مقالات

حصائد حرب ١٥ أبريل حتى نهاية ٢٠٢٣م..رسائل اعتبار ونصائح اختيار  بقلم : د. جودات الشريف حامد ; الخبير بالمركز السوداني للدراسات الاستراتيجية والفيدرالية

مراديس نيوز

لا يختلف اثنان أن العام ٢٠٢٣م المنصرم كان عاماً كارثياً بكل المقاييس على السودان و شعبه بسبب حرب الخامس عشر من أبريل التي أطلق الجيش أولى رصاصاتها عبر عناصر الفلول المندسين في وحداته و تشكيلاته المختلفة، وأكثر النتائج الكارثية القاسية جداً في عام ٢٠٢٣م على السودان و السودانيين هي معايشة المواطنين ليوميات المعارك القتالية بين الجيش و الدعم السريع داخل العاصمة الخرطوم، مما اضطر معه كثير من هؤلاء المواطنين المدنيين العزل مغادرة منازلهم بسبب المخاوف والمخاطر المحدقة بهم، وقد خلقت أجواء الحرب هذه جملة تحديات أساسية وصعوبات ماثلة أمام الوطن والمواطنين، منها انهيار النظام الاقتصادي، الصحي، التعليمي… ألخ، وكذلك حدوث فرز مجتمعي حاد بفعل آلة التحريض الإعلامية

للفلول والتي ظلت تبث كل ما يعزز التشظي ويغرس بذور الفرقة بين مكونات المجتمع السياسي و الأهلي المدني حتى كادت جغرافية السودان السياسية و الإجتماعية أن تصل إلى حافة التفكك، كذلك تفاقمت الأزمات الإنسانية كنتيجة للحرب الدائرة منذ ١٥ أبريل و بفعل المعوقات والمعضلات التي اختلقها فلول الجيش الكيزاني أمام المنظمات العاملة في الحقل الإنساني، بالإضافة إلي ذلك أُصيبت منظومة الخدمة المدنية بالتوقف التام في كل أنحاء السودان، حيث غابت الدولة وغاب تبعاً لها الموظفون بالدولة،حيث لا مرتبات منتظمة مقبوضة طيلة التسعة أشهر الماضية َ، وينسحب هذا الواقع على القطاع الخاص أيضاً ، جملة هذه المحصلات والحصائد الكارثية المشار إليها مع أخرى لم تُزكر عيناً، قد أوصلت السودان إلى محطة الشلل التام والعجز الكامل في كافة مناحي و شِعاب الحياة المختلفة، هذا الحال المأساوي المنظور لكل صاحب نظرة فاحصة وعقل راجح قد استوجب عاجلاً إطلاق المبادرات الصادقة وتكثيف المحاولات الجادة لإنهاء هذه الحرب بين طرفيها الجيش والدعم السريع من خلال وقف فوري للقتال وتسوية خلافاتها و مخاطبة تبايناتها المؤسسية البنيوية ذات الطابع العسكرية،

الأمر يسهل الاستجابات الإنسانية العاجلة للمواطنين في أماكن الحرب، و من ثَمّ يلي ذلك جلوس الأطراف المدنية السياسية المعنية بملف التحول المدني الديمقراطي على طاولة نقاش عميق وأمين وحوار نابع عن قناعة راسخة لديهم لمناقشة جذور الأزمة السياسية القديمة، المتجددة، وصولاً لمنصة تأسيس قوامها افتراع الحلول الشاملة المُؤسَسَة من خلاصات الاعتبارات الإجتماعية وسابقات التجارب السياسية وتقويم ممارسات الحاضر السلبية واستلهام المطلوبات البناء المستقبلية، المانعة لتكرار وإعادة تجدد الأزمة السياسية في السودان مرة أخرى.

نعم هنالك تحديات كبيرة ومعوقات كثيرة وقفت وما زالت تقف عقبة كأداء أمام معالجة الأزمة السودانية بأبعادها العسكرية والسياسية والإفرازات والتداعيات الناتجة عنها، فالجميع يُدرك أن الفلول البلابسة هم المعوق والمعضلة والمشكلة أمام كافة المحاولات لإحداث اختراق في ملفي الأزمة السودانية العسكري منها و السياسي، لذلك يلحظ الجميع أنه كلما فتح أهل الخير من الوسطاء والمبادرين نافذة لابتدار الحل، اختلق الفلول للبرهان معاذير واهية ومحاذير هشة يُغلق بها أبواب التفاؤل أمام الشعب لإمكانية إيقاف الحرب الدائرة و تحقيق تقدم في مسارات تشخيص الأزمة السياسية بما يُوصل أهل السودان إلى مقاربات سياسية و إجتماعية وهوياتية لجذرية الحلول المرجوة.

منذ أن شبت هذه الحرب بذلت كثير من الدول الشقيقة والصديقة للسودان جهوداً مكثفة بُغية تقريب وجهات النظر بين طرفي هذا الصراع العسكري، وقد نجحت الوساطة السعودية الأمريكية والتي انضم إليها الاتحاد الأفريقي والإيغاد لاحقاً في إحضار وفود من الطرفين إلى طاولة التفاوض في منبر جدة، و كان بالإمكان الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار منذ الشهر الأول ولكن تعدد مراكز القرار المتشاكسة حول البرهان، جعلت وفده بلا أجندات واضحة أو رؤية دقيقة تجاه الأزمة محل النقاش والقضايا المُلحة مكان التفاوض، وذلك كان سبباً محفزاً ودافعاً معززاً لانتصار شعار البلابسة الفلول (بل بس) الداعي لاستمرار الحرب والرافض مطلقاً لإيقافها، خشية حدوث اختراق إيجابي مبنى على مرجعيات سياسية سابقة تخرجهم من لعب أي دور سياسي في المستقبل المنظور وتلاحق قادتهم الهاربين، و تُحي لجان الاستقصاء عن مصادر الثروات الحرام المكدسة عندهم، في المقابل كان موقف قوات الدعم السريع الذي يمثله وفدها المفاوض منسجماً ومتسقاً في طرحه مع رؤية الوساطة بمنبر جدة فيما يتعلق بإيجاد معالجة جذرية للأزمة والصراع الناتج عنها برمته يقود إلى سلام مُستدام من خلال تأسيس جديد لميلاد دولة مواطنة جامعة، ذات طابع مدني ديمقراطي خالص.

اليوم يبدو أن موقف الجيش لم يتغير والفلول لم يتعظوا من تجاربهم الفاشلة في التعاطي مع واقع المعارك الميدانية، فمازالوا سادرون في غي الفتن و إزكاء ما يجعل حدة النزاع العسكري قائماً، إعمالاً لذات ثقافة تجريب المجرب الذي جربوه، فقد أطلقوا حملة معركة الكرامة قبلاً بزعم الوقوف مع الجيش في معركة كرامته المدعاة وقد فشلت تلك الحملة البلبوسية، فبعد سقوط الفرقة الأولى مدني قاصمة ظهر الفلول ومسببة الصدمات والذهول، بعدها مباشرة بدأ الفلول رحلة الجري أمام الصدمة الممثلة في هزيمتهم في مدني فأعلنوا ما سموه المقاومة الشعبية لتقاتل الدعم السريع نيابة عنهم و عن جيشهم الذي لم يكسب معركة قط أمام أشاوس الدعم، فكيف يكسب المستنفرين المعركة إذن؟.

لقد أطلقنا نداءات المناصحة و المكاشفة والمشافهة في مقال سابق باذلين فيه صادق الإرشاد و خالص النصح لكل الشعب السوداني بأن أنأوا بأنفسكم عما ينادي به الفلول من خلال الخطاب الاستعطافي و دعوات التحشيد الشعبوي والتحريض القبلي والتجييش المناطقي لمواجهة الدعم السريع وهو أمر مبدءاً يفتقر الكياسة و تنتقصه الفطنة، لأن هذه المعركة واضحة وضوح الشمس في كبد النهار َ، أنها معركة بين الجيش والدعم السريع وحيادية الصفة المدنية لكل مواطن تقتضي أن يتخذ المواطن العادي مساراً ثالثاً يبعد به نفسه عن مساري الاصطفاف مع (الجيش أو الدعم) وعدم تضييق المتاح من الخيارات و توريط النفس في مواجهة لا قبل لأحدٍ بها، كما كانت مواجهة لا قِبل للفلول وجيشهم بها ، فخسرها الجيش و من ورائه كتائب الفلول الذين هم ذاتهم الآن الذين يحرضون ويحثون المواطنين على حمل السلاح ليسوقونهم إلي حتفهم المحتوم

، خاصة و أن الدعم السريع عبر وسائل إعلامه قد أطلق نداءات لتوجيه و تصحيح المفاهيم غير الواضحة للناس بألا عداء له مع أي مواطن، بل معركته مع فلول الجيش وبقايا كتائب الكيزان، إذن من يحمل السلاح لقتال الدعم السريع بعد هذا التوضيح الواضح الفصيح لا يلومنّ إلا نفسه، فهو أي الدعم السريع قد أبلغ الكل المحاذير فلا مجال للمعاذير إن اختار أي مواطن عادي خيار مواجهة الدعم السريع تلبية لدعوات الفلول تحت مظلة (المقاومة المدنية). فهو بلبوسي يستحق معاملة البلابسة الملاعين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى