عبد القادر أنقابو : فتحي_الضو والمسكوت عنه: ما هكذا تورد الإبل – كاتبنا المرموق!
مراديس نيوز
و لم تكن منك زلة لسان، لوجب عليك الإعتذار! إنها كلمة ألقيت بها سلبا في خضم الراهن، ونحن من نتابع منشوراتك ونقرأ كتاباتك .. المحظور منها والمسموح، ولكنك فاجأتنا وفجعتنا بخيبة امل كبيرة، فيما اوردته من قول أثناء لقاء الإعلامي سعد إبن الأستاذ عبدالكريم الكابلي بكم، في قولك: (.. انها الحرب الأولي التي يستخدم فيها طيران السيخوي و الميج والانتونوف و الدبابات، اي بأنها المرة الأولى التي يتم فيها إستخدام أسلحة الطيران ضد المواطنين الأبرياء)، ولكن في ذات الوقت فات عليك ان ذات ادوات القتل والتدمير وعلي راسها الطيران – أيا يكن، هي ما نزحت وهجرت الملايين من ابناء دارفور! وهنا – شهادتي لله، إنني يوما كنت في مأمورية إنسانية بقرية مكجر بولاية وسط دارفور، وبينما أسير في الطريق مع الزملاء، كان هناك أطفال يلعبون كرة “شراب” في الشارع، إذ بطائرة انتينوف – نفس الانتينوف الحالية ببراميلها المتفجرة، تعبر فوق القرية متجهة نحو الحدود التشادية، وفجأة نسمع هؤلاء الأطفال يصيحون: انتيوف جيه، انتينوف جيه وهم يركضون نحو الحيشان اختباءا كالفراريج الهاربة من صقر خاو عليها!! ولحظتها، ادمعت عيناي، ألما وحزنا مما شهدت وسمعت!! الغريب في أمر هذه الحرب العبثية، أن نفس هذه الدمعة ذكرني بها الدكتور علام وهو يستشهد – خلافا لك، بضجة سكان العاصمة وبكائهم عند اول غارة عشوائية عليهم، مقارنة بما حدث في دارفور – ويقولها حالفا بالله العظيم: (والله، مفروض نمشي نعتذر لاهل دارفور ديل، اللي كتلهم البشير بالآلاف – مراجعة الفيديو المرفق)!
ودعني الاخ فتحي الضو لاعلنها علي الملا وانا ممن يقرؤن كتاباتك بشئ من التحفظ، لما انتابني من ملاحظة تستركم علي الفاعل الحقيقي للازمات في السودان! عليه فأنت في سردياتك متهم بجريمة التستر علي المجرم الرئيس المسؤول، عن كل تمرد حدث بالبلاد منذ العلم العام ١٩٥٨م والي هذا العام ٢٠٢٣م! وهذا ما يتطلب منك اخلاقيا مراجعة كتاباتك الموجهة لانتقاد أنظمة الحكم الدكتاتوري في السودان، وإعادة صياغتها لما يوضح بشجاعة وبمهنية أن (المسكوت عنها)، هي سبب الازمات والبلاوي – كلها، في السودان، والا فلا حاجة لنا بكتابات تعوذها الأمانة المهنية والشفافية الحيادية!
فظاهرة عدم المهنية الحيادية في التناول، هي ما أشرت إليها في ديباجة مقالنا التحذيري: (السودان – القرارات القومية وعادة تغليب المصلحة الجهوية علي المصلحة الوطنية: التهديد بمواجهة الدعم السريع – مثالا! ١١ مارس ٢٠٢٣م)، حيث قلت فيها: [درجة شفافية المقال الإستثنائية، هي التشخيص الواقعي برؤية مختلفة من زاوية مختلفة للأزمة الأمنية الجارية –من حيث جذورها، دوافعها وأبعادها! هذا التشخيص بهذه الرؤية التي يتجنب أو يتعمد أغلب المفكرين أو الكتاب المرموقين عدم الأخذ بها في تناولهم للتطورات الأمنية والسياسية في السودان –إلتزاما بالمسكوت عنه، إنما يكشف عن مدي المغروضية في عدم الكشف عن “الجذور الحقيقية” للأزمات في السودان، ومدي التغطية لذلك “المستفيد الحقيقي” من كل تطور يعصف بالبلاد ومن كل تسوية يتوصل إليها –وهكذا دواليك! فتلك المغروضية وما صحبها من تغطية، تعد هي منشأ ثقافة المسكوت عنه في السودان –كجريمة، لا نراها إلا جزءا من حملة التتويه وعمليات التمويه المتسترة علي وجود “مسكوت عنه”، هو المتربع علي عرش السلطة والمتسيد مفاصل الدولة، والمتهيمن علي إتخاذ قرارها ومواردها ومراكز أموالها] .. انتهي!!
ومثالا واحدا علي عدم المصداقية في التناول، هي ما اوردت في مقدمة كتابك (الطاعون) الموسوم ب: (إختراق دولة جهاز الأمن و الخابرات في السودان)، وأتت تطرح تساؤلاً عن: (من يحكم السودان؟) لكنك بكل اسف في مستهل الرد علي هذا التساؤل الذي بقي هو الأكثر حضوراً لما يزيد عن الستة عقود، وانك (فتحي) لم تات في كتابك ذلك بالردود المطلوبة كما ينبغي، لنفس التساؤل الذي بقي ايضا دون اجابة “اكاديمية” إلا بتلك التي خرجت من “فوهة البندقية” بيانا بالعمل علي ذلك “المسكوت عنه!”. فصوت البندقية قد أعطي إجابة اكثر صدقية علي تساؤل: من يحكم السودان، منذ تمرد مليشيا الانانيات، وظهور حركة سوني ونهضة دارفور، الي الحركة الشعبية لتحرير السودان وما تبعها من حركات تحرير دافور وجبهات الشرق وما وجدت جميعها من مواجهات قمعية دموية وجودية من ذات المسكوت عنه! وما الحرب المعلنة علي الدعم السريع والجارية ضده حتي إشعار آخر، هي ببعيد عن تلكم المواجهات الوجودية!
فكنت متوقعا (منك)، ان أجد إجابة قاطعة، تستهدي علي الأقل بما كشف عنه الكتاب الأسود، وهو يثبت بالادلة ويبرهن الأرقام من كان يحكم السودان، دون ان يعطي اسما محددا لذلك الذي يحكم – تفاديا ايضا لذلك “المسكوت عنه”، والمعلوم عنده بالضرورة! فالإجابة المتوفرة في (الطاعون) بطريقة التتويه والتمويه – ذاتها، قد اختزلت من يحكم السودان بكل اسف علي “افراد” بعينهم وليس “نظاما” كما اشرنا إليه في ذلك التداول للسلطة ما بعد الاستقلال! فهؤلاء الأفراد لو أنك ألقيت عليهم نظرة كمجموعة من زاوية إتجاهاتهم المشتركة – من حيث، موقعهم وموقفهم التاريخي من المهدية، وانتماؤهم الجغرافي ما بعد الإستقلال، لكنت توصلت – بالذوق العام، إلي أنهم مجرد جزء او مرحلة زمنية من ذلك الذي يحكم السودان – تنظيما وليس افرادا! ذلك، لأنك تفاديت قصدا او سهوا، النظر إليهم من عدة زوايا، حتي إفترضت جزافا، علي أنهم هم فقط من يحكمون السودان كمجرد افراد – تفاديا لذكر “المسكوت عنه” الذي ظل بالحكم منذ العام ١٩٥٨م، وقد أسميتهم (irrelevantently) بالمنظومة السداسية المكونة من: عمر البشير، طه الحسين، عبد الغفار الشريف، محمد عطا، محمد حمدان دقلو (الحشوة!!)، و بكري حسن صالح! فبهذه البساطة، اختصر كتاب الطاعون من يحكم السودان في ستة أشخاص فقط، بفترة محدودة ما بين ١٩٨٩م تاريخ انقلاب البشير و ٢٠١٨م تاريخ صدور ذلك الكتاب! بينما الإجابة تقتضي الإشارة لحوالي السبعة عقود، التي تمثل تاريخ السودان ما بعد الاستقلال، كفترة اتصفت بتداول الحكم بين ديمقراطية زائفة ودكتاتورية خانقة، لافراد قاسمهم المشترك ميولا وانتماءا لاقليم واحد! وهنا لا يمكن للصدفة وحدها ان تلعب دورها في هكذا تداول، ما لم يكن هذا التداول تنظيميا (Systemically) يدار عبر تنسيق وتنظيم متستر عليه، نتاجه وجود (الدولة العميقة – دولة ٥٦)، المعنية ههنا بالتستر وبذلك المسكوت عنه!
فعدا هذه الإجابة – المشخصة والكاشفة ل”دولة ٥٦ – طاعون السودان”، فان كل ما يقدم من أجوبة لذلك التساؤل، يعتبر مجرد تستر وتمويه علي حقيقة من يحكم السودان! فهذا الحاكم الفعلي، هو من يتخذ من بعض الأحزاب المتماهية مع تنظيمه السري، والانقلابات العسكرية مجرد وسيلة مبررة لأجل بقائه في السلطة، كما هي حال إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م – آخر إنقلاب عسكري في السودان، باذنه تعالي! أما تلك المنظومة السداسية المشار إليها أعلاه، وهي مجرد جزء من مشروع دولة ٥٦، فإنها هي من أرست واكدت حقيقة وجود الدولة العميقة في السودان بعدة شواهد – كان آخر منتجاتها، اللجنة الأمنية التي أدارت بنجاح بقاء مشروع الدولة العميقة مستمرا لما بعد تغيير الرئيس المعزول عمر البشير لحد الآن! وهذا الإستمرار برغم ما حدث من تغيير مصنوع برعاية اللجنة الأمنية ذاتها ومركزي “قحت”، هو ما يفسر بقاء دولة ٥٦ وليست تلك المنظومة السداسية – بأنها، لم تسقط بعد!
ختاما، ونحن نستعرض ذلك المسكوت عنه في جزئية من يحكم السودان والتستر عليه، بل وممارسة التغييب المتعمد فيه حتي لا ينكشف امره، فاننا بمراجعة التاريخ الطويل لدولته المسكوت عنها وانقلاباتها التي قامت بها وعليها، يمكننا المخالصة والانتهاء بالآتي:
أولا: إن انقلاب دولة ٥٦ بالعام ١٩٨٩م يمثل فترة إزدهار وتأسيس لدولتها العميقة التي بلغت به أوج قمتها، إلا أن إنقلابها في العام ٢٠٢١م والإصرار علي جعله امتدادا لانقلاب ١٩٨٩م، كان السبب لانحدارها، بل البداية الفعلية لنهايتها وضربة لآخر مسمار في صندوق نعشها!
ثانيا؛ نجاح الدولة العميقة في الموالفة التي التي اسست لنظام حكم عسكري من جهة وعقائدي إخواني من جهة أخري، هو ما يفسر حقيقة وطبيعة التحالف الوجودي الذي جمع بين العسكر في السودان وتنظيم الإخوان! وما تسربل دولة ٥٦ بمظهر تنظيم الإخوان، إلا ستارا لعدم فضح امرها وانكشاف حقيقتها بممارسة المسكوت عنه – لتبقي هي في السلطة، مستمرة فيها بالخداع والتمويه والتضليل!
ثالثا؛ الشراكة التحالفية التي نشأت في ظروف مدروسة ما بين دولة ٥٦ وتنظيم الإخوان في السودان، يعلم طرفاها انها قائمة علي المصلحة المشتركة للبقاء في السلطة. إلا أن طبيعة هكذه شراكة في ظل هذه الحرب الوجودية ما بين هذا الثنائي والدعم السريع، هي ما تجعل منها قابلة للانفضاض، خاصة وان أطراف هذه الحرب بثلاثتهم ومع من يساند ويعارض، كل له مواقفه وأجنداته الخاصة به عن غيره! عليه، فان الحرب الدائرة الآن، برغم ما فيها من مخاطر وتحديات تتجاوز أطرافها في الميدان، فان اتباع النظام البائد سيسعون جاهدين لأجل بقائهم في السلطة إلي تمديدها وتوسيع رقعتها، ما يستدعي تدخلا دوليا يجدون فيه الفرصة لإستمرارهم في الحكم.
رابعا: سيتفاجأ الشعب السوداني والمراقبون لتطورات البلاد الأمنية، بشئ من المماطلة، مقابل اي تسوية سياسية تتهي هذه الحرب الدائرة. فضغوطات المجتمع الدولي والاقليمي الساعية جميعها لإنهاء الحرب، هي ما تضع الطرف المماطل (البرهان-كرتي)، في تحدي هو في الواقع تهديد مباشر أمام تحالفهما وبقائه في السلطة! هذا التهديد المحتمل، يقدر فيه ان يطيح محسوبو الدولة العميقة بتنظيم الإخوان في الجيش، وهو ما سيفضي في افضل مساعي إحتوائه لضمان بقاء دولة ٥٦ في السلطة، إلي حدوث مفاصلة ثانية محتملة في هذه الشراكة، تنتهي ايضا باقصاء تنظيم الإخوان عن الساحة السياسية دون رجعة!
خامسا: ارتهان دولة ٥٦ وتحالفها الخطأ مع تنظيم الإخوان في السودان، هو الآخر ما يؤدي إلي نهايتها الفعلية – ميدانا وهيكلة عسكرية محتملة. وحتي تضمن بقاءها في السلطة، فالمرجح أنها ستناور ايضا بمماطلة ما، تقوم في إثرها – بشكل مقصود، بتعديل طابع الإستنفارات الجارية ودوافعها من جهادية إلى شعبية! هذا التعمد المقصود هو ما يرتب او يترتب عليه انتهاء الإستنفارات الشعبية وما فيها من استهدافات عنصرية، الي دخول الصراع في البلاد مرحلة الحرب الأهلية. وهي كمرحلة مدروسة، متوقع عندها أن تطالب دولة ٥٦، بوضع إقليمها تحديدا تحت حماية مصرية او السودان بكاملة تحت وصاية دولية!
ختاما، ذلك هو المسكوت عنه ومآلاته الماساوية وسيناريوهاته النهائية، وعقابنا لنا بالسكات عنه بتجنب مخاطبته واحتوائه! ونامل ان نكون قد استوفينا الحديث في المسكوت عنه، ونرحب باي تعقيب أو رد منكم، ولك (#فتحي_الضو) العتبي منا حتي ترضي 🍗