالات الشعبية. وتعتبر الدرملي من اسرع رقصاتهم الشعبية.وهي ايقاع خفيف ويقع في منطقة وسطي بين رقصة المردوم عند البقاره ورقصة الكرنق عند النوبة.كما تعتبر الدرملي نوع من التنافس الشريف،والذي يهدف الي مجاراة رقصتي الكرنق والديتاني عند مجموعات النوبة .كما نلاحظ أن ميزانها الايقاعي، هو نفسه المستخدم في رقصات الكلش (النيل الازرق)، والكشوك (اقليم دارفور)، وام سلبونج (كردفان)، والكرنق (جنوب كردفان)، والديتاني (شرق كردفان).مع اختلاف المحتوي والمضمون في اسلوب الرقص والتاليف من ايقاع لآخر. يعتبر الفنان الكبير الراحل المقيم الاستاذ عباس عبدو،القادم من مدينة، الدلنج : هو اول مطرب سوداني ينقل الدرملي الي الاذاعة القومية ،وقد غناها بنفس ايقاعها الاصلي.كما ابدع الفنان الكردفاني، سليمان احمد عمر من مدينة الدبيبات، في أداء الدرملي، عندما انتج شريط، كاسيت ماستر، يحتوي علي العديد من اغاني التراث. بمصاحبة العود والصفارة والكمنجة والايقاعات، مع احتفاظه بالاشكال الاصلية للايقاع وفي كل اغانيه. والتي يحرص المواطنين علي تشغيلها في الاسواق والمقاهي والكفتريات، وفي المناسبات العامة والخاصة، و في بيوتات الاعراس، لقد حجزت اغنياته الاصيلة مكانها الطبيعي وسط المجتمع المحلي، ونافست اغنيات الجالوة والحقيبة وغيرها من الاغاني السودانية، والتي كان يستعين بها ابناء البادية في فقرة (البارتي). وهي فقرة ليلية ترفيهية اضافية. يستعين بها الشبان، عند شعورهم بالتعب والارهاق نتيجة لللعب المتواصل في داخل حلبات المردوم والنقارة والدلوكة والربة وام سلبونج، حيث ينصرف بعضهم لمشاهدة القيدومة وهي أداء خاص بحبوبات العريس ويسهرن معه حتي طلوع الفجر (شقة السرحان)ويستخدم لعز العريس ويطلق عليه احيانا باغاني البخسة ، كما ينصرف بعض الشباب الي بيت العرس للمشاركة في الشوبش (التبرعات).حيث يحلو الاستماع لكبار الحكامات وهن ينشدن باجمل المواويل واعذب الالحان. وسوف اتطرق لها في، وقت لاحق. ولكن من اشهر اغنيات الدرمله : اغنية الجنزير، التقيل،والتي يقول مطلعها:
الجنزير التقيل البقلا ياتو
البؤقد نارا بدفّاها هو
ياولد اب درجات
المؤصّل ماك نفو
يوم الحار
الزول بلقي اخو
مليح يعقوب حماد
باحث في التراث