د. اسامة محمد جمعة داؤد يكتب: إسهامات سانت بيف في النقد والأدب المقارن(7)

هجر الأديب الفرنسي سانت بيف عالم الطب إلى دنيا الأدب وكان أثر النهضة العلمية واضحاً في جميع كتاباته الأدبية والنقدية:
فقد كان يرى أن وظيفة النقد الأدبي النفاذ إلى ذات المؤلف ليستشف روح الكاتب أو الأديب من وراء عباراته بحيث يفهمه القراء ، وكان سانت بيف يطرح بعض الأسئلة للنفاد أكثر إلى ذات الأديب منها : ماذا كان رأيه في الدين؟ وأي انفعال يحسه إزاء الطبيعة ؟ وما تصرفه إزاء النساء ؟ وسلوكه بالنسبة للمال ، ومواطن ضعفه. وكان سانت بيف يتتبع حياة الكاتب الشخصية والعائلية مستنطقاً عائلته وتلاميذه وأصدقائه ، وأعدائه .
وكان سانت بيف في منهجه النقدي يربط بين حالة المؤلف المرضية والطبيعية ودلالة الصور التي يستخدمها على حواسه .
وقد وضع سانت بيف أسساً لنظرية النقد المحايد أهمها : أن لا يكون النقد شخصياً حتى يستطيع الناقد أن يحلل نفوساً تختلف عن نفسه ، وعدم التقيد بمذهب ، وعدم الأدعاء الفني بمعنى أن لا يفرض الناقد أسلوبه كما لا يفرض نفسه على الأديب.
وقدم سانت بيف للنقد الأدبي وللأدب المقارن نظرية التاريخ الطبيعي لفصائل الفكر التي تنص على تقسيم الكتاب إلى طوائف بحسب الوشائج التي تجمعهم مثلما يقسم العلماء الحيوانات والنباتات إلى فصائل.
وهذا العمل يتطلب احصاء الأدباء وتحليل شخصياتهم ، ثم عملية تركيب توزيع الكتاب إلى طوائف وهذا ما لم يتسع له عمر سانت بيف لذلك ترك لنا عدداً من التحليلات ، لكن سانت بيف يؤكد أن تنفيذ هذه النظرية ممكن لأن الاسر التي تنتهي إليها العقول البشرية ليست مفرطة، وإذا بحثت عن طبائع العقول المختلفة تجدها تنتمي إلى نماذج وأصول رئيسية ، ومعرفة أحد المعاصرين قد تفتح لك مجالاً لمعرفة طبقة من الموتى التي ينتمى اليهم.
ويلعب التاريخ دورا محورياً في تحقيق النظرية لأنّ تصنيف العقول يقتضي مقارنتها ، بعد التعرف عليها الذي يقتضي الرجوع إلى التاريخ.
وقد قسم سانت بيف في كتابه (يوريال) رجال الأدب إلى فصائل وكل فصيلة لها مميزاتها وصفاتها وأخذ على مدى 25 عاماً يدرس الأدباء أديباً تلو الآخر ،ويوضح معالم كل أديب وما يميزه .
وقد لعب سانت بيف دوراً ريادياً في الأدب المقارن عبر محاضرات الأدب الالماني التي كان يقدمها للفرنسيين ، ومحاضرات الأدب الفرنسي التي كان يقدمها في بلجيكا ، ومحاضرات الأدب اللاتيني التي قدمها في الجامعات الفرنسية والبلجيكية ، ونظرية التاريخ الطبيعي لفصائل الفكر التي ستقود حتماً إلى البحث عن عناصر تكوين الكاتب خارج نطاقه الثقافي فربما ينتمي إلى أسرة عالمية.