مقالات

. لقاء الجنرالين الشائك . الخلفيات والتوقعات وما بين ذلك بقلم : عبدالرازق أنقابو،،،

مراديس نيوز

بعيدا عن التطورات الميدانية المتسارعة والجهود المكثفة الجارية التي دعت لعقد إجتماع مباشر ما بين حميدتي والبرهان، وهما بين جسارة ومكابرة لا يزالا لبعضمها يتوعدان، فإن لقاءهما المرتقب أشبه بلقاء عرسان كانا يتعارفان في الدفعة، ولا يلتقيان في الضفة، فكيف تتم بينهما الزفة؟ بهذا يمكننا – القول، برغم الحاجة الملحة لوقف الحرب – بهدنة أو بغيرها، والتي ما فتئ الشعب السوداني ينتظر بلهفة بالغة منذ اليوم الثالث للحرب، بأن هكذا لقاء لطرفين بلا رؤي مشتركة بينهما، لا يكون إلا مشوبا بالحذر الرهيب والتردد الشديد! فهذه العقبة تعد أول التحديات – لإحتمالية، إنزلاق اللقاء وتحوله مناسبة للشتم والسباب، خاصة وأن الحرقة والوجعة بين هذين الجنرالين، هي ذلك الإحساس بألم الغدر والخيانة والطعنة من الظهر – الكامن في النفس، منذ فجر ١٥ أبريل ٢٠٢٣م وحتي إشعار آخر! وهنا ربما تكون هذه المقدمة تحمل شيئا من التشاؤم بعدم نجاح اللقاء، ولكن بغض النظر عن ورش التقاربات المحتملة بين الخصمين خلال هذه الأيام، فإن الفرصة نراها مواتية للنجاح، إن تم اللقاء بينهما بروح سودانية أصيلة – علي “بساطنا الأحمدي” المعلوم! تلك هي الروح التي نعرف ونفهم فيما بيننا، ونتميز بها علي سائر شعوب الأرض؛ في تدافعنا وتقبلنا التلقائي لبعضنا بعضا، في لحظة ننسي فيها كل أسى واسية، بحق العشرة والإلفة المختومة ببصمة السودانوية النادرة!

ولأن المصاب جلل والخطب عظيم، تحتم علينا مع جدية التناول وضرورة تشخيص مكامن العلل – الخلفيات – كما هي، إلتزام الحكمة فيما نقول ونورد، أملا في إصلاح الأمر والتوفيق فيه! وهنا، فقد كانت تلك الإلفة السودانية ببصمتها السودانوية، لم تكن دستورا مكتوبا ليتبع، بل عرفا وتلقانية لم نعمل علي المحافظة عليها وتطويرها – انموذجا يحتذي به بين شعوب الأرض، المكتوية بنيران نزاعات الهوية واختلافات التكايف المجتمعي واختلالات حقوق المواطنة وغيرها، حتي وجدنا أنفسنا داخل دوامة هذه الصراعات المتكررة المتجددة، دون أن نتساءل “مهنيا” عن كيف ومن أين جاءنا التخريب من جهة، ودون ان نهتف “رفضا وإزالة” لمن يتبني بيننا نزعة التمييز والتفريق والتشتيت من جهة أخرى! فتغييب هذه المهنية المقصود، واستبدالها بلغة الحديد والنار عبر ما شهدنا من إنقلابات إستبدادية، والتماهي مع هتافاتنا حرفا لها عن الهدف المنشود، هو ما خلق نظاما ودولة عبثت بالسودان منذ استقلاله، وحتي تاريخ إندلاع هذه الحرب الدائرة!

فهذه الدولة – المسكوت عنها، لم تكن الصدفة وحدها من جعلت منها المتصدرة السلطة والمتهيمنة علي موارد الدولة، بل إنما هى نتاج لمخطط ذلك التغييب المقصود والتذويب عن الهدف المنشود! وتمشيا مع هذا المخطط، فإن ثورة الإنقاذ في سنتها الأولي قد عقدت – مهنيا، مؤتمرها الإقتصادي الأول والأخير، والذي عند اصطتدامه بالحقائق المزهلة المهولة وهو يبحث عن جوهر مشكل السودان من المنظور الاقتصادي، قامت حكومة الإنقاذ بإحتوائه وإنتهاء أمره إلي لا شيء! إلا أنه – من علي خلفيته وكرد فعل، ظهر “الكتاب الأسود” الذي تضمن حقائق ذلك المؤتمر، حتي خضع هو الآخر، لرد فعل مضاد، تولت الأحزاب النهر-نيلية المتوارثة، إحتواء قنابله الموقوتة، بعملية تحالفها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، بدغدغتها بطرح حق تقرير المصير المحرم في منفستوها العام! واكتملت عملية الإحتواء بنجاح تمثيلية إنشقاق اللواء الهادي عبدالله وانضمامه المكشوف للمعارضة الشمالية – حضورا لمؤتمرها الشهير باسم مؤتمر القضايا المصيرية، الذي مهد لإنفصال الجنوب، إنما افساحا للمجال، لإستمرار دولة-٥٦ في السلطة! كانت عملية ذلك الإنشقاق والانضمام المدروس لتجمع المعارضة حينها، إلا انموذجا حيا لعمليات التتويه والتمويه عن حقيقة صرف الأنظار، عن بحث وتناول الأسباب الجوهرية وراء كل أزمات السودان المتكررة المتجددة، حتي تكون نتائج أي حراك او إعتراك، سوي مجرد مظاهرات مصنوعة وتمردات مقموعة، وإنقلابات مشؤمة وانتخابات محسومة، لا تأتي للسلطة إلا بذلك المستأثر بها سلفا، والمهيمن علي ثروات البلاد والمتسلط علي العباد (٦٧) عاما عجافا!

فما يمكننا القول به في هذه المناسبة – الإجتماع المحتمل ما بين البرهان وحميدتي، أن الأول أشار للثاني – خدعة وثقة، عن كيفية تداول السلطة طيلة ال (٦٧) عاما، في رد عليه – بقوله: (أنها مهما تجوط، تجينا راجعة!)، بمعني أنها دولة-٥٦، “المستفيد الحقيقي” من كل تطور يعصف بالبلاد ومن كل تسوية يتوصل إليها –وهكذا دواليك! (مراجعة مقالنا: @فتحي_الضو والمسكوت عنه: ما هكذا تورد الإبل)! إلا أن ما فات علي البرهان إدراكه من رد حميدتي عليه – بقوله: (تاني، ما بتجيك”م” راجعة)، هو ان الدعم السريع في حال مواجهته، لا ينتهي أمره كمعارضة مثل غيرها من المعارضات القابلة للاسترضاء بالمحاصصات والدفعيات، إنما هو مشروع الحل الجذري والنهائي لإستمرارية دولة-٥٦ في السلطة والهيمنة علي موارد الدولة!

ففيما يلي تنظيم الإخوان في السودان ودوره في إشعال الحرب الدائرة الآن، يجب علينا ان ننظر إليه من حيث موقعه في دولة-٥٦ وسر مغروضيتها الجازمة في بقائه، من خلال إصرار البرهان علي عدم استثناء أي جهة من المشاركة السياسية، في اي تسوية محتملة! الإجابة علي كل ذلك، تتمثل في أن تنظيم الإخوان وحزبه المؤتمر الوطني، هو مجرد آلية من آليات بقاء واستمرار الدول العميقة في السلطة – بالانتخابات الصورية، او الانقلابات العسكرية او بالاستنفارات الجهادية كما هي الحال الآن، اعتبارا بذلك التحالف القائم ببنهما منذ إنقلاب يونيو ١٩٨٩م وحتي إنقلاب أكتوبر ٢٠٢١م المستمر لحد الأن! وجدير بالذكر، أن ذلك التحالف يستمد قوته أولا من خلال عمليات إستباحة المال العام الرهيبة المتروكة دون تحقيق (remained unchecked)، وقد شهد عليها شيوخ الحركة الإسلامية أنفسهم، وثانيا من خلال تنظيماتها الجهادية الإرهابية السرية وما ارتكبت من فظائع هي الأخري – مشهودة، بحق الشعب السوداني! عليه، فإن عملية تركها دون تحقيق، ينظر اليها اتباع التنظيم في قواعده المنتشرة بالأقاليم كميزة استعلائية للتمادي في هكذا افعال، بينما نظرة قادة الكيزان من دولة-٥٦، لتنظيم الإخوان وافعاله، هو مجرد شماعة لطرح الجرائم فيه، لتسلم دولتهم من كل ردة فعل محتملة عليها (!)! هذه النظرة السالبة، نجدها ممارسة في ابشع صورها بحق الناطق الرسمي للجيش في عملية تحميله إصدار بيانات كاذبه، هو يرها حربا إعلامية علي الدعم السريع، بينما قادته لا يرونها إلا بذلك المنظور – جريمة إستغلال السلطة، المسكوت عنها هي الأخري! وبرغم هذا التآمر “الست وخمسيني”، فإن ما يتوجب علي الدعم السريع في اللقاء المرتقب بعنتبي، بحق رضاء تنظيم الإخوان تمثيل كل تلك الأدوار اللا أخلاقية التي لعب – ترصدا مع سبق الإصرار خلال ال (٣٥) عاما، إلا الإستجابة لعمليات إحتواء هذا التنظيم الجارية إقليميا ودوليا، ذلك بإشتراط إعلانه تنظيما إرهابيا، لا مكان له في السودان، إهتداءا بمواقف مصر والمملكة العربية السعودية من تنظيم الإخوان، واعلانهما له تنظيما إرهابيا وحسب!

وبالإشارة لتنظيم الإخوان الذي جعلت منه دولة-٥٦، مجرد شماعة لتعليق سوءاتها فيه، فانه من الواجب علينا في هذا الخصوص، استجلاء حقيقة لغة الإستعلاء كجريمة ممارسة بحق المواطن والمواطنة في هذا السودان، لنحدد ما إذا كانت هي كيزانية أم لا؟ وبناءا علي ذلك الزخام والسخام الذي طرأ وتلبسنا دون أن ندري – بفكر متطرف دخيل، عكر علينا صفو أجواء التسامح، فإننا لنستهجن ونستغرب تماما تلك اللغة الصفوية التي تنفث من علي شاكلة “ما بشبهونا” المستجدة، حتي نتساءل عمن هذا الذي يريد ان يقصم إلفة الشعب السوداني ويبتر قاسمها المشترك (أريحية التقبل التلقائي)، ليفرض علينا معيارا للتشابه – نفصل به ونقيس علي أخلاقه وشكله ومظهره ونبرته، تلك السودانوية التي تميزنا بها – بصمة نادرة بين الشعوب! فهذه اللغة لم نسمعها من الاسلاميين كرجال دين، إنما كجهويين فذلك شان آخر! وهنا تاتي شهادة الشيخ الترابي المعلنة بحق المخلوع البشير وهو يقولها من علي نافلة ذات الإستعلاء – بأن: (ركوب الجعلي الدارفورية شرف ليها وليس اغتصاب)، وما سبقها وما عقبها من جملة اساءات سافرة بالعبودية، إنما هي براءة يتيمة لتنظيم الإخوان من هكذا جرم قبيح مدان! والدلالة الجهوية الصفوية لهذا الجرم، هي ما ادت في حقيقتها إلي تمرد العقيد جون قرنق في ابريل ١٩٨٣م، عندما اسمعه إياها احد الضباط “الجلابة”: (مكانك الصف يا عب) وهو ضمن لجنة من كبار الضباط – الصفويون في نظره، وقرنق بيده ملف قطعة سكنية يريد تقديمه لهذه اللجنة، بعد أن سمح له زملاؤه بتخطي الصف للحاق بمحاضرة يهم بإلقائها بكلية الزراعة – جامعة الخرطوم! نسمع بهذه الاساءات ونتساءل عن حقيقة هذا الجرم، أهو ثقافة الاسلاموعروبية وهي عنه براء، ام انها فعلا ظاهرة الإستعلاء؟ فتلك الاساءات والقائلون بها – جهويا، نجدهم أنفسهم ممن استأثروا بالسلطة والثروة عقود عددا، وممن أكلوا الأموال أكلا بددا، لتؤسس في مجملها جرائم مدانة شرعا وقانونا محليا ودوليا! نعم، لقد فات علي المخلوع البشير وخلفه البرهان ومن يسير علي شاكلتهم، أن هذه السودانوية برغم عمرها القصير منذ ما قبل المهدية وحتي إنفصال الجنوب، قد تجاوزت تلك الفوراق كلها، وخرجت لنا بأمة سودانية لا مثيل لها بين شعوب الأرض، في حقيقة سهولة تسامحها وصدق سلاسة انسجامها! ومثالا علي هذه السودانوية، لعلنا نذكر حادثة ذلك المواطن السوداني (مسيحي جنوبي)، الذي كان مغتربا ببغداد بداية ثمانينات القرن الماضي، وبينما هو يقود مركبة عامة، إذا به يشهد اطلاق رصاص علي راس شاب سوداني (مسلم شمالي) – لا يعرفه، من أحد الجنود العراقيين بالمقاعد الخلفية للحافلة، لمجرد جلوسه جوار شابة عراقية، حتي تحركت فيه نخوة الغيرة السودانوية، طائحا بالحافلة وبمن فيها من ركاب علي نهر دجلة – إنتقاما لمقتل هذا السوداني ببلاد الغربة، وقد سبح مسلما نفسه لأقرب مركز شرطة! وحينها إمتلأت الصحف في اليوم التالي للحادثة: سائق سوداني يثأر لمقتل شاب سوداني ..الخ، ويصل الخبر للرئيس صدام بذات الرواية، وما كان منه إلا أن عفا عنه بالإبعاد، وقال قولته للشعب العراقي: يا ليتكم علي مثل غيرة السودانيين، يغارون بعضهم بعضا دون أن يتعارفون! وهذا مثال واحد بين آلاف الأمثلة، الدالة علي مدي الآصرة واللحمة التي بناها الشعب السوداني في أقل من قرن من الزمان، فما بالنا نأتي لنهدها دون ان نستثمرها لنبني وطنا انموذجا، يحتذي به في حسن التعايش السلمي بين الشعوب! وما بالنا نسمح ليأتي من يحمل افكارا دسيسة، لا تريد لنا إلا الشتات والتفريق والتصنيف فيما بيننا، لنصير عليها سودانيون درجة اولي واخرون من بيننا، درجة ثالثة وخامسة .. وإلخ!

ففي خضم ذلك الواقع وتلك اللا مسؤولية واللا مهنية في مخاطبة جذور المشكل السودانية، تفاجأ الجميع بوقوع هذه الحرب الظالمة – التحولية الفاصلة في تاربخ السودان الحديث! إلا اننا مع ذلك اللقاء المتوقع ما بين البرهان وحميدتي خلال ال (٢٤) ساعة المقبلة، فإن ما يلزم الإشارة إليه، مع كل تلك التحديات التي أشرنا إليها بعاليه، فإن الشروط المسبقة لكلا الطرفين، أن لم تجعل من هذا الإلتقاء ممكنا، فإنها في أغلب الظن ستجعل منه فاشلا او مؤجلا، خاصة إصرار الدعم في إعادة إلقاء القبض علي مطلوبي الجنائية الدولية والإسلاميين الفارين من السجون ومشعلي الحرب الدائرة بجملة (٢٧) مطلوبا، والتي تضع البرهان بين خيارين احلاهما مر – إعتراف البرهان بحقيقة التحالف مع الكيزان وأمره بالقبض عليهم في كل مكان، او ان يتنحي جانبا ويترك الأمر للميدان! أما شروط البرهان بخروج قوات الدعم من منازل المواطنين والأعيان العامة كما ظل يكرر، فهذه تدحضها العمليات الجارية خارج العاصمة الخرطوم، فكيف يقومون وهم مختبئون بالمنازل والمستشفيات بعمليات قتالية؟ اليس هذا مناف لطبيعتهم القتالية وهو يريدونها حربا في النقعة العراء، لا بين المساكن والقواعد العسكرية المتحصنة بالأبرياء! مع ترتيب هذا اللقاء المرتقب، ربما يطرا سؤال حول توقيته والحرب تنتقل لمناطق خارج سيطرة الدعم السريع بالجزيرة والتهديد بانتقالها شرقا نحو بورتسودان وشمالا نحو اقليم الشمالية! وهنا ربما يقال الكثير عن هذا التوقيت، إلا ان الأهم من ذلك هو تبدي مخاوف تحول الحرب لحرب اهلية حقيقية بعد السيطرة علي عاصمة ولاية الجزيرة، وما عقب ذلك من عمليات إستهداف جزافية ممنهجة ضد أبناء غرب السودان من إقليمي دارفور وكردفان، علي أساس قبلي! وعلي بوادر هذا التهديد الخطير، دعونا نقولها صراحة والحرب تتجه نحو ولايات نهائي الحرب – بإحتمالين؛ إما إزديادها ضراوة وفقا للاستعدادات الإستثنائية هناك، أو وقفها مساومة – لا ندر كيف تكون! ففي هذه الرقعة الجغرافية المستهدفة بدخول قوات الدعم السريع إليها – عاجلا أم آجلا، والجميع يعرف انهم أهل الشمال، وهم قديما وحتي قبل الحرب، من سعوا للانتشار بين أهل السودان قاطبة، كجلابة كما تعودنا أن نسميهم، وهي كتسمية نطلقها علي من يسافر ببضاعته ليجلب عائدا بغيرها لأهله مما يحتاجون. والحق يقال، ان اهل الهامش ما وجدوا منهم وهم يمارسون نشاطهم التجاري بتقوي الله، إلا كريم الأخلاق وبانصباط لا يعطي احساسا انه قائم علي الخوف، إنما علي إحترام الذات! لكن المريب في الأمر هو ذلك الجشع والتلصص الكلبتوكيزاني (Kleptokizanic) الذي غشي التجارة فأفسدها وأذهب عنها بركتها، دون النظر لما دوننا من الكم الهائل من الفقراء. فهذا الإنحراف (الغشوة وما تغشي) وما نتج عنها من ممارسة الظلم “العنصري” في حصر التمويل في فئة محددة من التجار، وما ترتب عليه من جريمة جشع الإحتكار، وغلاء الأسعار، هي سبب نزول الوباء والبلاء، وما هذه الحرب إلا جزء منه – علي قول الحكماء! وبسبب مؤشرات إنحراف الحرب لأهلية في قطاع الشمال، فالمتوقع من رجال الإدارة الأهلية هناك ومعهم الائمة الذين شهدنا يعتلون المنابر وهم “بلبس خمسة”، كاكي وكلاشنكوف زايد خزنة ..وإلخ، فإن عليهم النصح والتبرؤ من عمليات القتل الممنهج لأبناء الغرب بشكل إنتقائي، بدلا من التشمر للحرب والإستعداد لها تحت أي ذريعة كانت! فهؤلاء الأعيان ان لم يكونوا كيزان – مستباحون هدفا للدعم السريع، فليست مهمتهم حمل السلاح في حرب داخلية، للقتال إنابة او مساعدة للقوات المعنية بهكذا قتال! وبالمقابل، في اقليم دارفور وكردفان، لم نر إمام مسجد ولا زعيم قبيلة ظهر بزي عسكري تبعا للجيش او سندا للدعم السريع، بل كان دورهم هو منع القتال – إن كان لا محالة حادث، ان يكون خارج المدن والمناطق الآهلة بالسكان! ولكن خطة البرهان الدفاعية بتمترس الجيش في قواعده واطلاق نيرانه عشوائيا في المدن، قد خزلتهم وحيرتهم في هكذا جيش يحمي نفسه ويقتل شعبه، بالمدفعية الثقيلة والراجمات والقصف العشوائي بالطائرات! وحقيقة الخطة الدفاعية تنطوي علي مؤامرة إستهداف إنتقائي، وقد بانت حقيقته في دخول الدعم السريع لمدينة مدني، ولم يامر البرهان فيها باطلاق دانة واحدة ولا القيام بغارة جوية باماكن انتشار الدعم بالمدينة، وهو ما لم يحدث بتاتا، في حال انتشار الدعم السريع بمدن اقليم الشمالية! وهنا، نشير الي ان البرهان ألقي باللوم علي قائد الفرقة الاولي اللواء احمد الطيب بود مدني لدرجة وصفه ايهاما بالخيانة والسؤال: لم لا تتم محاكمته علانية اسوة بذلك الضحية، الرقيب بابكر حامد تيه! فاعيان غرب السودان والمواطنون باجمعهم، وابناء الشمال بينهم لا يزالون يقنطنون بالالاف في مدن دارفور وكردفان، لم يتعرضوا لاي منهم بشيء من التهديد، ولم يمسهم احد بسوء لهذه اللحظة – مقارنة بما فعل بابناء الغرب بالشمالية، والكل يعلم ان هؤلاء الآلاف جلابة (١٠٠%)! وسؤالنا؛ إلا تتساءلون ما الفرق في ذلك؟ – انه: (إن أحد من المشركين استجارك فاجره حتي يبلغ مأمنه)، فما بالكم بالمؤمن بينكم، يعمل بعرق جبينه في التعدين او في التجارة الهامشية او المزارع الخلوية؟! فهنا، لا نتحدث عن العروبة ونحن افارقة، بل نتساءل اين انتم من هذا الهدي الكريم، ام انكم صرتم باسركم كيزان أجمعين!

عليه، فإن كانت الحجة هي إعلان تأييد زعماء القبائل بإقليم دارفور وكردفان للدعم السريع، فذلك لم يكن انحيازا عسكريا إنما لأسباب جوهرية تتمثل – أولا؛ في عمليات الإستهداف الإنتقائي التي طالت ابناءهم منذ الشهر الأول للحرب وحتي الآن، وثانيا في قناعتهم بالرؤيا التي يحملها الدعم السريع لحل مشكل السودان، ثم ثالثا بسبب تلك الاستفزازات العنصرية تجاه الدعم السريع التي جهر بها البرهان بقوله: (ما بشبهونا)، ورابعا تلك التهديدات التي أطلقها الفريق العطا وهو يتوعد بمسح الدعم السريع من منطقة بارا إلي مدينة ام دافوق الحدودية، ونسي في ذات الوقت أن هذه المناطق وامتدادها شرقا بكردفان وغربا حتي الحدود التشادية، لتمثل الثقل الجغرافي والتاريخي للدعم السريع! فكيف يحق له ان يمسحها وبأي جيش، وقد فات عليه أيضا ان الجيش السوداني – مكونه، (٧٠%) من هذه المنطقة!

وبمراجعة حقيقة الصراعات المتكررة في السودان، نجد ان سببها الرئيس يعود لذلك الذي جاء ليفرق ما بيننا كمجتمعات سودانية تصاهرت وإئتلفت مع بعضها، ليظل باقيا في السلطة، عملا بمؤامرة وسياسة فرق تسد! هذه السياسة هي ما فتكت بالإلفة والشعب السوداني باجمعه؛ مسلمون بشتي طرقهم ومسيحيون بكل طوائفهم، ويهود ووثنيون وغيرهم – ببشرة داكنة او فاتحة، كانوا جميعا متعايشون سلميا ويشكلون بوتقة انصهرت فيها كل الفوارق بينهم! وللمناسبة – نجزم ههنا، أن فضل تلاقح السودانوية وما نتج عنها من تزواج وامتزاج مجتمعي عريض الطيف، يعود لذلك الحزام الرعوي البدوي الذي آلف بين أهل السودان – شمالهم وجنوبهم، وهو الآن الاقدر علي إعادة ضبط دولة السودان لما قبل الإستعمار!

ختاما، المطلوب الآن، إن تم هذا اللقاء ببن الجنرالين او لم يتم لأي سبب من الأسباب، أن يتوقف أولا خطاب الكراهية والتعبئة القبلية – تحت مسمي الحشد الشعبي، وثانيا ذلك الإستهداف الإنتقائي لابناء الغرب ومحاسبة المسؤولون عنه! لان الذي يخطط لتحول الحرب لحرب اهلية بذريعة الحشد الشعبي، هو نفسه من خطط لتحويل حرب جنوب السودان إلى حرب دينية، انتهي بها قصدا إلى فصل الجنوب، ولكنها هذه المرة لن تنتهي بفصل الشمال عن بقية السودان تحت اي مخطط كان! فتكرار هذا السيناريو لتحويل هذه الحرب لحرب اهلية، ظنا منه بإجبار المجتمع الدولي لفرض تدخل عسكري في السودان للقضاء علي طرف من اطراف الحرب، يكون واهما! لأن هكذا دعوة لتدخل دولي والدول المعنية به مغروضة في الشأن السوداني، فهي أيضا لها حساباتها ونظرتها للسودان كجغرافية مهمة ودولة معنية بالتفكيك والتبديد، إلا انها تقدر في ذات تطلعات شعبها لبناء “سودان جديد!” وبهذا فان هكذا دعوة، ربما تكون متأخرة مع اهبة الدعم لاقحتام الإقليم الشمالي، المتأهب هو الآخر – عن بكرة أبيه، للتصدي لدخوله المحتمل يوما ما! وهنا ننصح ونقول في ظل التداعي والاصطفاف القبلي المحموم ومعه التوعد باستخدام الأسلحة السموم، فان رد الفعل علي ذلك، يضعنا أمام سيناريو رواندا، وما هو عننا ببعيد! فهلا تعلنون براءتكم من البرهان والكيزان، أم انكم فعلا تريدون تكرار ابادات رواندا التي غض نفس المجتمع الدولي الطرف عنها، حتي أودت بحياة ما يقارب المليون نفس في اربعة اشهر فقط، لأجل إستمرار وبقاء دولة-٥٦ في السلطة! فهل فعلا تريدون هكذا حربا أن تحدث عندنا في سوداننا الحبيب، ونقول انكم انصرفتهم متطرفون “براؤون” للترهيب، وهذا سر تهديدكم بالقوة المميتة باللهيب! ام اننا نتوقع بينكم رجل رشيد مستجيب!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى