مقالات

عبقرية التحقيب السياسي وخلاصاته المرجعية في بناء الدولة السودانية .

بقلم د. جودات الشريف حامد  الخبير بالمركز السوداني للدراسات الإستراتيجية و الفيدرالية.

يعيش السودان و شعبه منذ العام ١٩٥٦م وإلى اليوم، لا سيما بُعيد إشعال حرب الخامس عشر من أبريل وضعاً استثنائياً بالغ الصعوبة والتعقيد وذلك بسبب الحرب التي فُرضت عليه وعلي الشعب السوداني من قِبل فلول الإسلاميين، مما نتج عنه معضلاتٍ وتحدياتٍ ومعاناةٍ جمة علي كافة الأصعدة الأمنية والسياسية والإجتماعية و الإقتصادية وغيرها، جملة هذه الأزمات المستفحلة المتسبب المرجعي فيها الموروث السياسي النخبوي بشقيه المدني والعسكري الذي اعتمد في حكمه للبلاد وإدارة شأن العباد مُستنِداً في إبقاء سيطرته السلطوية علي جميع مقدرات وامكانيات الدولة علي إشعال نيران الحروب والصراعات بين المكونات الأهلية والإثنية والمناطقية، مستغلين التناقضات والتباينات الموجودة بطبيعة حال البشر ، فكانت حصائد ذلك استمرارية تفاقم الأزمات و استدامة الأوضاع علي واقع مجتمعي ظل متفجراً وغير مستقر سياسياً واجتماعياً وراهن مؤسسي غير مستقر إدارياً أيضاً،

هذا الوضع المتوتر والمأزوم، وضع المجتمع علي شفا مخاطر التشظي و تمزق جغرافية الوطن.

فكانت نتائج ومحصلات هذه الانقسامات هي حدوث اختلال في أنظمة الحكم المتعاقبة في السودان منذ إستقلاله وإلي يوم الناس هذا، وتعطيل مبدأ التداول السلمي للسلطة فيه، من خلال تعاقب حكومات مدنية فاسدة و أخري عسكرية مستبدة وظالمة ،جميعها عاجزة عن الاستجابة لتطلعات و تلبية طموحات الشعب السوداني في بناء مشروع وطني نهضوي جامع يستوعب حاجات و متطلبات معايير تأسيس دولة المواطنة القائمة علي العدل في الفرص والتساوي في ريع الدولة الخدمي والنفعي.

هذا الفشل في إدارة الحكم والعجز في استنهاض الإرادة السياسية لدي النخب المدنية والعسكرية التي تناوبت علي حكم السودان ، قد أدى إلي إضعاف منظومة النزاهة الوطنية والشفافية الإدارية في إتخاذ القرار المسئول في كافة المستويات و تنامت تبعاً لذلك نسب الفقر وزادت مظاهر المسغبة بين قطاعات واسعة من الشعب و تفشي الفساد المالي و الإداري واعتماد سياسات متحيزة وغير عادلة في توزيع السلطة و الثروة.

جملة الخلاصات العبقرية المستنبطة من التحقيب السياسي لفترات الحكم المتناوبة في السودان تمثل مدخلاً ملائماً و محفزاً جيداً لنا كسودانيين في أن نبذل من الرؤي الثاقبة ونجزل من المبادرات النابهة ما هو أصيل وكفيل ببناء وتأسيس الدولة السودانية الحديثة القابلة للحياة بين أمم الأرض.

إن الشعب السوداني بكافة قطاعاته وشرائحه و فئاته المختلفة، خاصة بعد حرب ١٥ أبريل التي أُجبر علي معايشة فصولها المؤلمة ووقائعها الموجعة في حاجة إلي تحمل مسئوليته التاريخية الآن أكثر من أي وقتٍ مضي في تحويل كل التحديات الماثلة والعقبات الناتجة عن حروبه عبر الحقب التاريخية إلي فرص للتلاقي الوطني والتعايش المجتمعي من خلال خلق مشاريع فكرية وسياسية وثقافية جادة وشاملة تعبر عن المستوي الأصلب والأنسب في سلسلة ومحطات ومراحل تأسيس وبناء لبنات الدولة السودانية الحديثة المعاصرة، هنا تتضح أهمية وعظمة استحقاقات ومقتضيات ضرورة التخطيط المتأني وحتمية بناء قيم الهويات الأصغر في هوية وطنية أشمل لكافة مكونات المجتمع السوداني كأساس وخطوة مبدئية أولية في تأسيس الدولة السودانية المدنية الديمقراطية المعاصرة

تحت وعاء وطني أكبر يعترف قناعةً و يستوعب حقاً وصدقاً كافة مكونات تنوع الوطن الكبير، ليخلق من خلاله كياناً شعبياً سودانياً أنيقاً ومنسجماً يمثل الجميع بلا استثناء و لا يلغي أي مكون قصداً أو يقصي أحداً أبداً، بل ينمي و يعزز ويقوي هذه المشتركات المجتمعية والممسكات الوطنية التي تصنع نقاط الالتقاء وتبني منصات الاطلاق نحو تحقيق أهداف وغايات التأسيس الجديدة للسودان الجديد.

إن هذه المشتركات المجتمعية والممسكات الوطنية المُشار إليها ( الفكرية، السياسية، الإجتماعية، والثقافية الهوياتية) تمثل هوية وطنية جامعة في إطار دستوري ضمني غير مكتوب و غير معلن، لكنه يعبر عن بنية تأسيسية للدولة في مراحل تخلقها القابل لأن يكون واقعاً مُتراضيٰ عليه كمرجعية قانونية ودستورية يُحتكم إليها في توزيع منافع السلطة و الثروة بين ولايات وأقاليم السودان المختلفة معززةً معيار التعداد السكاني كمقياس منضبط ومرتبط بعُريٰ مشتركات و ممسكات وحدة هذا الوطن السودان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى