مقالات

أبو محمد يكتب: عندما يصبح قتل المواطن هدفاً

مراديس نيوز

(طيران و ضبح)

شاهدنا و شاهدَ معنا العالمُ كيف أنّ طيرانَ القوات المسلحة السودانية يُعبئُ طائراته بالصواريخ و البراميل المتفجّرةِ كل يوم ثم يذهب إلى دارفور و كردفان و بعض من مناطق الجزيرة ليُفرغَ جام غضبه هناك على رؤوس المواطنين و منازلهم و ممتلكاتهم و يعود ليُعبئ مِن جديد.

هذا هو الجيش السوداني و ممارساته في الحروب. فمنذ أنْ أُنشأَ البازنقر عام 1954م قبيل الإستقلال لم يُعرفْ لهم معركةُ طيران واحدة خارج حدود الوطن، و لم يقتلْ سلاحُ الجو السوداني مذ ذاك أيَ عدو أجنبي مطلقاً، و لكنه تفنّن كثيراً في قتلِ الشعب السوداني الذي يُفترض حمايته. فكان القتل بالقصف الجوي قد عمّ جميع مناحي السودان، في الجنوب (قبل الإنفصال 2011م) و جنوب كردفان و بالخصوص جبال النوبة ثم دارفور و خاصة قرى جبل مرة، و شملَ القصفُ النيل الأزرق و شرق السودان، و توسعت المناطق في الحرب الأخيرة لتشمل شمال كردفان كما حدث في حمرة الشيخ و جنوب دارفور كما في نيالا و غرب دارفور كما في الجنينة و أحيائها بالقرب من المطار، و إمتد القتل بالطيران ليضم شمال دارفور في دوامر الزُرق ثم وسط دارفور في زالنجى و غرب كردفان بالمجلد و ما بين المجلد و بابنوسة.

الجديد في قتل الجيش للمواطن السوداني بالطيران، هو إستهداف إنسان الوسط في ود مدني و الحاج عبدالله و بعض المناطق بسنار.

أما إنسان العاصمة الخرطوم فقد تشبّع بالموت جواً منذ الشهور الأولى للحرب، فما فتِئَ أنّ يضاري الجيشُ على إخفاقاته الميدانية بوابل من الصواريخ على جميع الأحياء في الخرطوم و شرق النيل و الخرطوم بحري و ام درمان و لا يفرق بين هذا و ذاك إلا بمقدار التهميش، فإنْ كان الحيُ و أغلبية سكانه من الهامش، فسيكون نصيبه أكبر من الغارات الجوية و الفتك و القتل كما حدث في مايو و الحاج يوسف و أُم بدة.

تخصصَ طيرانُ الجيش السوداني في قتل شعبه تماماً. و لم يخالف تعليمات القيادة أي ضابط حربي واحد و يكسر عصا الطاعة برفض قتل الأبرياء من النساء و الأطفال في جميع هذه المناطق التي ذكرناها.

الآن تقدمت الحرب إلى الشمال الذي ظل حالة إستثنائية في جموع السودان، حيث لم يطلِق الجيش صاروخاً واحداً و لم يُفجّر برميلاً واحداً في هذه الأنحاء لقتل مواطن- و لا نريدُ لمواطن هذه الأنحاء الموت بسلاح الطيران أبداً – و لكن يظل السؤال المنطقي يدور في رؤوس الناس الذين يتساقط الموت على رؤوسهم، لماذا يقتلوننا نحن الأبرياء بالصواريخ الجوية و لا يفعلون ذلك بأخوتنا في شمال السودان؟

إذا علمتَ سيدي القارئ أنّ أكثر من 90٪ من طيّاري سلاح الجو السوداني هم من شمال السودان، إذن ستجد التفسير و الإجابة على السؤال المنطقي أعلاه. هم يقتلون الناس هنا و هناك و في كل مكان لنفس السبب الذي يمنعهم من قتل الناس في الشمال.

عندما يستأثر أبناء جهةٍ معينةٍ دون سواها بسلاح الطيران، فستكون لحواضنها قيمة كبيرة و ليس لحواضن غيرها أية قيمة – حسب منظورهم – و هذا كافٍ جداً لإرتكاب مثل هذه الجرائم البشعة دون ضمير إنساني، و الأنكأ منها هو هذا السلوك التمييزي البربري المُثبَت بالدليل القاطع.

الآن أصبح قتل الناس هدفاً للجيش السوداني، و لا يتوانى في بإرتكاب هذه المجازر قصفاً أو ذبحاً، مع إعطائها نكهةً صارخةً من العنصريةِ الفاضحةِ و غير المستترة، كما حدث في ولايتي نهر النيل و الشمالية، حيث تم ذبح و قتل المواطنين على الهوية و على الخلفية المناطقية و الإثنية القبلية، و تم توثيق ذلك في أكثر من مذبحة. و قد قنّن بعضُ المسؤولين هذا القتل بقوانين مصرّحٌ بها مثل قول أحد الولاة مخاطباً عامة الناس في ولايته” لو حسيتو بريحة زول من الجماعة ديلك ودوا لي الله طوالي”. وهو قانون الوجه الغريب.

هذا الجيش و هؤلاء المسؤولون بهذه العقليةِ العنصريةِ المجرمة لا يستطيعون بناء سلام و لا بناء وطن في المستقبل، و هم يجرون السودان جراً إلى منزلق سحيق. لذلك لا يجب التسامح معهم، بل واجب الشعب السوداني، قبل قوات الدعم السريع القضاء على مثل هذه الذهنية و العقيدة الفاسدة و هزيمة معتنقيها و تحقيق إنتصاراً باذخاً عليهم في ميادين الحرب و في ساحة الفكر. هذا هو الطريق الأوحد للإنفكاك من مثل هذه الأزمة العميقة التي تمظهرت في أسوأ صورها قتلاً بالصواريخ و ذبحاً بالعنصرية.

ابو محمد

22 يناير 2024م

الخرطوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى