الأخبار

لجوء البرهان لخيار محور إيران: أجندات إخوانية أم مصالح سودانية!

بقلم/ عبدالرازق أنقابو،،،

. 14 ديسمبر 2024م

هذا المقال بعنوانه السابق: “اللجوء المحتمل للبرهان لخيار محور إيران .. أجندات إخوانية أم مصالح سودانية” كان قراءة – توقعت منذ نوفمبر ٢٠٢٣م، هذه الخطوة التي قام بها البرهان بزيارته طهران! الآن تكتسب هذه الزيارة اكثر أهمية في ظل إزدياد الصورة قاتمة والوضع اكثر تعقيدا، خاصة مع نجاحات رحلات قائد قوات الدعم السريع الخارجية واتصاله بالأمين العام للأمم المتحدة لشرح رؤية الدعم السريع لتسوية مشكل السودان، وختاما الدعوة المقدمة له لحضور اجتماع قمة رؤساء دول مجموعة الإيقاد بيوغندا الاسيوع المقبل! مع كل هذه التطورات، وضغط المجتمع الإقليمي والدولي لإنهاء الصراع في السودان، فإن زيارة البرهان لإيران ولكونها لم يعلن عنها، لها تداعيات وانعكاسات، ما يمكنها ان تغير نظرات البعض لملف السودان، وتعطي انطباعا سالبا من المقاربة المحتملة التي تعيد تحالف ملالي- اخواني بالمنطقة. فاول هذه التداعيات هي ما يمكن ان تعصف بالعلاقات السودانية الخليجية من جهة. والسودان المصرية من جهة أخري! بهذه التحديات والتداعيات المحتملة، يمكننا القول بأن هذه الزيارة هي مخاطرة غير محسوبة العواقب، نسبة الآتية:

# هل لقاء البرهان ملالي ايران باعتباره كوز اخواني يسمع لقوله، ام انه قائد جيش يبحث عن مساعدة – يعطي لها ام يعطي؟

# هل تستجب إيران للطلب وامامها ملفات الحوثي وحزب الله وحماس أكتر إلحاحية عندها من ملف البرهان؟

# الخطوة برمتها تعد سباحة عكس ما هو مطلوب في ملف السودان، أليس طلب التدخل الإيراني في هذا الملف يعد فتح جبهة اقليمية أخري تضاف للوضع المتازم بالشرق الأوسط، مما يؤدي لنشوب حرب إقليمية بالمنطقة ككل!

# هل هذه الخطوة تكشف عن ياس البرهان من الدعم المصري المطلوب، مما اضطره للذهاب لإيران؟

# كيف يمكن للبرهان التوفيق بين كل هذه التحديات بتحقيق هدفه المنشود بالقضاء علي الدعم السريع! المقال أدناه، يعطي اجابة عن هذه التساؤلات!

بداية، البيان الصادر من وزارة الخارجية السودانية عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران وبدء تبادل السفراء ما بين الخرطوم وطهران بعد مقاطعة دامت لسبع سنوات، لهو خطوة في توقيتها الحالي، تحمل من الدلالات والمؤشرات، ما يدعنا للقول بأنها في إتجاه الحملة “البرهانية” للقضاء المبرم علي قوات الدعم السريع! هذه الحملة التي تبناها البرهان كأولوية بعد نفاد صبره – حد قوله، وضربه عرض الحائط بكل الدعوات المرفوعة والمبادرات المطروحة، تبدت ملامحها أولا في إصراره الجازم علي مواصلة القتال لإنهاء وجود الدعم السريع من الوجود، وثانيا في آلية القضاء علي الدعم السريع المتمثلة عنده في الإعتماد محليا علي استنفارات خلايا وكتائب الإخوان الجهادية في السودان، واجنبيا علي مساعدات او تدخلات عسكرية، بدا أنه يسعي لحصولها وتحقيقها بأي ثمن!

هذه الآلية تعود مرجعيتها لتلك اللجنة الأمنية الإخوانية التي كونها البشير في آخر أيامه، والمستمرة هدفا ومضمونا حتي الآن بقيادة البرهان! فما قيامه – اي البرهان، بأول زيارة بدأ بها لقائد كتيبة إخوانية جهادية مقاتلة مع الجيش، بعد خروجه مباشرة من الحصار المضروب عليه بالقيادة العامة بالخرطوم، إلا دلالة علي مدي هيمنة تنظيم الإخوان علي قيادة الجيش بالسودان! ولمناسبة هذه الزيارة الإنتقائية لهكذا قائد مليشيا إخوانية جهادية، والبلاد تعيش بأسرها حالة حرب داخلية لم يشهد السودان لها مثيلا في عشوائيتها ومدي ظلمها وعدم اخلاقيتها، فانها بأية حال، لا تكون مجرد مجاملة “بلدياتية – كما يقال” لقائد أصيب في حرب، بينما هناك في ذات الوقت، مئات الجرحي من قادة عمليات وضباط وصف ضباط وجنود من الجيش بالمستشفيات، هم – بالأصالة والتراتيبية العسكرية، الأولي الأحق بالزيارة والتفقد ممن سواهم، إضافة لآلاف الأسر التي ضاع بنوها في سبيل حرب ظالمة وغير أخلاقية، بين قتيل ومأسور ومفقود!

هذه المقدمة نصوغها كمحاولة من بين عشرات البراهين والمؤشرات الكافية دلالة لإثبات مدي إرتباط قيادة الجيش بتنظيم الإخوان في السودان. وبذلك الواقع المشاهد استعدادا لهذه الحرب، منذ إفطارات رمضان المقامة كيزانيا، وهذا التحالف المراد استعادته إخوانيا-ايرانيا، فان الظروف تتهيأ مواتية لسعادة الفريق البرهان، أن يقوم باستعادة العلاقات ببن السودان وإيران! هذا التحول المفاجئ في مقابل ما يجري بالمنطقة عموما من تطورات أمنية متداعية، لا يمكن ان يكون مجرد عودة لعلاقات دبلوماسية بين قطرين افترقا علي طلاق بائن، بقدر ما انه تجدد لذلك الماضي المتمثل في قيام أقوى تحالف تنظيمي إقليمي (إيراني سوداني) بالمنطقة ككل! لكن هذا التحول البرهاني نحو إيران، برغم ما سيترتب عليه من مخاطر محتملة علي علاقة السودان بمحيطه العربي خاصة، فإن الضرورة الملحة لعودة العلاقات السودانية إيرانية، تقوم علي المصلحة المشتركة ببن رؤيتي البرهان ونظيره في إيران لهذا التقارب الذي فرضته الحرب الدائرة الآن في السودان – وفقا للآتي:

أولا: تعهد البرهان القاطع بالقضاء علي وجود الدعم السريع من الوجود، وقد فشل لحد الأن في تحقيق هذا الأمر داخليا وإقليميا، هو ما يدعه للتحالف مع أي كيان يقف معه في تحقيق هذا الإلتزام، وقد وجد ضالته في إيران – في مقابل؛

ثانيا: رؤية إيران لإستعادة علاقتها الدبلوماسية بالسودان، وما لذلك من طموحات واجندات ترجو إيران تنفيذها ونفاذها عبر السودان، هو ما يدعها للمغامرة – مرة أخري، بإرسال حرسها الثوري خارج حدودها، بديلا محتملا عن دولة جارة متوقع تدخلها عسكريا في السودان! إلا أن إيران مع تشككها في التعامل مع الأتباع الحاليين للبشير الذي أدار الظهر عنها في اوج علاقتها بالسودان، فان تدخلها المحتمل في هذه الحرب سيكون بالقدر الذي يتطلب المحدودية والتدرج – تناميا أو تلاشيا، وفقا للمتغيرات او المعطيات المقدرة عندها بالضرورة!

فطموحات إيران لا تتمثل فقط في تحصيل امتيازات عسكرية واقتصادية بساحل البحر الأحمر وغيره، بل في إعادة تحالفها بذات قوته بداية مع إخوان السودان، كحلقة ربط توصل ما بين ملاليها والحوثي باليمن وحماس قطاع غزة وحزب الله جنوبي لبنان، وتخطي ذلك غربا لحدود السودان! لكن هذا التحول والانتحاء الظرفي “البرهاني” نحو إيران، لا بد من أن يكون أمرا مستغربا، ودولة مصر هي الأولي من غيرها بالتدخل في شأن السودان! كل ذلك يعطي دلالة قاطعة أن هدف البرهان بالقضاء علي الدعم السريع منذ تراجعه عن إنقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م، يبقي عنده الأولوية الأولي – فوق كل شيء؛ فوق أمن وسلامة المواطنين اجمعهم، وفوق علاقات السودان المستعادة والمكتسبة ما قبل الإنقلاب، بل لدرجة المخاطرة بوحدة ترابه ووجوده دولة واحدة بين الدول! عليه، فإن ما يجعل مصر تتريث في التدخل مباشرة في الحرب الدائرة في السودان، يمكن إجماله في النقاط الآتية:

أولا: تردد مصر في التدخل مباشرة لحماية إقليم الشمالية لوحده، أو ترددها في قبول العرض المحتمل لضمه إليها، رغم إحتلالها لمثلث حلايب، يضع مصر تحت تهمة تقسيم السودان، ويسمها بوصمة عار مستديمة، حتي لا تكون هي في مقام إسرائيل – ككيان متهم حصريا بتفكيك وحدة البلدان الإسلامية، وتهديد امنها القومي وزعزعة استقرارها المجتمعي!

ثانيا: قتالها ضد طرف من أطراف الحرب يفقدها الحيادية الداخلية والإقليمية، ويعتبر مجازفة محفوفة المخاطر علي مستقبل علاقتها بالسودان عموما.

ثالثا: موقف جمهورية مصر تجاه تنظيم الإخوان المسلمين، باعتباره عندها تنظيما إرهابيا، يضعها مرة اخري في حالة إزدواجية معايير في تفريقها بين اخوان مصر واخوان السودان وهما جميعا إخوان، الأمر الذي يمكن ان تستغله معارضتها لخلق بلبلة، لا يحمد عقباها في الداخل المصري – انتقاما جماهيريا من الإخوان!

رابعا: التفوق الميداني لقوات الدعم السريع، مع النظرة اللا عدائية للدعم السريع لمصر كدولة محورية وذات علاقة ازلية بالسودان وما يقابلها من نظرة مصرية مخصوصة لغرب السودان – الحاضنة الإجتماعية للدعم السريع، هي ما تجعل مصر تتريث في مساندة الطرف الخطأ، الآيل للسقوط عاجلا أم آجلا!

ففي حال تعهدت إيران والتزمت بالتدخل عسكريا – بطريقة ما في السودان، في خضم هذه التطورات المتداعية – حرب غزة وتدخلاتها الإقليمية والدولية المحتملة – خاصة، من قبل تركيا وايران وحلفاؤها بالمنطقة (نصر الله والحوثي)، فإن هامش المناورة للبرهان لتجاوز ردات الفعل علي خطوته نحو إيران، ليضيق عليه، بسبب تحديات الشروط الإيرانية المحتملة، أمام تحقيق ما يصبو إليه خاصة مقابل تمدد المشروع الإيراني بالمنطقة. هذه التحديات تتمثل في الآتي:

 

اولا: مساومة مصر في اعادة نظرتها للحرب الدائرة في السودان لتكون هي البديل الطبيعي عن ايران في دخولها عسكريا للقضاء على الدعم السريع! وبما ان موقف مصر بدا انه متردد في السير مع البرهان وخطه الإخواني، فمن المحتمل جد والبرهان يفتح السودان لإيران، ان يفقد ميزة التعاطف المصري مع السودان، والقابل لفتور العلاقة ما بين مصر والسودان!

ثانيا: طبيعة العلاقات المحددة واستئنافها ما بين السعودية وايران، هي لعودة المصالح الاقتصادية بين البلدين لسابق عهدها! إلا أن طبيعة العلاقة ما بين تنظيم إخوان السودان وايران، هي ما تجعل السعودية، تعيد النظر في تعاونها مع السودان، تخوفا من ضغوط إيران المحتملة علي السودان بالإنسحاب من التحالف العربي في الحرب علي الحوثي!

ثالثا: ان ردة الفعل المحتملة من اي تقارب سوداني إيراني، علي مسعي البرهان لاقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ستكون اولا باجهاض عملية التطبيع الجارية، خاصة مع تحول السودان مرة اخري لنقطة عبور محتملة للأسلحة الإيرانية إلي حركة حماس!

 

وبالنظر لهذه العلاقة المرتقبة من زاوية سياسة الإنفتاح التي عادة ما ينتهجها إخوان السودان – حصريا، وقد فرضها عليهم الحصار الغربي طيلة فترة النظام البائد، فإنهم مع توجههم المتطرف لا يمانعون أبدا من إقامة علاقات مع أي أنظمة تتعارض مع توجهاتهم هذه، لطالما ان نتيجة الانفتاح هي إطالة بقاء إستمرارهم في سدة الحكم، وهذا ما هو متوقع منهم تفعيله إقليميا ودوليا في ظل هذه الحرب الدائرة! وهنا نعتقد ان تناغم مصر مع اخوان السودان قائم علي هذا الأساس الانفتاحي – بمعني ان مصر لأجل المصلحة والأهداف المرجوة عندها من السودان، لن تعترض علي اي تدخل إيراني في الحرب الدائرة مع تدخلها المحتمل هو الآخر – بطريقة تنسيقية ما! إلا ان مصر عادة ما تكن لها رؤيتها الخاصة في التعامل – الأخلاقي أو اللا أخلاقي مع ملف السودان كنظام ودولة تطمح لخلق مكانة مستقلة بين محيطها الإقليمي وعلاقاتها الاستراتيجية الدولية! وبرغم هذه الرؤيا الانفتاحية وطابعها الميكافيلي، فان لمصر – حكومة وشعبا، أيضا نظرتهما البعيدة المدي في إجتثاث تنظيم الإخوان من المنطقة – نهائيا، ولو علي نار هادئة! وبالجمع بين مرامي وأبعاد النظرة المصرية للشان السوداني عموما، فان المتوقع منها إزاء إنفتاح البرهان تجاه ايران وهي علي علاقات مقطوعة معها، هو تماهي مصر المحتمل جدا مع هذا الإنفتاح – دون الإعتراض عليه، بهدف توريط السودان في هكذا علاقة مستهجنة، قابلة لأن توتر علاقاته ليس مع المجتمع الغربي وحسب، بل تحديدا مع دول الخليج للدرجة التي يمكن بسببها الإستغناء من عمالة السودان، ليتم الاستعاضة عنها وملئها بعمالة من دولة أخري – مجاورة، هي عادة ما تسعي لذلك – تحقيقا، لأولويات مصالحها بالدرجة الأولي!

 

ختاما، لا نعتقد أن البرهان بإمكانه تجاوز تلك التحديات ليحصل من إيران علي التدخل المطلوب، خاصة ان توقيت عودة العلاقات أثناء الحرب الدائرة تجعل منها طلبا مغروض، مع حالة المراوغة “البرهانية” وتضاربها المعهود! لذا متوقع من التدخل الإيراني في الحرب علي الدعم السريع، ان يكون بشكل “اختباري” محدود، حتي تحقيق أجندات ذلك التقارب بالشكل المطلوب! والآن مع تقدم قوات الدعم السريع وعقيدتها القتالية الراسخة، فإن أي تدخل محدود او اجتياح شامل موعود، سواءا كان من مصر أو ايران تحديدا، لن يغير سريعا في نتائج الحرب، ما لم يتنازل البرهان عن تعهده القضاء على الدعم السريع والتوصل معه لإتفاق ينهي الحرب في السودان. عليه، فإن أقل ما يواجه حكومة بورتسودان حتي تجد ما تصبوا إليه من إيران الغير مطمئنة للبرهان، هي أن تهدد مباشرة بإنسحاب جيشها – لا قوات الدعم السريع، من تحالف الحرب علي الحوثي المدعوم من إيران، فهلا – دون مراوغة، سيفعل البرهان!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى