الأخبار

أبو محمد يكتب: البدايةُ بالقضاء المستقل والنيابة النظيفة والشرطة الوفية

مراديس نيوز

(مافي عدالة مافي حكم)

كان التركيزُ عالياً في الفترة التي سبقت الحرب و أثناء الحرب على ضرورةِ تنظيف الجيش و الأجهزة النظامية والأمنيةِ من مدمني السياسة ومنتسبي الأحزاب و المذهبيين والكتائبيين، الذين إنحرفوا بهذه الأجهزة عن وظائفها و مهامها و أهدافها الوطنية الأساسية، و الذهاب بها إلى وجهةٍ تخدم الحزب المعني دون مراعاةِ حق الوطن و الدولة و الشعب.

ذاتُ الممارسة التي خرَّبت الجيش و أودت به إلى هزائمَ نكراء أمام قوات الدعم السريع، ليس آخرها ما حدث في ولاية جنوب دارفور و حاضرتها نيالا حيث تم إنهاء أدلجة الجيش إلى الأبد و فتح عنواناً جديداً للجيش القومي ليصون أرض الوطن و يدافع عن الشعب و ليس دميةً في يد الحزب و التنظيم السياسي. جيشٌ واحد موحَد موحِد متحد يحتفظ بمسافةٍ واحدةٍ من الجميع و يحفظ جميع مساحات السودان من الأعداء الطامعين. هذا المسعى كان هدفاً طرحه قادةُ قوات الدعم السريع، و رفضه عناصرُ النظام الإسلاموي البائد، فقامت الحرب كمحاولةٍ عنيفةٍ سعى من خلالها التنظيمُ الإسلامي الإرهابي فرْضَ كرؤيته بالسيطرة على مفاصل الدولة مستخدماً عنصري الجيشَ و العدالة المائلة، فإنهزم في الميدان بعنصر الجيش.

أمّا العدالةُ المائلة، فهي الأخرى إحدى أسس البلاء في الدولة السودانية. بمثلما سيطر المتأسلمون على الجيش، سيطروا أيضاً على الأجهزة العدلية و خاصةً القضاء و النيابة.

لا تقوم الدولة – أيةُ دولة – ما لم تكن فيها العدالة وأزرعها المختلفة نظيفةٌ و متينةٌ و مستقلة. و أحدُ أسباب حربنا اليوم هو فُقدان العدالةِ وإنهيار القيمةِ العدلية في الدولة بسبب العبث الذي لحِقَ بها بقصدٍ خلال حكم الإخوان المسلمين.

إستطاع الإخوان المسلمون تجييرَ العدالةِ لصالحهم و تجييرها ضد خصومهم عن طريق التخلص من كل القضاة و وكلاء النيابة الوطنيين المستقلين النزهاء و الإتيان بعناصرهم المؤدلجة، كما فعلوا مع الجيش و الشرطة و جهاز الأمن و جهاز المخابرات، وإنتهى بهم الأمر إلى الفشل العسكري و الإستخباري و العملياتي كنتيجة حتمية لإنعدام البعد الوطني لهذه الأجهزة وبروز روح الحزب و الجماعة و الجهة و التنظيم فقط.

إنّ عناصر العدالة و أعمدتها من شرطة بلاغات و قبض و تحريز و مباحث و تحري و نيابة عامة و محامين و قضاة بدرجاتهم المختلفة و محاكم إستئناف و محكمة عليا و محكمة دستورية و مجلس أعلى للقضاء، كل هذه المنظومة معني بها تحقيق العدالة بين الناس و بين الجماعات و بين أجهزة الدولة و حفظ الحقوق للافراد و للدولة و الحق الخاص و الحق العام. و عندما تميل هذه الركائز الأساسية في الحكم بتعيين كوادر ذات إنتماء حزبي محدد بغرض خدمة حزبها على حساب العدالة المطلقة للجميع، فلابد أنْ ينهار الجهاز العدلي الحقوقي و يلحق بالجهاز العسكري الأمني و هذا ما حدث.

الآن تحتاج الدولة أن تبدأ باكراً في إحياء هذه الركيزة العدلية الأساسية و إنشاء الأجهزة العدلية كاملة من أبناء الوطن من القضاة الشرفاء المستقلين و وكلاء النيابات الخلص و رجال الشرطة الأنقياء. بعيداً عن المتحزبين و المؤدلجين، بحيث تصبح العدالة في السودان الجديد موثوقٌ بها لتؤدي دورها بإستقلالية و حيادية مقنعة للظالم قبل المظلوم و المذنب قبل البريئ. عدالةٌ يجد فيها كل ذي حق حقه كاملاً ويجد فيها كل مذنبٍ النصيب الذي يستحقه من العقاب. عدالةٌ لا تستقوي بها الدولة على المواطن و لا حزبٌ بعينه على المجتمع و لا من يملك الثروة على الفقراء. عدالةٌ تكون مشرِّفة لنا أمام الأُمم الأُخرى التي تعاقب حكامها و رؤساءها الذين يخالفون القانون و يتجاوزونه دون مراعاةٍ لمناصبهم أو مكانتهم الإجتماعية. عدالةٌ لا تمنح حقَ الدولةِ و المجتمعَ لشخصٍ بعينه دون وجه حق ليتكسب من ورائه و يثري. عدالةٌ تقود برهانَ و زمرته إلى حبل المشنقة، طالما إرتكبوا كل هذا الدمار بشنهم لهذه الحرب. عدالةٌ تمكّن المستأنفَ المحق من نيل حقِهِ كاملاً إذا ظُلمَ في محكمةِ الموضوع. عدالةٌ تمنح النائبَ العام قوةً مطلقةً لمواجهة كل ظالم و تُعطي المراجعَ العام حقاً مطلقاً لمواجهة كل فاسدٍ حتى لو كان رئيس الجمهورية. عدالةٌ تمكن المحكمة العليا من تأييد حكم الإعدام رأس الدولة. عدالةٌ تنجزُ الأحكامَ بالسرعة المطلوبة و دون مماطلةٍ أو إبطاء مقصود أو تسويف أو تأخير بغرض إضاعة حق أحد الأطراف.

و نحن نتنسمُ رائحةَ الإنتصار و نشتمُ نكهةَ هزيمة مشروع الفلول الظالم، نعشمُ بأنْ تبدأ السلطاتُ المسيطرة على الأرض في تكوين جهاز عدلي نظيف و قوي و مستقبل و نزيه، يباشر ووظائفه في مناطق السيطرة، فالحياة لا تمضي بلا عدالة. فراغُ العدالة يعني إستشراء الظلم و ضياع الحقوق. أهيبُ بأبناء الوطن الشرفاء من وكلاء النيابة و القضاة و الشرطة المستقلين، بالداخل و الخارج، التقدم بمبادراتٍ عملية عاجلاً و النزول إلى الأرض لإقامة العدل بالتنسيق مع قيادات العمل الميداني في قوات الدعم السريع التي توفر الأمن و البيئة العدلية.

ابو محمد

29 أكتوبر 2023م

الخرطوم

# *تداعيات طيبة للنصر في نيالا*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى