تسخر الشعوب الأخرى من الشعب السوداني باستمرار، وذلك لأن الشعب السوداني يكذب ويصدق كذباته ويجعلها حقيقة، ويريد أن يتعامل العالم مع كذباته كحقيقة. وهكذا يفقد الشعب السوداني خاصية التعلُّم وتصحيح الأخطاء والتطوير ويكتسب سخرية الآخرين. وللأسف فإن السياسيين السودانيين هم أجهل خلق الله، ولذلك فهم يفضحوننا أمام العالم الخارجي، العالم الذي يزن كل كلمة وجملة بميزان من العلوم الإنسانية والطبيعية والاجتماعية. كالقانون وعلم النفس وعلم السياسة والاقتصاد..الخ. لا يختلف جهل الساسة السودانيين بمختلف درجاتهم، فسفير السودان في ليبيا والذي قال بأن حمدوك “إلا يقوم بعاتي”، فضحك منه العالم، لا يختلف عن غندور الذي قال بأن المحكمة الجنائية “ولا دولية ولا حاجة”. جهل غندور بمعنى دولية أضحك الوزراء والسفراء الدوليين، لأن غندور كان يعتقد ان صفة الدولية على الكيانات لا تنسحب إلا على تلك التي تندرج تحت الأمم المتحدة، ويجهل أن أي كيانات تكون دولية وتكون من ثم من أشخاص القانون الدولي العام إذا تشكلت من أطراف دوليين. تخيل عندما يسمع وزير مصري أو مغربي أو أردني او لبناني كلام الجاهل غندور.. فماذا سيكون رد فعله. وأغلب الوزراء العرب هم علماء وخاصة في القانون الدولي؟
نفس الأمر حين يطلب البرهان البارحة من المجتمع الدولي اعتبار الدعم السريع مليشيات ارهابية. هو جاهل بأن العالم لا يسمع الكلام غير العلمي، ويعتقد البرهان -كما هو سائد عند السودانيين- أن جهله هو الصواب وأن العالم يجب أن يفهم مثل فهمه.
يجهل البرهان أن هناك عشرات المؤتمرات الدولية التي انعقدت (فقط) لوضع تعريف للارهاب، وفشلت في أغلبها في حسم هذا التعريف. تخيل أن دول كفرنسا وأمريكا والصين وروسيا -وهي دول لها ثقلها- لم تستطع اعتبار أعمال المقاومة الفلسطينية أعمالاً إرهابية حتى الآن، لأن المسألة ليست بهذه البساطة التي يتصورها البرهان. تظل معضلة القانون الدولي العام هي مشكلة وضع حدود للمصطلحات بدقة، لأن العالم لو كان يشتغل بفوضوية البرهان والشعب السوداني لما كان هناك اليوم انتاج معرفي وصناعي وتكنولوجي..الخ.
هذا العالم دقيق جداً، ولديه حساسية عالية تجاه المصطلحات، وتجاه الجُمل، فعندما يقول وزير أمريكي جملة (الحرب الفلسطينية الإسرائيلية)، فهذه مختلفة تماما عن (الحرب الإسرائيلية الفلسطيني). فوضع كلمة فلسطين قبل اسرائيل تعني أن الفلسطينيين هم من يتحملون المسؤولية ابتداءً وأما إسرائيل فتدافع عن نفسها. وهكذا. لو أن كل جيش انهزم فصرخ قواده وهم يهربون إلى بورتسودان مطالبين باعتبار عدوهم إرهابياً لاصبحت أغلب جيوش العالم إرهابية. وجهل البرهان أوقعه في شرك الحديث عن الإرهاب، رغم أن صفة الإرهاب قد تكون أكثر التصاقا بالجيش من الدعم السريع، لأن الجيش تقاتل معه مجموعات متطرفة وشخصيات معروفة عالمياً بارتباطاتها بتنظيمات القاعدة كسامي الحاج الذي قتل قبل أشهر وأنس عمر ومحمد الجزولي الداعشي، وككتائب البراء وغيرهم. في حين لا يوجد أي متطرفين دينيين لدى الدعم السريع. كما أن جهل البرهان اوقعه في شر أعماله حين تحدث عن جرائم الحرب، فجرائم الحرب أتهم فيها الجيش نفسه في حقبة البشير، وخاصة قصف المدنيين بالطائرات، وكذلك جرائم الحرب المسجلة بالصوت والصورة في جبال النوبة. هذا ناهيك عن التاريخ الطويل للجيش في ارتكاب جرائم حرب في جنوب السودان والنيل الازرق..الخ، وكان المتهم الأول في المحكمة الجنائية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير عمر البشير، بل أن البرهان نفسه له تاريخ طويل في تسليح بعض القبائل في دارفور، والإشكالية ان كوشيب الذي سلم نفسه للمحكمة الجنائية، ورط العديد من ضباط الجيش في التحقيقات، وهناك معلومات بتوسيع لائحة الاتهام والمتهمين في المستقبل القريب.
فلماذا يذكر البرهان العالم بجرائم الجيش، ولماذا يتحدث عن جرائم الحرب وهي راسخة في مضابط تاريخ الجيش؟
شيء غريب.