التساؤلات المثارة حول إعلان أديس أبابا (١-٥)
د.جودات الشريف حامد المحلل السياسي والخبير بالمركز السوداني للدراسات الإستراتيجية والفيدرالية
لا شك في أن التفاعل النشط لأي مجتمع مع شئون بلاده السياسية والمشاركة في صناعة واقع جديد أفضل من سابقه، يمثل ذلك وعياً سياسياً وفهماً متبحراً لوقائع الأحداث السابقة والحالية واستخلاص عبرها و نواتج تأثيراتها الإجتماعية و المفاهيمية المنبثقة عن التغيرات و التطورات المُستدْرَكة في اختلال بنية نظام الدولة ذاته، بالإضافة إلي المشاركة الفاعلة و الفعالة في تكوين رؤي بناءه و تشييد أعمدة تأسيسه.تأتي أهمية السياق الزماني للكتابة عن هذه المسألة و الشعب السوداني قد استبشر خيراً كثيراً كان مصدره إعلان أديس أبابا الذي تم التوصل إليه في ٢ يناير الحالي بين الفريق أول محمد حمدان دقلو،قائد قوات الدعم السريع و د.عبدالله حمدوك رئيس تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية(تقدم) بأديس أبابا.
تتجسد أهمية هذا الإعلان السياسي من حيث شموله الإيجابي الناضج لكافة المبادئ العامة التي خاطبت و لأول مرة بشكل فيه إعترافٌ جدي بقضايا الأزمة السودانية الكلية، مما مهّد ذلك الطريق لإمكانية إعمال المشافهات الجادة و المرافعات الكبري حول مشكلات السودان المستفحلة.
لقد ورد فيما أُتفقَ عليه في إعلان أديس أبابا بين الطرفين الموقعين، ضمن عدد أربعة قضايا، توافق الطرفان عليها في الفقرة (٣) علي ما نصه ( القيادة المدنية للعملية السياسية مع الالتزام بمشاركة واسعة لا تستثني إلا المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية و واجهاتهما، و ضرورة تمثيل المدنيين في اجتماع جيبوتي المرتقب الذي ترتب له الإيغاد بين قائد قوات الدعم السريع و القوات المسلحة في كافة ترتيبات إنهاء الحرب ).. انتهى..
إن القراءة العميقة المتأنية لِما بين سطور هذه الفقرة الواردة في الاتفاق يستنبط منها ملاحظتين يمكن صياغتهما من خلال تساؤلين إثنين، الأول، من هم أطراف العملية السياسية المقصودين في سياق هذه الفقرة؟ ، لأن الحديث عن مسار عملية سياسية بعد كل هذه الكلفة الباهظة التي دفع فيها الشعب السوداني ثمناً غالياً، فإن الأمر يتطلب الشفافية و الدقة في توصيف أطراف هذه العملية السياسية، و استدراك أن الوضع السياسي و صناعة مشاهده المتوقعة لاحقاً تستوجب الإقرار المطلق الذي لا يحتمل المواربة بأن معادلة التأسيس السياسي المأمول تشكيلها لم و لن تكون بأثر رجعي ينقل المشهد المدني و السياسي السابق كما هو بشخوصة المعروفة و قياداته المألوفة إلي مشهد المستقبل السياسي في السودان ليكونوا هم لوحدهم من يمثلون العنصر الفاعل في صياغة خرائط التأسيس الفكري و السياسي و الإجتماعي و الثقافي لرسم ملامح لدولة السودانية الجديدة. و القول الفصل هنا هو أن أي خطوة تحاول تجاهل و تجاوز الواقع الذي شكلت ملامحه الأشلاء و الدماء و الجراح ومعايشة تفاصيل حرب ١٥أبريل بكل قساواتها، هي خطوة بلا أدنى شك ستذهب في الإتجاه الخاطئ، و أي محاولة لتمريرها ستؤطر لأساليب و سلوكيات إعادة إنتاج أزمات السودان السابقة للحرب الحالية، إن هذ التساؤل المثار حول ماهية الأطراف المدنية للعملية السياسية بإستثناء الفلول طبعاً هو تساؤل مشروع و ضرورى و حيوي الاستجابة المخلصة له تعتبر البداية الصحيحة لتلمس الحلول الممكنة و المريحة لازمات الوطن، و رسالة حرص مبثوثة بصدق و أمانة إلي طرفي إعلان أديس ابابا لإسترعاء إنتباههم إلي أن هنالك أطراف مدنية و حواضن إجتماعية في الداخل،* *تشارك طرفي الإعلان الرؤي الكلية الأعلي و التفاصيل الجزئية الأدني لبناء و تأسيس سودان مدني ديمقراطي جديد كما وردت عناصر معادلته و كليات بنائه المفترض في وثيقة الاعلان ،أن جملة ذلك يقتضي إصطحاب عِبر الماضي و أخذ حِكَم الواقع و الامتثال لموجهات المستقبل مع مراعاة التمثيل الكافي و الوافي لأصحاب المصلحة الحقيقيين*
*(Real Stakeholders)*
*في حوارات و نقاشات تأسيس المستقبل ، و في هذا الصدد فقد ورد أيضاً في ذات الفقرة( ٣) مما توافق عليه الطرفان ( ضرورة تمثيل المدنيين في اجتماع* *جيبوتي ….ألخ) هنا أيضاً يُثار تساول آخر عمن هم المدنيين المقصودين و ما هو معيار.* *اختيار تمثيلهم في الاجتماع المتوقع في جيبوتي، أو أي ائتمار آخر يخص مناقشة الأزمة السودانية ؟ الإجابة الصريحة و الأمينة من قبل طرفي الإعلان علي هذا التساؤل يمثل أيضاً مدخلاً شفافاً يطمئن قطاعات مدنية واسعة النطاق على ضمان إمكانية مشاركتها في المراحل الأولية لمعالجة أزمات الوطن الخانقة و هو أمر من الأهمية بمكان لتعزيز ضرورة تأسيس سودان مدني ديمقراطي حر يتشارك أهله مسئولية بناءه و تشييده،لا يُظلَم أو يُستبَد فيه أحد من مواطنيه.*