قوات الدعم السريع – الانتقال من مشروعية الدفاع عن النفس إلي مسئولية بناء الدولة السودانية الجديدة.
بقلم: د. جودات الشريف حامد الخبير بالمركز الأفريقي الديمقراطية والتنمية
قوات الدعم السريع – الانتقال من مشروعية الدفاع عن النفس إلي مسئولية بناء الدولة السودانية الجديدة.
بقلم: د. جودات الشريف حامد
الخبير بالمركز الأفريقي للديمقراطية والتنمية
يشهد السودان أزمة سياسية حقيقية ظلت تراوح مكانها بلا حلول أو معالجات جادة وصادقة تلامس جذور مسبباتها العميقة منذ سنوات الاستقلال الباكرة، و هي أزمة وطنية شاملة،ظاهرياً تتواري خلف جدران و حوائط مسوغات الاستهبال السياسي النخبوي، إلا أن الحقيقة التي يجب أن يُقر بها أي سياسي سوداني أن هذه الأزمة السودانية و إن صُورت قصداً و نُمطت عمداً بأنها أزمة نابعة من منطق و منطلق تدافع سياسي أوجد كل حمولات و تحديات الواقع الحالي المتعلق بالأزمة السياسية،إلا أن جوهرها يظل لمن يريد معرفة الحقيقة المجردة من رغائب النفس أنها أزمة اجتماعية بامتياز،المتسبب الأوحد فيها النخبة السياسية السودانية التي مثلت طليعة غفلة حالفتها ظروف مكانية و سياقات زمانية بعينها مكنتها من تَسيُد المشهد السياسي الذي أساءت استخدامه و أفسدت ممارساته ببواعث الأنانية و ثقافة الاحتكار و صفوية تفكيرها النخبوي، فأطّرت لنفسها هالة من قداسة الشخوص و تنميط الرموز و أعطت لنفسها كذلك حق صكوك المخلّص الوحيد الأوحد و ادّعَت علي شعوب السودان أهلية التفكير السياسي و التدبير الإداري للدولة و التعبير الثقافي و اتخاذ القرار الوطني حصرياً نيابة و بالوكالة الجبرية عن مجاميع تنوع أهل السودان، ادعاءً مقروناً بمظان الجدارة الزائفة و الكفاءة المتوهَمة في تشكيل خرائط الواقع بأبعاده المتعددة و رسم تمظهراته المنتقاة بخبث مرسوم و عناية ماكرة لتحقيق رغبات الذات و الأنفس الشُح لهذه النخب الأسرية و إن أحسنّا الظن في التعميم تحقيق حظوظهم الحزبية.
أنانية هذه النخبة السياسية السودانية قد خلقت حالة من الأذى المتطاول الآماد ومشاهد متكاثفة من آلام الظلم و كذا المظالم التاريخية التراكمية التي عمّت مضارها و مسالبها الكارثية غالب مكونات الشعب السوداني إلا من كان أهلاً لحظوظ قُربيٰ و نيل رضا هذه النخب ، الأمر الذي حويٰ في جوف حتمياته أبعاد التنازع السياسي بمظهره الخادع و كذلك أبعاد التعانف الاجتماعي بجوهره الواقع، الذي يمثل حقيقة المجتمع السوداني. لقد بلورت هذه الأوضاع السياسية المختلة و حصائد سلوك ممارسات حكوماتها المعتلة مسارات ثورية عديدة و خيارات نضالية مصادمة عنيدة ما انقطعت و لا امتنعت جذوات اتقادها من الاشتعال إلي يومنا هذا، و قد تنوعت في ذلك مسارات وخيارات الاحتجاج و الرفض و آليات التعبير الثوري المعارض و المُطالب بحقوقه، فالبعض اتخذ خيار العمل المسلح (تمردات الجنوب، الشرق، كردفان، دارفور)* *و آخرين اتخذوا خيار و مسار استظهار الرفض و الاعتراض المدني السلمي المُحاجج، فكانت ثورات أكتوبر ١٩٦٤م و ثورة أبريل١٩٨٥ و ثورة* *ديسمبر٢٠١٨م هذه الثورات السودانية النضالية لم تكن ثورات دوافع و محفزات تفجرها و اشتراطات حدوثها العوز و الفاقة و مسغبة صفوف الخبز كما يحاول البعض تصويرها تزاكياً،* *رغماً عن الصعوبات و المعضلات الاقتصادية التي ظلت واقع ملازم لحال معظم السودانيين لكن ظلت البواعث الحقيقية لجملة الحراك الثوري النضالي عبر تاريخنا السياسي المأزوم هي مبتغيٰ الحرية و كرامة الانسان و الحاجة الي العدالة الاجتماعية والأمل في بناء دولة مؤسسات راشدة تفئ خيراً لأهلها دون استثناء، بل كانت جميع تلكمُ الثورات غايتها المبدئية و هدفها المشترك و سمات موجهاتها المائزة الضابطة رغم التباعد الزمني بين مواقيت حدوثها هي الإطاحة بالأنظمة السياسية الشمولية القائمة و تشبيكاتها الايدلوجيا و الطائفية بكافة ابعادها الإجتماعية و العسكرية البينية بُغية الأتيان بنظام سياسي أفضل يستوعب مقتضيات التنوع و اعتبارات مقايساته في المعادلة السياسية( الحُلم).*
*كانت آخر هذه الثورات هي ثورة ديسمبر المجيدة التي أصبحت واقعاً بالفعل الثوري و تراكمية الوعي الجمعي الذي أسقط سلطان الجبروت الفلولي في السادس من ابريل ٢٠١٩م.
تلك الثورة التي انتهت للأسف إلي مسرح هرجلة و مظاهر مسخرة و فضاءً مفتوحاً على مصارعه للفوضي المفتعلة والتي أفرغتها عن معناها و مبناها،بفعل صنائع و ذرائع النخب السياسية و العسكرية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية التي تمثل توليفة و نسق ل( مركزية إثنية خرطومية ) تظن و تعتقد من خلال استراتيجيات مكرها الموجه و إنكارها المتعمد و عرقلتها المشهودة لأن تُوضع الجهود الجمعية المستخلصة من التجارب علي مواطن الأزمة الوطنية بعد الثورة و استخدام مباضع المعالجة المشرطية اللازمة لمسسببات و معززات استمرارية أزمات السودان. فالإصرار المتطرف من قِبل هذه النخب علي إدعاء امتلاك الحق المطلق و محاولات استلاب و (شفشفة) رأي الآخر شريك الوطن في الأصقاع المهمشة النائية و الإلحاح و التصميم علي مصادرة أصالته عن نفسه في التفكير و التصور و الفعل التشاركي في قضايا الوطن و مصائره هي ما كانت دافعاً و باعثاً للممانعة التي بسببها أشعلت هذه النخبة العسكرية بقيادة البرهان و المدنية بقيادة الفلول والبلابسة و مشايعيهم حرب ١٥ أبريل التي كان هدفها المركزي المخطط في الأضابير السرية هو قطع الطريق أمام أي خطوة نحو إنضاج المشافهات و المحاوارات بين السودانيين حول مسودة الاتفاق الاطاري والتي كان مأمولاَ و مرجواً أن تُفضي إلي وضع خارطة طريق لمسار التحول المدني الديمقراطي و الإصلاح العسكري الحاتمي المبتغيٰ، وقد سعي الفلول جادين لإفشال ذلك من خلال اتخاذهم قرار حرب الإبادة*…. *إبادة كل قوات الدعم السريع،المساندة لمشروع ذاك التحول المدني الديمقراطي و إصلاح المؤسسة العسكرية و روافدها الأمنية، هذا السرد و توجيه الاتهام من خلاله لم يُطلق فقط قولاً علي عواهنه جُزافاً،فقياساً علي السياقات القانونية و محددات توفر نية الإبادة الجسدية لمجموعات قوات الدعم السريع من طرف جيش النخبةالفلولية نجد أن هنالك عدد من الأدلة و البيّنات لإثبات نوايا تلك الإبادة التي خُطط لها بدقة فاضحة و غدر واضح عبر استخدام سلاح الطيران و جميع وحدات الأسلحة العسكرية الأخري لضرب كافة مقار ومواقع قوات الدعم السريع ومعسكرات المفوّجين إلي الخارج و هم عُزّل، و هو سلوك كان سافراً و جلياً، يعكس الجريمة و يثبت أدلتها الظرفية، و التي في مجملها مثلت أساساً مقنعاً ومسوغاً متيناً لقوات الدعم السريع بما يفيد أنها قد تعرضت لمؤامرة و غدر من النخب المركزية ( عسكرية و مدنية ) و قد كان ذلك أساساً كافياً و مسوغاً مكتملاً و سبباً يقينياً يبرر البعد الأخلاقي النبيل الذي يجعل من خوض غمار حرب الخامس عشر من أبريل حرباً عادلة و مُبرَرَة أخلاقياً للدفاع عن النفس و عن الوضع الاعتباري و الوجود القانوني و الدستوري لمؤسسة الدعم السريع إبتداءً و طرح الرؤي و الأفكار و مشاريع حل و معالجة الأزمة السودانية من جذورها تالياً.فالدعم السريع منذ بداية الشهر الثاني من حربه مع جيش الفلول و التي خاضها كارهاً لا طائعاً أو راغباً ،منذ ذاك التاريخ المفصلى في معركة الدعم السريع للمحافظه على بقائه الوجودي قد نجح في إحداث مفاجآت استراتيجية صدمت توقعات الفلول و خيبت آمال جيشهم، تجاوز من خلالها الدعم السريع ثنائية الكر و الفر في الأعراف التقليدية للحروب وانتقل عزيزاً شامخاً و واثقاً إلى موضع الأخذ بزمام المبادأة والمبادرة في هذه الحرب الدائرة، الأمر الذي مكنه في كل محاور القتال أن يكون في موقف المنتصر والمتقدم المتأني مقارنة بفلول الجيش المنهزم ، صحيح إنها الحرب بكل قساوتها و مواجعها و التي دائماً ما ترافقها كلفة بشرية عالية و أثمان معنوية باهظة و أرتال من الشهداء و الجرحي و المصابين و لكن تبقي أرواح و دماء من فُقِدوا أو جُرحوا أو أُصيبوا في هذه الحرب مهراً مُستحقاً لمشروع بناء مؤسسي لدولة سودانية نهضويةجديدة (لنج) قائمة علي الفيدرالية السياسية و العدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان*… *يضع حجر أساسها القائد الملهم محمد حمدان.*