مقالات

عبدالرازق أنقابو،،، يكتب وتكمل الحرب شهرها السابع..ألم يحن الأوان لمعرفة ما حقيقتها ؟!

مراديس نيوز

 

. 14 نوفمبر 2023م

بهذا اليوم تكمل الحرب في السودان شهرها السابع – عدا، بينما الشعب السوداني لا يزال غائبا أو مغيبا عن حقيقتها – منذ يومها الأول، وقد تشتت أفكاره وآراؤه ومواقفه فيها – بين كونها؛ تمردا أو إنقلابا أو مؤامرة علي طرف من أطرافها! وعلي هذه الإحتمالات المختلفة، شهدنا تبدلا في المواقف وتعددا في الإتجاهات؛ بين من هم مؤيدون للحرب ويناصرون طرفا من أطرافها، وبين من يقفون ضدها، وبين من هم محايدون فيها – لا مع هذا ولا ذاك! كل هذه المواقف مع تبايناتها لها ما يبرر عند أصحابها، إذ أن اختلافات نظرة السودانيين للحرب – هي ليست من الغرابة بمكان أن تحدث في بلد أخذ بأسره علي حين غرة، بحرب لم يشهد لها مثيلا في تاريخه! ففي خضم هذه التباينات والتكهنات التي قال بها السودانيون – أنفسهم، كل حسب رؤيته وميوله لما ستؤل إليه هذه الحرب او تنتهي عنده، مع عملياتها العسكرية اللا أخلاقية وما صحبها من حالات هستيريا نهب وسلب – غير مسبوقة، فإنها في الواقع لم تتلمس حقيقة هذه الحرب – المسكوت عنها إجماعا سكوتيا حتي هذه اللحظة! وبدلا من الإجتهاد في سبر غور هذه الحرب – إيمانا بسلامة التشخيص وصولا لعلاج ناجع فيها، فإننا نجد أنفسنا مشغولون – إستجابة وتفاعلا، تحت تاثير حملة إعلامية ممنهجة، اقتصرت الحرب في جانب الطرف الآخر، بأنها مجرد عمليات سلب ونهب، وما هي إلا تداعيات تلقائية متوقع حدوثها في هكذا حرب، تماما كما إرتكب الهمج – “جند اليانكي”، ذات الجريمة وإن إختلفت المنهوبات والمسلوبات، حينما دخلوا بغداد العاصمة في أبريل ٢٠٠٣م!

وبرغم تلقائية تلك التداعيات الناتجة عن هذه الحرب، إلا أن حقيقة إضطراب الوضع الأمني، لم يكن بسبب طبيعة الحرب – المدارة بالمدن، إنما بسبب جريمة الإختفاء المرتب لخدمات الشرطة عن المجتمع، وما سبقها مباشرة من مؤامرة إخراج عشرات الآلاف من المجرمين من السجون علي مستوي السودان، الأمر الذي اضفي علي الحرب همجيتها وعبثيتها المقصودة، وجعل منها حربا بمعناها الحقيقي الذي شهدنا في السودان – خلال هذه السبعة اشهر. لكن الأمر الأكثر غرابة في هذه الحرب، والسؤال الذي يطرج نفسه – ههنا؛ لماذا نتفادي الحديث او القيام بإجراء أي تحقيق مهني عن حقيقة هذه الحرب الدائرة والتطرق للأسباب الجوهرية لاندلاعها؟ لا نقول أنها الصدفة وحدها من جعلت بشكل ملاحظ أغلب الخبراء والمحللين لهذه الحرب، ومعهم حتي مراسلو القنوات المحلية والعربية تحديدا، يؤثرون الحديث والتغطية “المغروضة” لتطورات الحرب اليومية، بينما أنهم جميعا يتفادون في ذات الوقت الحديث عن حقيقتها وأسباب إنطلاقتها! ولتجشم الإجابة عن هذا السؤال، نقول أنها ظاهرة الميول الجهوي والإنتماء الأيديولجي، ومستوي تأثيرهما علي حيادية النظرة لهذه الحرب وتطوراتها – تماهيا وإتساقا، مع حملة الكذب والتضليل والإشاعات الرسمية المصاحبة لها، إخفاءا لسر حقيقتها – المسكوت عنها، وذلك للأسباب الآتية:

أولا: التمويه والتتويه كأنما سبب الحرب الجوهري هو الإتفاق الإطاري، وهذا الإتفاق برئي منها براءة الذئب من دم إبن يعقوب عليه السلام! فالمقصد هو ليس رفض الإتفاق الإطاري ورفض للوثيقة الدستورية وما نتج عنها من إتفاق سلام جوبا، إنما هو عدم قبول للاطراف الموقعة عليها!

ثانيا: التغطية علي جريمة الإستهداف العشوائي التي طالت المدنيين العزل في مساكنهم، واظهار نزوح الموطنين كانما هو بسبب النهب والسلب وليس بسبب جريمة الضرب العشوائي بالطيران والقصف بالمدفعية الثقيلة لمساكنهم!

ثالثا: كسب الراي العام المحلي والدولي بإظهار الطرف الثاني في الحرب (الدعم السريع)، كمجرد جنجويد رباطة – داخليا، وكتنظيم إرهابي – خارجيا، ذلك للتغطية أولا علي جرائم الإختلاس الطائلة التي إرتكبها أتباع تنظيم الإخوان بحق الشعب السوداني، بشهادة شيخيهما – عليهما الرحمة؛ الكاروري والترابي، والتغطية ثانيا علي إرهابية تنظيم الإخوان وتحويلها كجريمة دولية للدعم السريع، بالمطالبة المتكررة بإعتباره تنظيما إرهابيا!

رابعا: التروبج باظهار تنظيم الإخوان وحزب المؤتمر الوطني كمتسبب في هذه الحرب، إنما لإتخاذه شماعة لرمي كل قاذورات الفساد والظلم والاستبداد عليه، طيلة الأربعة وثلاثين عاما الأخيرة، إنما تغطية لذلك “المسكوت عنه” – المسؤول حقيقة، عن كل ذلك الفساد والإستبداد لما يفوق الستون عاما! تتجلي هذه الحقيقة في سكات قادة تنظيم الإخوان أنفسهم، بسبب تفاديهم إصدار أي بيان يحمل المسؤولية لذلك المسكوت عنه، لأنهم ببساطة كما معظم الخبراء الاستراتيجيين والمراسلين الإعلاميين – هم؛ (إبراهيم غندور، اسامة عبدالله، علي كرتي وصلاح قوش) نسبة لإنتمائهم لذلك المسكوت عنه، بما فيهم (الكاروري والترابي) اللذان فقط برا نفسيهما من جريمة الفساد، بسبب عدم تشخيصهما للمسؤول حقيقة عنها، بإستثناء (علي الحاج) الذي همس بشيء من الحقيقة في فترة موقعه القيادي بالحركة الإسلامية ومؤتمرها الوطني المحلول – حينما قالها: “خلوها مستورة!” – تماهيا مع المسكوت عنه، لأنه “جغرافيا” ليس محسوبا عليه!

خامسا: قيادة ذلك المسكوت عنه وهيمنته المقصودة حاليا علي الحركة الإسلامية من جهة والجيش من جهة أخري، تجعلها لا تتردد في القيام بفعل اي تصرف – عسكريا أو سياسيا، بما فيها استدارة ظهرها حتي للحركة الإسلامية وحظر تنظيمها، من أجل بقاء واستمرار مسكوتهم عنه في السلطة، في حال اقتضت التسوية ذلك! وما قصف مصفاة الجيلي وتدمير كبري المنشية وما قبلهما وما يليهما من استهدافات لبني تحتية أخري، وما سياتي من تسويات بحق تنظيم الإخوان رغم التبعية له، إلا مؤشرات عن حقيقة الحرب الدائرة وحمايتها فقط لذلك المسكوت عنه!

عليه، فإن الحملة التضليلية المصاحبة لهذه الحرب، لم تكن عملا إعتباطيا قصد به إدارة الحرب إعلاميا باستباحة الكذب البواح، وتحليل الترويج لدعوة “نعم للحرب” وندائية “بل بس”، إنما لشغل الشعب السوداني وتغييبه بهكذا تضليل، حتي لا يتساءل في لحظة صدق مع النفس، عن حقيقة هذه الحرب الدائرة ومدي مشروعيتها عما إذا كانت “هي لله هي لله”، أم أنها لغير الله! ذلك التضليل والتعتيم الممنهج هو ما نجح فيه الطرف الأول في الحرب – وكيف لا، وبيده تغطية إعلامية هيأت للإلتفاف حول شعار: “شعب واحد جيش واحد”، لكن حقيقة الأمر، أنه ليس شعب واحد ودوننا “ديل ما بشبهونا”، ولا جيش واحد، وامامنا جيوشا من كتائب الظل، البراء، النصرة وهيئة العمليات وغيرهم من جهاديين كثر! عليه، لم تكن الحرب في حقيقتها – هي لله، إعلاءا لكلمة الله بين العباد، ولا جهادا لصد اعتداء خارجي علي البلاد، إنما هي لأجل إستمرار وبقاء ذلك “المسكوت عنه”، الذي ظل لوحده مستأثرا بالسلطة لما يفوق الستون عاما!

فحقيقة هذه الحرب – بدأت، منذ تلك الإرهاصات التي روجت لمليونية ذلك التفويض، وما سبقها من محاولات إنقلابية إلي ما أشرنا إليه من بعد في مقالنا (.. مفارزة الكيمان – يونيو ٢٠٢١م)، ومقالنا التحذيري: (السودان – القرارات القومية وعادة تغليب المصلحة الجهوية علي المصلحة الوطنية: التهديد بمواجهة الدعم السريع – مثالا/ مارس ٢٠٢٣م) هذه كانت كلها دلائل ومؤشرات تؤكد حتمية المواجهة مع قوات الدعم السريع – ذلك، ليس لإجبارها قبول الدمج مع الجيش، إنما بهدف مواجهتها عسكريا وإنهاء وجودها ميدانيا! لذا نخلص الي أن الحرب الدائرة في السودان هي فقط لأجل بقاء واستمرار ذلك المسكوت عنه – “دولة ٥٦” في سدة الحكم، وذلك للآتي:

اولا: الحرب علي الدعم السريع، لأنه مثل أكبر مهدد حقيقي في تاريخ “دولة ٥٦” – وجودا وبقاءا، خلافا لجميع حركات معارضة مسلحة التي قبلت جميعها بالتسويات المفروضة عليها دون المساس بوجودها في مراكز القرار والمال والجيش، واستمرارها في السلطة! نلاحظ أن الدعم السريع خلافا للحركات المسلحة هو من فرض أجندته في الإتفاق الإطاري!

 

ثانيا: طبيعة الحرب ضد الدعم السريع، هي في طابعها حري وجودية – بمعني إنهاء الدعم السريع من الوجود – باتفاق أو غير إتفاق! وهذا ما يؤكد بشهادة الجميع علي إصرار البرهان علي مواصلة الحرب وفعل كل شيئ يستطيع فعله مباشرة او بغيره، بما فيها لجوئه المحتمل بإستخدام الأسلحة المميتة – كما هو هدد، بنفسه من ذي قبل!

ثالثا: شبهة اختلاق وتطوير الإتفاق الإطاري وتضمينه لمسالة خلافية بين الجيش والدعم السريع، بدرجة أكبر من المسالة الخلافية ذاتها، هي ما جعلت منه مجرد سيناريو لانطلاق الحرب! باعتبار أن الكوامن المهددة بالحرب كانت تلوح في الأفق منذ سعي البرهان طلب التفويض للانفراد بالحكم!

رابعا: طغيان مخططات السيناريوهات الجهوية – لا القومية، المروجة لخلق حكومتين بالسودان علي غرار الحالة الليبية، أو تقسيمه بفصل غربه منه، أو وضع إقليم الشمالية تحت الحماية المصرية أو وضع السودان كله تحت الوصاية الدولية. هذه السيناريوهات المحتملة هي ما تبرر فظاعة الحرب، لكون الضحايا المحتملين فيها الان – في الغرب كله وأطراف العاصمة الخرطوم، أنهم “أناس لا يشبهوننا!

سادسا: مع أن الحرب تاخذ اتجاهات جهوية جغرافية، فإنها ستبقي مستمرة إلى أبعد ما يكون، إذا ما بقيت رحاها تدور اقليميا دون أراضي الولايات الشمالية. أما في حال تجاوزها إلي مدن وقري إقليم الشمالية، فالمتوقع ألا يكون فيها استهداف عشوائي للطيران الحربي بقصفه بين الأحياء، ولا إستخدام للمدفعية الثقيلة كذلك! عليه، فان مجرد التهديد بنقل العمليات الي شندي ومروي ودنقلا – مثلا، فإن ذلك ما سيؤدي لوقف إطلاق النار، حال هدد الدعم السريع تحويل عملياته إلى الولايات الشمالية!

سابعا: حفاظا علي سلامة وحفظ أمن الولايات الشمالية، فإن البرهان اولا؛ لا يتردد في منح الأوامر بتدمير كافة الجسور الرابطة بالعاصمة الخرطوم وربما تلك الموجودة علي طول شريط النيل وما تدمير جسر شمبات الا البداية لذلك، وثانيا؛ سيقوم بالاستعانة بما يلزم من تدخل قوات أجنبية ليس لترجيح كفة العمليات، بل إلي ردع الدعم السريع من التقدم شمالا وشرقا

وخلاصة الأمر، فإن حقيقة الحرب الدائرة علي قوات الدعم السريع، لم تكن بسبب الإتفاق الإطاري، بقدرما اته مجرد سيناريو لإشعالها، بهدف إنهاء وجود الدعم السريع من الوجود! ذلك لان الدعم السريع وقف عقبة امام طموحات النظام البائد ودولته العميقة “دولة ٥٦”، لإستعادة السلطة مع حليفها حزب المؤتمر الوطني المحلول، ذلك في إحباطه لعدة محاولات إنقلابية، كان آخرها إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣م، الذي انسحب من الدعم السريع، فور اكتشافه انه ليس اجراءا تصحيحيا، انما محاولة مكتملة الاركان لإستعادة النظام البائد للسلطة! التحالف الذي نشأ – منفعة ومصلحة مشتركة ما بين دولة ٥٦ والمؤتمر الوطني، ما هو إلا أمر مؤقت قابل للانفضاض تحت أي ظرف من الظروف. في سبيل بقاء دولة ٥٦، لا يتردد قادتها في ظل هذه الحرب الوجودية، من إستخدام حتي الأسلحة المميتة التي تتطلب اخلاء العاصمة من سكانها بقصف المواطنين مباشرة لاجبارهم علي النزوح ومن ثم ابادة قوات الدعم السريع كيماويا، أو اللجوء للحد من تحركاتهم بتدمير كافة الجسور، إلي جانب الركون لسيناريو تفكيك السودان في حال فشل العمليات الجارية ضد الدعم السريع، الذي سيكن له موقفه الصارم تجاه اي محاولات لتقسيم السودان. أما سياسيا والرضوخ لتوقيع اتفاقية سلام وهذه في الوقت الراهن تظل بعيدة المنال لما للبرهان من عدة رهانات لا يزال يراوغ بها … من ضمنها الارتماء في حضن إيران، فان اي تسوية سياسية محتملة تجد دولة ٥٦ انها مجبورة عليها عسكريا، او لقطع امام اي تقارب اخواني-ايراني بالمنطقة، فإن دولة ٥٦ لن تتردد بالتضحية بالمؤتمر الوطني واعلانه تنظيما متطرفا، في حال المساومة علي شرط إبعاده وحله دون رجعة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى