مقالات

.عبدالرازق أنقابو،،، يكتب :   اللجوء المحتمل للبرهان لخيار محور إيران  – أجندات إخوانية أم مصالح سودانية!

مراديس نيوز

 

. 08 نوفمبر 2023م

لبيان الصادر من وزارة الخارجية السودانية عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران وبدء تبادل السفراء ما بين الخرطوم وطهران بعد مقاطعة دامت لسبع سنوات، لهو خطوة في توقيتها الحالي، تحمل من الدلالات والمؤشرات، ما يدعنا للقول بأنها في إتجاه الحملة “البرهانية” للقضاء علي قوات الدعم السريع! هذه الحملة التي تبناها البرهان كأولوية، تبدت ملامحها اولا في إصراره الجازم علي مواصلة القتال لإنهاء وجود الدعم السريع من الوجود، وثانيا في آلية القضاء علي الدعم السريع المتمثلة عنده في الإعتماد علي استنفارات خلايا وكتائب الإخوان الجهادية في السودان!

هذه الآلية تعود مرجعيتها لتلك اللجنة الأمنية الإخوانية التي كونها البشير في آخر أيامه، والمستمرة هدفا ومضمونا حتي الآن بقيادة البرهان! فما قيامه – اي البرهان، بأول زيارة بدا بها لقائد كتيبة البراء الإخوانية الجهادية، بعد خروجه مباشرة من الحصار المضروب عليه بالقيادة العامة بالخرطوم، إلا دلالة علي مدي هيمنة تنظيم الإخوان علي قيادة الجيش بالسودان! ولمناسبة هذه الزيارة الإنتقائية لهكذا قائد مليشيا إخوانية جهادية، والبلاد تعيش بأسرها حالة حرب داخلية لم يشهد السودان لها مثيلا في عشوائيتها ومدي ظلمها وعدم اخلاقيتها، فانها بأية حال، لا تكون مجرد مجاملة “بلدياتية” لقائد أصيب في حرب، بينما هناك في ذات الوقت، مئات الجرحي من قادة عمليات وضباط وصف ضباط وجنود من الجيش بالمستشفيات – هم الأولي الأحق بالزيارة والتفقد، إضافة لآلاف الأسر التي ضاع بنوها في سبيل حرب ظالمة وغير اخلاقية، بين قتيل ومأسور ومفقود!

هذه المقدمة نصوغها كمحاولة من بين عشرات البراهين والمؤشرات الكافية دلالة لإثبات مدي إرتباط قيادة الجيش بتنظيم الإخوان في السودان. وبهذا الواقع المشاهد استعدادا لهذه الحرب، منذ إفطارات رمضان المقامة كيزانيا، وهذا التحالف المراد استعادته إخوانيا-ايرانيا، فان الظروف تتهيأ مواتية لسعادة الفريق البرهان، أن يقوم باستعادة العلاقات ببن السودان وإيران! هذا التحول المفاجئ في مقابل ما يجري بالمنطقة عموما من تطورات، لا يمكن ان يكون مجرد عودة لعلاقات دبلوماسية بين قطرين افترقا علي طلاق بائن، بقدر ما انه تجدد لذلك الماضي المتمثل في تحالف تنظيمي إقليمي سوداني إيراني! لكن هذا التحول البرهاني نحو إيران، برغم ما سيترتب عليه من مخاطر محتملة علي علاقة السودان بمحيطه العربي خاصة، فإن الضرورة الملحة لعودة العلاقات السودانية إيرانية، تقوم علي المصلحة المشتركة ببن رؤيتي البرهان ونظيره في إيران لهذا التقارب – المتمثلة في الآتي:

أولا: تعهد البرهان القاطع بالقضاء علي وجود الدعم السريع من الوجود، وقد فشل لحد الأن في تحقيق هذا الأمر داخليا وإقليميا، هو ما يدعه للتحالف مع أي كيان يقف معه في تحقيق هذا الإلتزام، وقد وجد ضالته في إيران – في مقابل؛

ثانيا: رؤية إيران لإستعادة علاقتها الدبلوماسية بالسودان، وما لذلك من طموحات واجندات ترجو إيران تنفيذها ونفاذها عبر السودان، هو ما يدعها للمغامرة – مرة أخري، بإرسال حرسها الثوري خارج حدودها، بديلا محتملا عن دولة جارة متوقع تدخلها عسكريا، إلا أنها ولمبررات حيادية وأسباب جوهرية، تفادت عملية الدخول مباشرة في الحرب الدائرة في السودان!

فطموحات إيران لا تتمثل فقط في تحصيل امتيازات عسكرية واقتصادية بساحل البحر الأحمر وغيره، بل في إعادة تحالفها بداية مع إخوان السودان، كحلقة ربط توصل ما بين ملاليها والحوثي وحماس وحزب الله في لبنان، وتخطي ذلك غربا لحدود السودان! لكن هذا التحول والانتحاء البرهاني نحو إيران، لا بد من أن يكون أمرا مستغربا، ودولة مصر هي الأولي من غيرها بالدخول في شأن السودان! كل ذلك يعطي دلالة قاطعة أن هدف البرهان بالقضاء علي الدعم هو عنده فوق كل شيء؛ فوق وحدة السودان، وامن وسلامة مواطن السودان، بل والمخاطرة بعلاقات السودان! عليه، فإن ما يجعل مصر تتريث في التدخل مباشرة في الحرب الدائرة في السودان، يمكن إجماله في النقاط الآتية:0

أولا: تردد مصر في التدخل عسكريا لحماية إقليم الشمالية لوحده، أو ترددها في قبول العرض المحتمل لضمه إليها، رغم إحتلالها لمثلث حلايب، يضع مصر تحت تهمة تقسيم السودان، ويسمها بوصمة عار مستديمة، حتي لا تكون هي في مقام إسرائيل – ككيان متهم حصريا بتفكيك وحدة البلدان الإسلامية، وتهديد امنها القومي وزعزعة استقرارها المجتمعي!

ثانيا: قتالها ضد طرف من أطراف الحرب يفقدها الحيادية الداخلية والإقليمية، ويعتبر مجازفة محفوفة المخاطر علي مستقبل علاقتها بالسودان عموما.

ثالثا: موقف جمهورية مصر تجاه تنظيم الإخوان المسلمين، باعتباره عندها تنظيما إرهابيا، يضعها مرة اخري في حالة إزدواجية معايير في تفريقها بين اخوان مصر واخوان السودان وهما جميعا إخوان، الأمر الذي يمكن ان تستغله معارضتها لخلق بلبلة لا يحمد عقباها في الداخل المصري!

رابعا: التفوق الميداني لقوات الدعم السريع، مع النظرة اللا عدائية للدعم السريع لمصر كدولة محورية وذات علاقة ازلية بالسودان وما يقابلها من نظرة مصرية معهودة لغرب السودان، هي ما تجعل مصر تتريث في مساندة الطرف الخطأ، الآيل للسقوط عاجلا أم آجلا!

ففي حال تعهدت إيران والتزمت بالتدخل عسكريا في السودان، في خضم هذه التطورات المتداعية – حرب غزة وتدخلاتها الإقليمية والدولية المحتملة – خاصة، من قبل تركيا وايران، فان هامش المناورة للبرهان لتجاوز ردات الفعل علي خطوته نحو إيران، ليضيق عليه، بسبب تحديات الشروط الإيرانية المحتملة، أمام تحقيق ما يصبو إليه خاصة مقابل تمدد المشروع الإيراني بالمنطقة. هذه التحديات تتمثل في الآتي:

اولا: مساومة مصر في اعادة نظرتها للحرب الدائرة في السودان لتكون هي البديل الطبيعي عن ايران في دخولها عسكريا للقضاء على الدعم السريع! وبما ان موقف مصر بدا انه متردد في السير مع البرهان وخطه الإخواني، فمن المحتمل جد والبرهان يفتح السودان لإيران، ان يفقد ميزة التعاطف المصري مع السودان، والقابل لفتور العلاقة ما بين مصر والسودان!

ثانيا: طبيعة العلاقات المحددة واستئنافها ما بين السعودية وايران، هي لعودة المصالح الاقتصادية بين البلدين لسابق عهدها! إلا أن طبيعة العلاقة ما بين تنظيم إخوان السودان وايران، هي ما تجعل السعودية، تعيد النظر في تعاونها مع السودان، تخوفا من ضغوط إيران المحتملة علي السودان بالإنسحاب من التحالف العربي في الحرب علي الحوثي!

ثالثا: ان ردة الفعل المحتملة من اي تقارب سوداني إيراني، علي مسعي البرهان لاقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ستكون اولا باجهاض عملية التطبيع الجارية، خاصة مع تحول السودان مرة اخري لنقطة عبور للاسلحة الإيرانية إلي حركة حماس!

ختاما، لا نعتقد ان البرهان بامكانه تجاوز هذه التحديات، ما لم يتنازل عن تعهده القضاء على الدعم السريع. عليه، فان اقل ما يواجه البرهان مقابل توجهه نحو إيران، هو تهديده المحتمل بانسحاب السودان من المشاركة في التحالف العربي في الحرب علي الحوثي، تحقيقا لأجندات الإخوان في السودان، فهلا سيفعل البرهان!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى