مقالات

إجتماع البرهان-حمدوك والتحديات المحتملة! 

عبدالرازق أنقابو،،،

*إجتماع البرهان-حمدوك والتحديات المحتملة!*

🎯 عبدالرازق أنقابو،،،

angabo7@hotmail.com 

19 يناير 2024م

بداية لسنا متشائمين البتة – والمقال بذلك العنوان، من هكذا لقاء نحسبه دفعا لجهود السلام والإستقرار المنشود لبلدنا السودان، بقدر ما أنه – اي المقال، مجرد مساهمة للفت الإنتباه، لتدارك التحديات المحتملة، أخذا بالإخفاقات التي صاحبت جميع المبادرات السابقة، المطروحة لمخاطبة أزمة البلاد الراهنة! 

فمن بين كل المبادرات المطروحة للتقارب في وجهات النظر بين الجيش والدعم السريع والجهود المبزولة – محليا، منذ الأسبوع الأول للحرب، وإقليميا حتي مبادرة الإيقاد الأخيرة، لعقد لقاء مباشر ما بين البرهان وحميدتي، يتفاجأ المراقبون أن البرهان لم يستجب – لجميعها، إلا للاجتماع مع رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدم)، برئاسة الدكتور عبدالله آدم حمدوك! يأتى مبعث هذه المفاجأة، ليس من تغيير اللقاء المرتب من البرهان- حميدتي إلي البرهان- حمدوك، إنما من مواقف الحكومة الإنقلابية من “قحت” – برمتها، وكل ما له من صلة بها، وما نتج عنها وتفرع منها من أجسام وتنسيقيات، إضافة لما واجهت من حملات إساءة وتخوين مستعرة، وإعتقالات منتظمة طالت أعضاءها ومحسوبيها ومتطوعيها، في ظل هذه الحرب الدائرة الآن! 

وبما أن هذا الإجتماع المرتقب لم تتضح معالمه بعد، بين كونه إمتداد لجهود الإيقاد في تحقيق اللقاء المباشر ما بين البرهان وحميدتي، أو انه مجرد جلسات سماع وتبادل رؤي ووجهات نظر لأجل السلام المنتظر، إلا أن البيان الإستباقي الصادر عن وزارة الخارجية وهي تعلن موافقة مجلس السيادة علي اجتماع البرهان ب “تقدم”، وما فيه من شروط ومواقف ثعجيزية تجاه الدعم السريع، فلن تغير في الأمر كثيرا، خاصة وأن قيادة الجيش (البرهان- العطا) لا يهمها وضعية الجيش المنهك ورغبته في حفظ ماء وجهه ولو بهدنة عاجلة، ولا ذلك المواطن المنكوب ورجائه توقيع السلام اليوم قبل الغد! ذلك، لأن هذه القيادة وبرغم تقهقرها ميدانيا، لا تزال تعد العدة لمواصلة الحرب، مراهنة بتطويل أمدها وتمددها – ضربا، حتي الحدود الغربية للبلاد، كسيناريو يتوقع فيه أن تخر عزيمة “الأشاوس”، وعودتهم إلي من حيث أتوا، حسب القراءات والتقديرات الفاشلة منذ بدء الحرب علي الدعم السريع في يومها الأول، وإلى مرحلة إعلان التعبئة العامة، وما تلاها من إستنفار وتعبئة شعبية جارية – هي الفاشلة الأخري! 

وتبعا لسياسة “الأمر الواقع” التي يعول عليها البرهان من خلال فرضه إنقلاب 21 أكتوبر واهدافه المعلومة وغير المعلومة، فإن ما يمكن استخلاصه من موافقة مجلس السيادة وقبول البرهان بهذا الإجتماع، إنما هو مناورة من جهة الحكومة الإنقلابية لإيجاد موطئ قدم للحركة الإسلامية ومؤتمرها الوطني للمشاركة السياسية – ما بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية، بحجة “المشاركة للجميع” أو علي مبدأ “لا إستثناء لأحد” لأجل بناء السلام! والسؤال – هنا، إذا كانت هي تلك رؤية الحكومة الإنقلابية لهذا الإجتماع وهي تنظر ل”تقدم” باعتبارها واحدة من مكونات القوي السياسية والمدنية السودانية، المؤمل مشاركتها جميعا في اي عملية سياسية بالبلاد، فما هي رؤية الدكتور حمدوك في لقائه الذي طلب مع البرهان، خاصة أن الحكومة الإنقلابية لا يهمها – كما أشرنا أعلاه، إلا إعادة تدوير الإخوان مرة أخري إلي سدة الحكم – تمييعا، لأهداف ثورة ديسمبر المجيدة، كأنما لم تقم ضد تنظيم الإخوان وإطاحتها بالنظام البائد، وقطعها بعدم مشاركتهم في السلطة مجددا! 

وبما أن ذلك السيناريو (تدوير الإخوان)، يؤكد خيار البرهان في مواصلة الحرب وهو يهدد بالضرب حتي الحدود، وقد فعل اعتبارا من الاسبوع المنصرم – بيانا بالعمل، بإرسال طائرات الانتونوف التوربينية – بعيدة المدي، التي ألقت ببراميلها المتفجرة في عدد من القري والمدن الحدودية بغربي البلاد، فإن الاجتماع المرتقب ما بين البرهان وحمدوك سيكون مشوبا بجملة من التحديات المحتملة، أمام الخروج ببيان يبشر بوقف سيل الدماء والدمار والنزوح والتشريد! هذه التحديات المحتملة تتمثل في النقاط الآتية:

#اولا: ملخص ذلك البيان الصادر عن وزارة الخارجية المعني بالإجتماع المرتقب مع “تقدم”، نجده لا ينسجم والفرص المتاحة لتهيئة المناخ للتوصل لسلام حقيقي مستدام، بقدر ما أنه مجرد “مناورة” لتمهيد الطريق لتوسعة المشاركة السياسية، لإتاحة المجال للكيانات الموالية للحكومة الإنقلابية، بدءا من جماعات التيار الإسلامي العريض، إلي أحزاب وكيانات إعتصام “الموز”، ثم الكتلة الديمقراطية المعلومة، لتكون جميعها ضمن فعاليات التسوية المحتملة ما بين الجيش والدعم السريع، وما يليها من حكومة إنتقائية رابعة وانتخابات رئاسية جامعة!

#ثانيا: التلويح المتوقع من البرهان بقيام حكومة إنتقائية بفترة قصيرة، يعقبها قيام انتخابات عامة لا تستثني احدا، إنما هو إلتفاف بطريقة أخري لعودة تنظيم الإخوان عبر المشاركة في الانتخابات المقبلة! فصدور أي بيان مشترك ما بين مجلس السيادة الحالي وهيئة “تقدم”، يشير لقيام انتخابات تشارك فيها جميع القوي السياسية بلا استثناء، هو إجرائيا ما يعني مشاركة حزب المؤتمر الوطني باسمه او باسم جديد! فهكذا بيان، هو ما يضع رئيس الوزراء حمدوك في خانة الإرتداد عن أهداف الثورة التي اتت به رئيسا للوزراء، أو أن الفترة الإنتقالية الرابعة – ما بعد هذه الحرب الدائرة، ستشهد صراعا آخر، يضع البلاد بين “سودان بفهمهم هم، أو لا سودان”، كما قالوها – اي الإخوان، أنفسهم!

#ثالثا: الدلائل القاطعة علي مدي إخوانية الحكومة الإنتقالية برئاسة البرهان، ما بعد إنقلابه في أكتوبر 2021م ولهذا اليوم، لا تفوت علي سعادة رئيس مجلس الوزراء حمدوك، بل ولا يختلف فيها حتي مواطنان عاديان! وهنا لو أخذنا بيانات وزارة الخارجية لوحدها، لتكفي دلالة علي إخوانية هذه الحكومة الإنقلابية وتبعيتها المطلقة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين! فالتحدي ههنا، علي اي وجه يلتقي حمدوك بالبرهان، هل بإعتباره قائد عام للقوات المسلحة السودانية، ام انه كادر إخواني مأمور بتعليمات قيادته الإخوانية؟ حقيقة هذا الأمر تكشفها نوايا البرهان تجاه السلام الذي يريده الإنسان السوداني قاطبة (عسكريين ومدنيين)، ولا تريده إلا جماعات الهوس المتطرفة – بشعاراتها؛ #بل_بس و #لا_للخونة_ والعملاء، وهم المكونات الإسلامية الجهادية، وعلي رأسها تنظيم الإخوان المسلمين بالسودان!

 #رابعا: تلك المناورة بإستغلال الإجتماع المرتقب بين البرهان وحمدوك سياسيا، وهي في طبيعتها التي تبطن خلافا لما تظهر، كترتيب لما قبل السلام وبعد الحرب (بخيار القضاء علي الدعم السريع)، إنما هي لإعادة تدوير النظام البائد وتنظيمه المؤتمر الوطني للمشاركة في السلطة، وليس ترتيبا يسعي حقيقة لإيقاف الحرب، عبر هدنة أو بإتفاق سلام ما!

#خامسا: الشروط الواردة في ذلك البيان الأخير لوزارة الخارجية الخاصة بخروج قوات الدعم السريع من كافة المدن والقرى ومنازل المواطنين ومؤسسات الدولة الرسمية والمؤسسات الخاصة، وإعادتها لجميع المنهوبات الخاصة والعامة وبضمانات دولية وإقليمية ، فإنها في طبيعتها شروط حرب واستسلام وليست شروطا تتمشي وطلب السلام، المرجو فيه – بداية، إبراز حسن النوايا وليس تكشير النوايب! 

#سادسا: بغض النظر عن وصف البرهان للحرب بالعبثية وهو ما يتطلب منطقا وشريعة إيقافها لكونها “عبثية بلا هدف”، الا ان إصباغه الصفة الجهادية للحرب – من قبله أيضا، بتوصيفها ك “حرب كرامة”، هو ما يتطلب الإستمرار فيها، إلتزاما تنظيميا وليس امرا دينيا ولا أخلاقيا، والطرف الثاني ظل يمد يده – كما في كل مرة، جنوحا للسلم والقرآن ينص: (وإن جنحوا للسلم، فاجنح لها)! هذا الترميز الخطير وما فيه من مخاطر حتي علي وحدة السودان، إنما يكشف عن طبيعة الحرب الوجودية المعلنة ضد قوات الدعم السريع، بينما حواضنه الإجتماعية تمثل (٧٠%) من حجم أفراد القوات المسلحة السودانية – ماضيا وحاضرا! فهنا، هل ينجح سعادة رئيس الوزراء حمدوك بفك الإرتباك القائم في وصف الحرب – بين كونها عبثية أم أنها حرب كرامة، وتغيير مفهومها عند الطرف الأول، وتوضيح المسالة إليهم، حتي “يجنحوا للسلم”، كما الطرف الثاني؟ 

فمدار هذه التحديات وقاسمها المشترك يكمن في حقيقة إخوانية الحكومة الإنقلابية الإنتقالية الحالية برئاسة رئيس مجلس السيادة سعادة الفريق أول البرهان! وبما اننا بصدد إثبات الأمر من جانب وزارة الخارجية، فان جميع البيانات الصادرة عنها، لا تعبر إلا عن مدي إخوانية الحكومة الإنقلابية، في إطلاقها العنان لتلك التظاهرات والتجمعات المعلومة، المهددة بالقتال حتي قبل إندلاع الحرب وأثناء الحرب! وبنظرة أدق لتلك التهديدات الإخوانية المنادية بخوض الحرب، دون أن تتدخل الشرطة كما عهدناها في كل مظاهرة، ولا جهاز الأمن الوطني، ولا حتي النيابة العامة وبيدها صلاحية القبض، درءا لفتنة محتملة، فإن غض الطرف إزاء هكذا تهديد من طرف محدد معلوم، لهو دلالة قاطعة علي مدي إخوانية حكومة البرهان التي ظل يكابر وينفي عنها وعن الجيش مدي الارتباط وسيطرة الرموز والقيادات الإسلامية فيه! 

فتلك التهديدات التي اطلقتها جماعات التيار الإسلامي العريض في افطارات رمضان (الحرب)، هي في ظاهرها تعني “قحط”، ولكنها في باطنها تعني “قوات الدعم السريع”! ذلك، لأن القائد العام لهذه القوات سعادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، هو أول ما استدرك حقيقة إخوانية إنقلاب 25 أكتوبر 2021م، حتي تراجع عنه وهو يصفه؛ “ما هو إلا محاولة لعودة النظام البائد للسلطة”! فالبيان الصادر من وزارة الخارجية نفسها، في 27 ابريل 2023م – بنصه: (ليس أمام ميليشيا الدعم السريع إلا الإستسلام او الفناء)، إنما ما هو إلا ترديد وتناغم مقصود مع تهديدات التيارات الإسلامية التي جاهرت بها وجأرت – بقولهم: (إما استسلام كامل أو تدمير شامل)! 

ختاما، ليس من المستغرب والمقصود حقيقة بالحرب هو الدعم السريع، أن تصدر ذات وزارة الخارجية بيانها الأخير في 16 يناير 2024م، الذي أعلنت فيه تجميد التعامل مع الإيقاد بشأن ملف الأزمة في السودان! ومع أن حضور طرفي هذه الأزمة لإجتماع الإيقاد بكمبالا، يأتي من صميم مخرجات إجتماع الإيقاد السابق بجيبوتي، إلا ان بيان تجميد التعامل مع منظمة الإيقاد، هو ليس مقاطعة لها وحسب، إنما تاكيد من الحكومة الإنقلابية علي هدها للجهود وقطعها للطريق أمام اي مساعي، تجمع ما بين البرهان وحميدتي! ففي ظل هذا التصعيد الحكومي تجاه منظمة الإيقاد، فان البيان الختامي لإجتماع هذه القمة الدائر الآن بكمبالا، يتوقع أن يتضمن تبني خطط عملية تدفع للمضي قدما بعملية السلام في السودان، عبر تلك الآليات المتاحة إقليميا وامميا! خاصة، مع موقف الحكومة الثابت المتكرر والمتجدد تجاه الدعم السريع – بمفهوم؛ “إما أن ينتهي أو ننتهي”! ومع هذه المستجدات وما فيها من مواقف وتوقعات محتملة، هل ينجح رئيس الوزراء الدكتور حمدوك أثناء إجتماعه المرتقب بالبرهان، في إنتزاع موافقة منه، تجمع ما بين البرهان وابن حمدان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى