مقالات

خواطر حول معيار التنوع في بناء لدولة السودانية الجديدة.

د. جودات الشريف حامد  الخبير بالمركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية و الفيدرالية 

 

خواطر حول معيار التنوع في بناء لدولة السودانية الجديدة.

بقلم : د. جودات الشريف حامد 

الخبير بالمركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية و الفيدرالية 

 *ثمانية و ستين عاماً منذ أن نال السودان استقلاله، حيث تعاقبت علي سدة الحكم فيه عددٌ من الأنظمة العسكرية الاستبدادية و أخري محسوبة علي الديمقراطية مجازاً لا فعلاً في الممارسة و بعضاً من فترات الحكم الانتقالي قصير الأمد بينهما، لكن ظلت النتيجة الحتمية التي اشتركت فيها كل هذه الأنظمة أنها فشلت فشلاً ذريعاً في بناء دولة سودانية تنموية قائمة علي أسس مشروع سياسي تشاركي ذو طابع مؤسساتي حقيقي أساسه الولاء للوطن لا للنخب المركزية، فيمكن القول إجمالاً أن جميع هذه النظم السلطانية المتعاقبة علي حكم السودان قد أخفقت في بناء عصبية تنوع وطني جامع و موحد بناءً علي آليات مشروعية الحكم و تحقيق منطق استحقاق الإجماع حولها و قد أعاد ذلك الاخفاق إحياء البنيٰ الأكثر تقليدية مثل إثارة النعرات العنصرية و الاصطفافات المناطقية و التناصر الإثني في احتجاجات صراع مصائر السياسة و نيل الحقوق. الأمر الذي أدي إلي إتساع الفجوة و توتر العلاقة بين نخب الدولة السودانية بشقيهما المدني، العسكري و المجتمع عامة و أطرافه المهمشة علي وجه الدقة، مما رسّخ و عمق عوامل استمرارية التناحر و التنافر السياسي و جدد و عزز صيرورة و ديمومة الصراع العسكري الذي نعايش أحد حلقاته المأساوية في الحرب الحالية بين الجيش و قوات الدعم السريع.*

*كل ذلك قد أدي إلي تنامي الحاجة الملحة الآن أكثر من أي وقتٍ مضي إلى البحث في تحرير جذور الأزمة السياسية السودانية و فجواتها البنيوية و العراقيل التي ظلت عائقاً لبناء مشروع سياسي نهضوي للدولة قائم علي أُطر قانونية ضابطة و قواعد دستورية حاكمة منبثقة من واقع خرائط التنوع المجتمعي في السودان ،يحقق الاعتراف و الالتزام بها الرضا السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي لكافة أطياف الشعب السوداني.* 

*هنالك مجموعة من المعايير البنيوية التي يمكن أن تمثل الأبعاد المركزية كأرضية نقاش فكري و سياسي و اجتماعي و ثقافي لمخاطبة مقتضيات مشروع بناء الدولة السودانية الجديدة، أول معيار تأسيسي بنيوي يتمثل في معيار التنوع المجتمعي و فاعليته في معادلة التأسيس المستقبلية، الذي يستوجب النظر من خلاله إلي صراعاتنا السياسية والعرقية والجهوية والقبلية كخلاصات اعتبار مُحكمة يكون مؤداها العملي التحرك بعقل وقناعة جمعية لإحداث استقرار مجتمعي وسياسي ليكون رافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية و السياسية في مجتمع سوداني واحد و دولة سودانية واحدة و أساساً جوهرياً في بناء السلم و الأمن الأهلي، تقويةً لوشائج التعايش و اكتشافاً و تجسيراً للفضاءات المشتركة بين شرائح المكونات الأهلية المختلفة،، مما يعني سياسياً و واقعياً أننا قد خلقنا فضاءات سياسية مشتركة في منأي عن نزعات و نَهَم الاستحواذ النخبوي الذي كان بأنانية شخوصه مصدراً لأزماتنا الوطنية و كذا إقصاءهم المركزي الممنهج للأطراف البعيدة و إجهاض كل المحاولات الرامية لعدم جعل الشأن العام حكراً علي أقلية نخبوية علي حساب أكثرية الهامش الكبير، يجب أن يكون التبني السياسي لذلك مؤسساً علي قاعدة الاعتراف و الالتزام بما يُناقش و يُشرعن في أطر قانونية و قواعد دستورية تُلزم العامة بقواعد احترام التعدد و التنوع و التي تعني فيما تعني الإقرار بحتمية العيش المشترك و المتساوي بين قطاعات الشعب السوداني في المجال العام لا الخاص الذي يعطي أي مكون مجتمعي سوداني حرية التمسك بقناعاته العقدية و الفكرية و السياسية التي يمكن توظيفها إيجاباً لإثراء و تقوية المشتركات الوطنية العامة في بناء السودان المدني الديمقراطي الجديد.* *كذلك معيار التنوع السياسي لبناء الدولة السودانية المرجوة يجب أن يُلتزَم فيه جدياً و تضمينه في بناء و تطوير نظام الحكم و مؤسساته وقوانينه القائمة التي يجب أن تقوم علي الفيدرالية كنظام حكم قادر علي الاستجابة لمقتضيات التنوع و التعدد الاجتماعي و السياسي، و التي تمثل أحد مبذولات و موانح التجارب الإنسانية الدولية في سياسات و ممارسات إدارة شأن الدول و تشكيل بنيتها الهيكلية علي أساس من الاستجابة لحاجات و واقع مكونات الشعب ليخلق ذلك توافقاً عاماً لتنوع المجتمع. إذن يمكن القول أنه إذا أردنا أن نبني دولة سودانية جديدة علي أنقاض فشل تجارب الأنظمة العسكرية و الحزبية الديمقراطية المتعاقبة علي حكم السودان، فيجب بفضائل الضرورة أن نوقن ابتداءً أن خلق بيئة سياسية للتعايش يتطلب وجود دولة بروح مقتضيات العصر و بأسس جديدة لها القدرة و الفاعلية و الإرادة كمؤسسة مركزية مناط بها تنظيم علاقات مختلف مكونات المجتمع السوداني و إعمال سلطة القانون و أحكام الدستور عدلاً و تساوياً بين الكافة و ذلك من خلال صياغة مشروع سياسي وطني جامع يسترضي تنوع كافة الأطراف و المكونات السودانية.*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى