اختيارات المحرر

2023م عام حزين وعشرة أحداث تاريخية هزت الخرطوم   بقلم / علاء الدين محمد ابكر

مراديس نيوز

ساعات قليلة ويلفظ العام 2023م انفاسه الاخيرة معلن عن الرحيل وافساح المجال للعام 2024م والذي يتطلع إليه السودانيين بان يكون عام خير وبركة بايقاف للحرب اللعينة التي تشهدها بلادنا و هي حرب لم تكن في الحسبان بالتحديد في العاصمة الخرطوم التي لم يعتاد اهلها علي مشاهدة المظاهر المسلحة بهذه الطريقة العنيفة وان كانت قد شهدت العاصمة في مرات سابقة احداث عنف الا انها لم تتجاوز

حدود الاشتباك ما بين العسكريين في ما بينهم مع حرصهم علي تجنب المساس بالمدنيين و عدم المساس باموالهم واعراضهم وسوف استعرض ابرز الاحداث العسكرية،‮ التي شهدتها العاصمة الخرطوم في تاريخها الحديث

*(1) احداث نوفمبر 1924*

وهي ثورة اللواء الابيض بقيادة علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ حيث اشتبك عدد من الضباط والجنود السودانيين العاملين ضمن الجيش المصري ضد الجيش الانجليزي وذلك احتجاج منهم علي قيام السلطات الانجليزية بطرد الجيش المصري من السودان بسبب مقتل السير لي استاك حاكم عام السودان وسردار الجيش المصري في شوارع القاهرة و قد وجه الانجليز اصابع الاتهام الي المصريين الشيء الذي دفعهم إلى طرد الجيش المصري من السودان وذلك ما لم يرضي بعض افراد الفرقة السودانية بالجيش المصري التي حاولت منع تنفيذ ذلك القرار عبر القيام بعمل تمرد عسكري مسلح وان يقوم الجيش المصري بالخرطوم بالانحياز الي جانبهم ولكن ذلك لم يحدث حيث غادر الجيش المصري السودان في ذات الوقت الذي كان فيه يتشبك الجنود السودانين مع الانجليز تلك الاحداث ادخلت الرعب في سكان مدينة الخرطوم فهي اول مرة منذ معركة كرري في العام 1898م يسمع فيها المواطنين اصوات الاسلحة الخفيفة و المتوسطة والمدفعية بشكل كبير ، استمرت المواجهات العسكرية بين الطرفين الي يوم كامل وكانت اخر مظاهر المقاومة لدي الجانب السوداني في مستشفي النهر حيث تحصن البطل عبد الفضيل الماظ هناك واخذ يمطر بالمدفع الرشاش ارتال الجنود الانجليز بوابل من الحمم النارية مما جعلت السلطات العسكرية الانجليزية تستيعن بالمدافع الثقيلة لاجل اسكات النيران المنطلقة من مستشفي النهر وبالفعل حدث لذلك ليكتشف بعدها ان المقاومة تلك كانت صادرة من شخص واحد و هو البطل عبد الفضيل الماظ الذي استشهد وهو محتضن المدفع وقد ظل يطلق الرصاص حتي وهو مفارق للحياة ليصبح بعدها مصدر فخر واعتزاز لكل السودانيين

*(2)احداث مارس 1954م*

و الحدث الثاني الذي هز العاصمة الخرطوم، كان هو احداث شهر مارس من العام 1954م قبل اعلان الاستقلال عندما هاجم عدد من انصار حزب الامة موكب الرئيس المصري الراحل محمد نجيب ابان وصوله الي مطار الخرطوم ليشهد افتتاح انعقاد اول برلمان سوداني وقد تسببت تلك الاحداث في سقوط عدد كبير من المواطنين و لكن تم احتواءها بسرعة في نفس اليوم ولكنها غيرت مجرى التاريخ السودان فقد كان السودان قبل تلك الاحداث الاقرب الى الاتحاد مع مصر وذلك حسب استطلاعات الرأي العام فقد تمكنت الاحزاب السياسية السودانية التي كانت تدعوا إلى وحدة وادي النيل من الفوز باغلبية ساحقة في انتخابات العام 1954م ولكن كان لحزب الامة راي واضح بضرورة استقلال البلاد عن مصر وهذا ما حدث بالفعل يوم التاسع عشر من ديسمبر من العام 1955 اي بعد عام وعشر اشهر حيث تقدم العضو بحزب الامة الناظر عبد الرحمن دبكة باقتراح اعلان الاستقلال من داخل البرلمان وقد قدم العضو بالبرلمان عن الحزب الاتحادي جمعة سهل دعم لذلك المقترح ليصبح السودان في صباح الاول من يناير من العام 1956م دولة حرة مستقلة

*(3) احداث يوليو1971م*

الحدث الثالث الذي هز اركان العاصمة الخرطوم كان هو انقلاب الرئد هاشم العطا في العام 1971م عندما تحرك ضباط من الحزب الشيوعي السوداني عسكرياً والاستيلاء على السلطة في عصر يوم 19 يوليو واعتقال الرئيس الراحل جعفر محمد النميري ولكن في اليوم الثالث حدث انقلاب مضاد بوقوع موجهات عسكرية من انصار الرئيس الراحل جعفر النميري جعلت تلك الاحداث العاصمة في حالة رعب بين المواطنين و قد استمرت تلك الاضطرابات زهاء الاسبوع حتي عاد السلام والاستقرار الي الخرطوم ولكنها خلقت اجواء من الشكوك التي كان الهدف منها تصفية الحسابات الشخصية بهدف الانتقام من البعض وذلك بابلاغ السلطات عن انتماء غير حقيقي لبعض المواطنيين مما جعل العديد من المواطنين يفقدون حياتهم جرء ذلك السلوك الانتهازي و هي ظاهرة سوف تقود لا حقا الي ظهور وانتشار التخابر لصالح السلطات لاجل المكاسب المالية والشخصية

*(4) احداث يوليو 1976*

و هو الحدث الرابع الذي اقلق مضاجع سكان العاصمة الخرطوم بمناطقها الثلاثة (بحري وام درمان والخرطوم) وقد كان عبارة عن انقلاب عسكري نفذ صباح يوم الجمعة الثاني من يوليو 1976 عندما قامت عناصر مسلحة ترتدي لباس مدني باحتلالها لكافة مرافق الدولة في مناطق (الخرطوم وام درمان وبحري) و تعطل بث الاذاعة السودانية عن الارسال ساعد علي انتشار الإشاعات عن ما يحدث من غموض خاصة بعد توقف الصحف الورقية و قد كانت هي المصدر الوحيد بجانب الراديو بالنسبة للمواطنيين لمتابعة الاخبار و قليل جدا من المثقفين من الذين كان يتابعون بث اذاعة هيئة الاذاعة البريطانية باللغة الانجليزية لندن و قد كانت هي الجهة الوحيدة القادرة على نشر اخبار السودان وذلك بسبب امتلاكها لاجهزة تعمل على البث المباشر مع وجود عدد من المراسلين بجانب اذاعة جوبا بجنوب السودان حيث تصادف وجود وزير الاعلام السوداني بونا ملوال هناك وهو ينحدر من اقليم الجنوب حيث اخذ يرسل رسائل عبر موجات الراديو الي المواطنين في انحاء السودان شارح لهم الموقف في الخرطوم طالبا منهم البقاء في منازلهم لحماية ارواحهم من ما يحدث من تحركات عسكرية و قد اتضح لاحقا ان العناصر المدنية التي احتلت العاصمة الخرطوم كانوا من انصار الجبهة الوطنية المعارضة التي كانت تضم احزاب سياسية ابرزها حزب الامة والجبهة القومية الاسلامية و كان الهدف من ذلك هو الاطاحة بنظام الرئيس الراحل جعفر محمد النميري واقامة نظام حزبي ديمقراطي وكان قائد تلك المحاولة الانقلابية هو الجنرال محمد نور سعد الضابط المتقاعد بالجيش السوداني ولكن لم تنجح تلك المحاولة في اسقاط النميري و احتاج الجيش السوداني فترة من الوقت حتي استطاع القضاء علي تلك العناصر المدنية المسلحة التي اظهرت شجاعة منقطعة النظير الا ان عوامل عدم وجود قيادات عسكرية لها علي مستوي الميدان وانقطاع الاتصالات مع بعضها البعض و عدم استخدام الاسلحة الثقيلة والاكتفاء باستخدام الاسلحة الخفيفة فقط بدون وجود امداد للزخائر او توفير مواد غذائية او مراكز لعلاج المصابين ساعد ذلك الخلل علي هزيمتهم عسكريا اضافة الي استغلال اعلام الرئيس الراحل جعفر النميري الاحداث علي انها غزو خارجي حيث اطلق عليهم مسمى (المرتزقة) الشيء الذي جعل العديد من السودانيين ينفرون منهم ولا يقدمون لهم اي نوع من انواع المساعدة ومن اكبر اخطاء تلك المحاولة الانقلابية المسلحة هو عدم تمكن قائدها الجنرال محمد نور سعد من اذاعة بيان يشرح من خلاله اهداف تلك الحركة وحتي قيادات الاحزاب السياسية مثل حزب الامة والجبهة الاسلامية والحزب الاتحادي جناح الهندي لم يمنحوا تلك الحركة غطاء سياسي واعلامي خاصة وان تلك المحاولة العسكرية من تدبيرهم ولكنها لم تجد اي اهتمام اعلامي عالمي لديهم فقد كان بالامكان عقد مؤتمرات صحفية لشرح ما يحدث للعالم وللسودانيين بكل خاص عن اهدافهم التي دفعتهم إلى اختيار العمل المسلح لتغير النظام

*وقفات للمراجعة( 1)*

شهدت بعد ذلك العاصمة الخرطوم هدوء نسبي فقد كانت حياة المواطنين بسيطة وتلقائية حيث انها لا تخرج عن إطار العمل وتقضية الفترات المسائية في حضور مباريات كرة القدم خاصة ( قمة هلال مريخ) او ارتياد دور العرض السينمائي او السهر على انغام موسيقي فرق الجاز التي كانت لها شعبية كبيرة في فترة سبعينات القرن الماضي والخمر لم تكن محرمة في ذلك الوقت فكان معظم السودانين يتعاطونها في اماكن خاصة تعرف (بالانداية) وبينما علية القوم كانوا يقصدون البارات الاجنبية التي كانت تقدم ارقي انواع الكحول العالمية و كانت الحياة المعيشية ممتازة حيث لم يكن المواطنيين يعانون

مشاكل في العيش فكانت اسعار الخبز في متناول الجميع كان يكفي امتلاك جنية واحد لشراء مستلزمات العيش الكريم لفترة اسبوع كامل وكانت امعاء الابقار والضان والتي تعرف محليا ( بالكمونية) تقدم بدون مقابل الي الفقراء واصحاب المزاج من عشاق الخمر البلدية حيث لا يطيب لهم الانس الا بعد تناولها خاصة طبق (الام فتفت) الذي يقدم مع البصل والشطة والليمون باختصار كان المواطن السوداني لا يهتم بمن يحكم البلاد فقط يريد ان يعيش ايامه كيف ما يريد وقد شهدت تلك الفترة ازدهار الفن والثقافة والادب والرياضة في السودان نتيجة استقرار الاوضاع المعيشية و حتي اصحاب المهن البسيطة كانوا لا يحملون في قلوبهم اتجاه اصحاب الاموال الكبيرة الا كل الحب المتبادل بينهم وذلك نابع من القناعة بأن الفقر والغني من الله تعالى فالمجمتع السوداني في ذلك الوقت كان متسامح و يتقبل الغير ولا يعرف التطرف الديني او العرقي او الكراهية والملفت للنظر ان كل الاحداث التي مرت على السودان خاصة في الخرطوم الخرطوم لم تشهد اي بلاغات عن التعرض للسرقات او العنف الصادرة من مواطنين ضد بعضهم البعض نتيجة استغلال حالات الانفلات الأمني الذي يصاحب الانقلابات العسكرية او اعمال التظاهر فحتي اللصوص ( الحرامية) الذين كانوا ينشطون في تلك الايام لم يكن

نشاطهم الاجرامي يتجاوز السرقات البسيطة مثل سرقة (النشل) في المواصلات العامة او الاسواق وكان اللص منبوذ من المجتمع وهناك لصوص لم يكونوا في وضع معيشي سيئ حتي يجبرهم على الدخول الي عالم السرقة فقد كانت دوافع البعض منهم نفسية بغرض التسلية ومع مرور الوقت تحولت الي مهنة ولكن في السودان كل من تجاوز من العمر الستين عاماً يحاول التوبة الي الله والتفرغ للاستغفار تارك السرقة وتعاطي الخمور و ان كان يظل في السر يتناول (المريسة) و هي مشروب محلي يصنع من الذرة ويمكن ان يكون وجبة دسمة ولكن في حال تم تخزينة لبضع ايام يتحول الي مشروب مسكر يفوق في الجودة تلك الكحول التي تنتجها مصانع خمور اسكتلندا بالمملكة المتحدة ،و لكن عقب وصول الرئيس المعزول عمر البشير الي سدة الحكم في العام 1989م عبر انقلاب عسكري مدعوم من الجبهة القومية الاسلامية تغير نمط الحياة في السودان وتحديد في العاصمة الخرطوم حيث تغيرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فتم تطبيق الشريعة الإسلامية للمرة الثانية بعد فترة قصيرة كانت في عهد الرئيس الراحل النميري، ساهم تطبيق الشريعة الاسلامية بدون دراسة المجتمع السوداني او حتي تهيئة المناخ لها في اغلاق اماكن تعاطي الخمور بدون ايجاد بدائل للعاملين فيها لسد الذرائع والحجج حتي لا يحدث انحراف اخر يصعب السيطرة عليه وبالفعل مع اغلاق مصانع تصنيع الخمور اصبحت الخمور تصنع في داخل المنازل الشي الذي زاد من معدل ارتفاع جرائم اخري مثل القتل وانتشار المخدرات والتي لم تكن معروفة بشكل كبير بين المواطنين السودانيين ، قامت الدولة بمراقبة سلوك المواطنين عبر شرطة دينية خاصة عرفت (بالنظام العام) وكانت تهدف الي الفصل بين الرجال والنساء في المواصلات العامة ومنع اقامة الحفلات الغنائية الا بتصديق يشترط فيه عدد من المحاذير ، ساءت الاوضاع الاقتصادية في السودان بشكل كبير مما جعل قسم كبير منهم يفضل الهجرة إلى خارج البلاد تحديدا الي ليبيا المجاورة للسودان التي تشهد استقرار معيشي وبالداخل بدات الجريمة في التطور مع عدم ادراك الدولة لذلك والتي انشغال النظام الحاكم فيها بمطاردة المعارضين السياسيين واهمال بناء المجتمع والتنمية الاقتصادية ومع تمدد الجفاف والتصحر في السودان انتشرت ظاهرة النهب المسلح في اقاليم السودان خاصة في دارفور وكانت قوافل المسافرين الي لبييا والقادمة منها تمثل

اهدف لهم فالاوضاع الاقتصادية الصعبة والمعقدة في السودان في حقبة ثمانيات وتسعينات القرن الماضي جعلت معظم السودانيين يختارون العاصمة الخرطوم مقصد للعمل والعيش بسبب وفرة فرص العمل فيها مما خلق طبيعية ديموغرافية جديدة خاصة وان نمط حياة سكان الاقاليم الذي يعتمد علي الزراعة و الرعي تختلف عن طبيعة مهن سكان الخرطوم التي تعتمد الصناعة و الفكر والإبداع الثقافي وسكان الخرطوم في السابق كانوا ينحدرون من الاقاليم من شتي انحاء البلاد ولكن تواجدهم في الخرطوم كان نتاج عوامل مختلفة منهم الاستقدام للعمل في سلك الخدمة المدنية او العسكرية،‮ او التجارة و لكن اندفاع ابناء الاقاليم للهجرة صوب العاصمة بشكل جماعي صنع حواجز ثقافية واجتماعية بينهم وسكان الخرطوم خاصة بعد قيام عدد كبير من النازحين من الاقاليم التي كانت تشهد حروب أهلية خاصة في جنوب السودان وغرب السودان وجبال النوبة بالسكن العشوائي في اطراف العاصمة حيث نشاءات اجيال باتت تنتظر الي بعض الميسورين علي انهم هم السبب الرئيسي في ما يحدث لهم من فقر وجوع و ارتفعت تلك النظرة بعد تفاقم الازمة المعيشية الطاحنة في الخرطوم في منتصف تسعينات القرن الماضي بينما الحقيقة هي ان بعض المحسوبين على النظام السابق ظهرت عليهم اثار النعمة بشكل ملحوظ بعد استخراج النفط وقد واصبح من الصعب تمييزهم عن طبقة الاثرياء حيث راحوا يسكنون في احياء سكنية خاصة بهم لهم فيها مدارس خاصة لتعليم ابناءهم ومستشفيات خاصة وجامعات خاصة سيارات فارهة مع اهمال الحكومة الاهتمام بعامة المواطنين بتوفير فرص العمل ومجانية الصحة والتعليم وتوفير الخدمات الأساسية مثل سهولة الحصول علي الطعام الشي الذي ساعد علي تفشي وانتشار الاحباط واليأس خاصة بعد انعدام سبل الترفيه مثل ارتياد الحدائق العامة التي باتت في قبضة رجال الشرطة الدينية لمراقبة سلوك المواطنين واغلاق دور العرض السينمائي واغلاق المكتبات العامة وارتفاع اسعار الصحف والمجلات التي كانت قبل ظهور الانترنت تعمل علي لبث المعرفة والوعي في ظل انتشار الفقر والبطالة وتعاطي المخدرات كل تلك العوامل ساعدت علي خلق مناخ من الفوضي سوف ينفجر في قادم السنوات،

*(5) احداث العام 2005م*

عقب توقيع اتفاق سلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان تم تشكيل حكومة للوحدة الوطنية واداء القسم لرئيس ونواب و وزراء الحكومة الجديدة ولكن بعد ايام قليلة يقتل الدكتور جون قرنق قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان ونائب اول رئيس الجمهورية في حادثة سقوط طائرة بشكل غامض مما جعل العاصمة تغلي بالعنف من قبل بعض ابناء الجنوب حيث استغل خلالها ضعاف النفوس تلك الاحداث في ممارسة السرقات وقد كانت بمثابة المفاجاة فهي اول مرة تحدث فيها مثل تلك الاعمال الغريبة علي المجتمع السوداني ، تطلب اسبوعين من الوقت حتي تمكنت الاجهزة الامنية من السيطرة على اعمال العنف في العاصمة القومية و قد ادخلت تلك الأحداث الرعب في قلوب سكان العاصمة خاصة بعد ظهور العنصرية والعرقية بشكل ملفت لم يعتاد عليه المجتمع المدني السوداني منذ احداث ما بعد ثورة اكتوبر 1964م عندما اندلعت احدث عنف محدودة عقب انتشار اشاعة عن مقتل وزير اتحادي من اصل جنوبي حيث انتشر بعض ابناء الجنوب في منطقة مطار الخرطوم احتجاج على ما حدث جرء تلك الإشاعات المضللة وبعد جهد جهيد تم احتواء الحادثة في وقتها ،

*(6) احداث مايو 2008م*

استمر الهدوء فترة من الوقت حتي العام 2008م عندما قامت قوات حركة العدل والمساواة بغزو العاصمة الخرطوم والوصول الي مدينة ام درمان والسيطرة علي اجزاء واسعة منها حيث وجد المواطنين انفسهم عالقين في منازلهم او مواقع العمل فالهجوم كان في منتصف نهار يوم العاشر من مايو لسنة 2008م وهي اوقات عمل رسمية في البلاد حيث فشلت اجهزة مخابرات النظام السابق في تقيم وتوقع ما سوف يحدث حتي توصي الحكومة باعلان حالة الطوارئي لتجنيب المواطنيين خطر الاصابات جرّ اي هجوم لحركة العدل والمساواة احتاج الجيش فترة ثلاثة ايام حتي تمكن من استرداد الامن بمناطق مدينة ام درمان ولكن الشيء الملفت للنظر ان تلك الاحداث لم تشهد وقوع حالات سرقة

*(7 ) احداث سبتمبر 2013م*

وتمر السنوات وتندلع هبة شعبية في شهر سبتمبر عام 2013م بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية عقب انفصال جنوب السودان وخروج النفط عن الميزانية العامة للبلاد وقد قابلها نظام الانقاذ بعمليات قمع نتجت عنها سقوط عدد من المواطنين نتيجة الطلقات النارية الطائشة التي سقط بعضها في المنازل

*(8) احداث العام 2018م*

شهدت البلاد ثورة ديسمبر ولكنها لم تشهد احداث عنف بشكل ملفت للانتباه او حتي وقوع اعمال نهب وسرقة لأموال المواطنين او اقتحام للبنوك التجارية والاسواق العامة ولكنها بشكل عام تسببت في زرع الخوف والقلق لدي الاسر بسبب كثرة استخدام عبوات الغاز المسيل للدموع مما تسبب فى وقوع العديد من حالات الاختناق خاصة بين الاطفال والنساء والشيوخ

*(9) احداث فض الاعتصام*

بينما المواطنين يستعدون لاستقبال عيد الاضحي المبارك فجع السودان باخبار حزينة عن فض الاعتصام الشعبي امام ساحة قيادة الجيش وقد كانت عملية التفاوض تسير بشكل طبيعي بين القوي السياسية المدنية والجيش بغرض انتقال السلطة الي حكومة مدنية بعد ثلاثين من الحكم العسكري المسنود بالحركة الاسلامية حادثة فض الاعتصام تمثل صدمة للعديد السودانين فالطريقة التي تمت بها تصفيةالمعتصمين تنم عن روح حاقدة حيث تم قتل ورمي العديد من جثث الشهداء في عرض البحر مع امتلاء المشارح بعدد كبير من الجثث وحادثة فض الاعتصام تظل نقطة سوداء في تاريخ السودان ولجنة التي

التحقيق تم تكوينها برئاسة الاستاذ المحامي نبيل اديب في العام2019م ظلت عاجزة حتي اليوم 2023م عن كشف ملابسات القضية

 

*وقفات للمراجعة( 2)*

الملاحظ ان كل الاحداث التي اقلقت مضاجع الامن في البلاد خاصة بالخرطوم لم تتجاوز الثلاثة ايام ولكن الملفت للنظر هو ظهور السرقات خلال بعض تلك الاحداث وابرزها حالات العنف بعد حادثة سقوط طائرة الراحل جون قرنق

*(10)حرب العام 2023م*

تندلع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع بشكل مفاجئ في صباح يوم الخامس عشر من شهر ابريل بين ما كان المواطنين يستعدون لاستقبال عيد الفطر المبارك فقد كانت تلك الحرب شي لم يتوقعونه وبسرعة البرق ارتفعت وتيرة القتال منذ يومه الأول باستخدام كافة انواع الاسلحة من طيران ومدافع ورشاشات مما دفع معظم المواطنين الي الفرار خارج الخرطوم بحث عن الامان و هي اول مرة تحدث في تاريخ الخرطوم بتنظيم هجرة عكسية بهذا الحجم الضخم حيث يقدر عدد النازحين من الخرطوم بمناطقها الثلاثة بعدد ثلاثة ملايين نسمة اختار معظمهم مناطق شمال البلاد والشرق والوسط بينما اختار البعض مفارقة البلاد الي دول العالم المختلفة الشي الملفت للنظر في هذه الحرب هو انتشار عمليات النهب والسلب بشكل ممنهج والمدهش في الامر هو انشاء اسواق لعرض المسروقات نهار جهار وهي ظاهرة لم تحدث في تاريخ السودان مع التعدي بالعنف على مواطنين ابرياء لا ناقة لهم في هذه الحرب ولا جمل مع انتشار النعرات العنصرية وتفتشي القبلية بشكل يهدد وحدة واستقرار البلاد فاصبحت حرب الكل ضد الكل و الخاسر الاول و الاخير هو السودان فالحرب الحالية و التي انطلقت من العاصمة الخرطوم انتشرت في معظم انحاء البلاد حيث تفوق الخسائر جميع خسائر الحروب السابقة التي شهدها السودان حيث توقف الانتاج الزراعي والصناعي والتجاري في البلاد و بات شبح الجوع يهدد السودانين في ظل عجز المنظمات الدولية الانسانية من الوصول إلى العالقين في مناطق الحرب خاصة وان حرب المدن الصناعية تختلف اختلاف كبير عن حروب الساحات المكشوفة والخرطوم خير مثال لذلك فهي تضم ثلاثة مناطق صناعية اضافة الي منطقة رابعة حديثة تضم اكبر مصفاة للنفط في البلاد وعدد من محطات تخزين الوقود ومصانع ضخمة ومخازن استراتيجيه للحبوب الغذائية والدوائية في حال تضرر تلك المنشآت فان الجوع سوف يكون لا محاله واقع فالخرطوم منطقة محدودة المساحات الزراعية وهي بسبب الكثافة السكانية تعتمد علي مناطق من خارجها لتزويدها بالخضراوات والفاكهة والاسماك واللحوم الحمراء واستمرار الحرب بلا شك سوف يمنع من وصولها الي الاسواق، السودان في السابق شهد في مناطق عدة من الحروب أهلية ولكن الاخطر في هذه الحرب في انها تدور في مركز صنع القرار السياسي الاكبر في البلاد وحتي وان تم نقل تم العاصمة الي شرق البلاد تظل الخرطوم تمثل مركز الثقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي و لايمكن تجاوزها بجرة قلم ، و تظل الحروب لعنة تصيب الدول التي لا تراعي مصالح شعوبها ولا تعمل على بسط القانون علي الجميع بدون استثناء وتهمل تطبيق العدالة الاجتماعية و التي هي المدخل الرئيسي لدولة المواطنة التي ينشدها الجميع فالسودان لم يعد سودان الخمسينات او الستينيات اوالسبعينيات او الثمانينات او التسعينات ولا حتي سودان عشرينيات القرن الحالي وبالرغم من ذلك تصر بعض النخب السياسية علي مخاطبة الجماهير بخطابات سياسة قديمة اكل عليها الدهر وشرب فاصرار التيار الاسلامي علي الانفراد بالسلطة تحت حجة تطبيق الشريعة الإسلامية لم يعد خطاب مقنع للشعب السوداني خاصة بعد تجربة الثلاثين عام التي حكموا فيها السودان حيث نجد رجال الدين الذين كانوا بالامس القريب يطالبون بتطبيق دولة الاسلام امتلكوا اليوم القصور الشاهقة و السيارات الفارهة والاموال الطائلة بينما ظل الفقراء علي حالهم و ازداد الامر عليهم صعوبة بمضايقات السلطات المحلية لهم بفرض المزيد من الضرائب الي درجة مطالبة صاحب (الدرداقة) بدفع ضرائب و لمن لايعرف (الدرداقة) فهي عجلة وعليها صندوق صغير تستخدم في لنقل مواد البناء ولكن يستخدمها الفقراء في السودان في ترحيل البضائع ، لم يعمل الاسلامين علي مكافحة الفقر فكان الخبز سبب رئيسي في سقوط نظامهم السياسي و تحالف الحرية والتغير( قحت) لم تستثمر الفترة الانتقالية في وضع برامج اسعافي اقتصادي لمعالجة ازمة البلاد الغذائية فكان مصيرها السقوط بانقلاب الجنرال البرهان الذي استغل هو الاخر حالة السخط الشعبي جر ضعف سياسة السيد حمدوك فكان الجوع عامل للإنقضاض على السلطة ولكن البرهان استمر في ذات سياسة (قحت) بتجاهل الحد الادني من مطالب الشعب بالحصول علي ما يسد رمقهم فوصل سعر قطعة الخبز من خمسة جنيهات الي مبلغ مائة جنية كاملة،

السودان لم يصل بعد مرحلة ان نطلق عليه لفظ الشعب الواحد فلا تزال روح التعصب القبلي تسري في العديد من الناس و بذلك انتشرت المحسوبية والرشوة والفساد فكان من الطبيعي ان تنهار الدولة لذلك السودان يحتاج الي عمل سياسي واجتماعي واقتصادي كبير حتي يصلح أن يكون دولة راشدة قادرة علي استيعاب التنوع الثقافي والاجتماعي والسياسي الموجود فيها وهي خطوة كانت يجب ان تكون قبل اكثر من عشر سنوات بعد انفصال جنوب السودان في العام 2011م وهذا يدل على ان اسلوب ادارة الدولة عقب نيل الاستقلال فاشل بامتياز ، علي كل اتمني ان تكون هذه الحرب الحالية هي اخر حروب السودان وان ينعم الله علينا بالعافية والوحدة والسلام

 

*علاء الدين محمد ابكر* 𝗮𝗹𝗮𝗮𝗺9770@𝗴𝗺𝗮𝗶𝗹.𝗰𝗼𝗺

*جمهورية السودان*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى