مقالات

ابو محمد يكتب : لماذا ينتظر الجيش عبارة (كِشْ مَلِك.. مات) ؟  (الإستسلام أرحم) 

مراديس نيوز

في لُعبة الشطرنج التي أُحبها و أمارسها مع بعض الأصدقاء، و هي لعبة فيها كثير من التشويق و الصراع الداخلي و النفسي و الحسابات و المفاجآت السارة و الحزينة و فيها الكثير من إحترام الخصم و الأدب و المتعة، أجدُ فيها واقعنا اليوم.

من أدبها المتوارث أنْ تستسلم لخصمك قبل أن يصل بك إلى مرحلة (كِشْ مات الملك) و ذلك إذا تفوّق عليك مادياً و معنوياً و خططياً و ذهنياً أثناء سير اللعبة (المعركة)، فتُدرك أنه من المحال تحقيق النصر عليه أو حتى الصمود أمامه (و إطالة أمد اللعبة ساكت) فتبادر بعبارة good luck و تُعلن هزيمتَك بنفسِك بروحٍ رياضية (عسكرية) عالية و أدب جميل… لتبدأ اللعبةُ (الحياة) من جديد بإسلوب راقٍ و بفرص جديدة مع الإستفادة من الزمن و معالجة الأخطاء السابقة التي أدت إلى الخسارة، و من ثم التسليم المبكر قبل (قتل الملك).

هذه اللعبة (الشطرنج) هي محاكاةٌ لما يحدث الآن في ساحة الحرب و القتال في السودان ما بين قوات الدعم السريع و ما عُرف بالجيش المُختطف و معه فلول النظام السابق و كثير من التنظيمات الكتائبية التي تتبع للحركة الإسلامية و حزب المؤتمر الوطني، ككتائب الظل و البراء بن مالك و المستنفَرين من الشباب المغيبين. و هؤلاء و أُولئك هم العِلةُ الرئيسية في إضعاف الجيش السوداني منذ إنقلاب الإسلاميين و تسليم القيادة لعمر البشير في يونيو 1989م و لمدة ثلاثين عاماً إعتمدتْ فيها الحركة الإسلامية على جيوشها الموازية تلك و أهملت قوات الشعب المسلحة مع التركيز على القيادات و الضباط فقط دون الإهتمام ببقية المنظومة العسكرية الدنيا و تدريبها و تسليحها و تغذيتها بالجنود و وبناء عقيدتها الوطنية و شحن معنوياتها القومية و تنويع مصادر ترشيحها و إختيارها من الهرم إلى القاع من جميع مناطق السودان المختلفة.

كل ذلك تم تجاهله بحساباتٍ خاطئة مبنية على نظرية أنّ القيادات الموالية للنظام سوف تصنع جيشاً موالياً. و عند الإحتقان السياسي و الإختبار الحقيقي للجيوش في ميادين القتال، تبيِّن أنّ ذلك الصنم المسمى القوات المسلحة قد جُرِّد تدريجياً من الروح، فلم يصمد عند المواجهة في هذه الحرب المستعرة منذ أربعة أشهر و التي تقترب كثيراً من مرحلة كِش ملك، و آخر مظاهرها هزيمة الجيوش المتعددة تلك في مدينة امدرمان صبيحة 8 أغسطس 2023م، و ما يليها من إنتكاسات للفلول ميدانياً و تفاوضياً.

لو أن هنالك أذكياء من اللاعبين في الجيش (الشرفاء)، لقالوا good luck للدعم السريع وأنْهَوا اللعبةَ فوراً كما صرح القائد محمد حمدان دقلو أنّ الحرب يمكن أنْ تتوقف خلال 72 ساعة فقط لتبدأ مرحلةُ رص القِطَع من جديد، كسباً للوقت و توفيراً للجهد و إستنهاضاً للأُمة و بناءً للوطن و إعماراً للمدن المدمرة و إصلاحاً لذات البَين.

أنّ الخسارة المادية للجيش المؤدلج أصبحت واضحةٌ للعيان، يدركها المراقبُ العادي فضلاً عن الإنهيارات المعنوية و عدم القدرة على المواجهة و الهزائم في جميع المعارك و الإستسلامات الكثيرة في مواقع متعددة و الإنحيازات المتتالية للقوات و الكيانات و المكونات الإجتماعية التي تشهدها الساحة السياسية و الحربية كل يوم.

لا يحتاج الجيش و فلوله اليوم ليصل لمرحلةِ أن يُقتل ملكه لكي يستسلم، فهذه نتيجة أصبحت حتمية نسبةً لقوة الخصم و تماسكه و مهارته و دِربته في اللعب، بالإضافة إلى القِطَع الكبيرة و المؤثرة التي فقدها الجيش من على رقعة اللعب. ( ففي الشطرنج إذا فقدتَ الوزير و الرُخ و الحصان وعدد من البيادق بينما خصمك الحصيف يحتفظ بها و يحتل مساحات و مواقع ممتازة على الرقعة)، فمؤكد أنه سيفوز عليك بقتل الملك أو الإستسلام (إتنين بس).

لذلك، و قريباً من هذه اللعبة التي تحتاج إلى ذكاء حتى في مرحلة الإستسلام، يجب على شرفاء الجيش أنْ يبادروا بمد اليد للخصم ليقولوا له “حظاً سعيداً” (مبروك)، في أدبٍ جديدٍ سيجد الإشادةَ من المواطن و العالم أجمع. إلا أنّ إذكاء روح الكبرياء الجريح و المفقود أصلاً، تمنع الجيش المكوزَن من مد اليد و الإعتراف بالهزيمة البائنة، في إنتظار موت الملك.

و المحصلةُ النهائية كما نراها هي هزيمة الفلول و موت الملك بلا كبرياء.

ابو محمد

10أغسطس 2023م

الخرطوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى