آداب

د. أسامة محمد جمعة داؤد يكتب ..شعر المهجر- (خصائصه ، وعناصره ) (5)

مراديس نيوز

لقد تبنت رابطتان في المهجر تجديد الشعر العربي وتصديره إلى المشرق وهما الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية ،فقد تكونت الأولى في امريكا الشمالية والثانية في امريكا الجنوبية ، وكانت أهم مصادر التجديد لديهما تتمثل في التراث العربي ، وما فيه من تجديد من لدن أبي نواس وحتى مدرسة الديوان ، والغربي الانجليزي والروسي الذي تأثروا به.
وقد تميز شعر المهجريين بعدة خصائص في الشكل أهمها : السهولة والوضوح ، وعدم التقيد بقواعد النحو والصرف ، والوحدة العضوية ، وعدم الالتزام بالوزن والقافية ، والإكثار من استخدام الشكل القصصي.
وتميز شعرهم من حيث المضمون ببعض الخصائص أهمها: التأمل في الطبيعة وتشخيصها وبعث الحياة والحركة فيها ،والحيرة والقلق الناتج من خيبة أملهم في الاصلاح المنشود ، والميل الى التعبير بالرمز مثل قصيدة خليل جبران (البلاد المحجوبة) التي ترمز إلى العالم المثالي وقصيدة إيليا أبو ماضي (النخلة الحمقاء) ، وهي ترمز لمن يبخل على الناس بخيره وفضله فيكرهونه ويضيقون عليه، كذلك تميز شعرهم بالنظرة الروحية والتأمل في النفس والحياة والانسان والكون قال إيليا أبو ماضي:
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
وينظر المهجريون للحياة نظرة تسامح ورحمة وحب ورغبة في نشر المثل العليا التي يؤمنون بها قال إيليا أبوماضي:
قال قوم : إنّ المحبّة إثم ! ويح بعض النفوس ما أغباها
إنّ نفسا لم يشرق الحبّ فيها هي نفس لم تدر ما معناها
وتضمن شعر المهجر عدة عناصر أولها الوزن والقافية وقد كانوا يرون أن القافية لا أهمية لها في الشعر لانها تعوق الشاعر عن التعبير عن هموم الانسانية وقضايا المجتمع والتطورات الجديدة ، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى التصنع والتكلف ووضع الكلمات في غير مواضعها، وقد نوّع المهجريون في القوافي فأكثروا من استخدام القافية المزدوجة والرباعية والسداسية ، أما العروض فنددوا بها وقال ميخائيل نعيمة في الغربال إن العروض أساء إلى الشعر العربي لأنه جعله صياغة إذا أحاط الشاعر بكل تفاصيلها أصبح شاعراً وقال نعيمة أن الخليل عندما جمع أوزان الشعر وزحافاته اراد الخير للغة العربية ولم يفرض على أحد التقيد بها.
أما العنصر الثاني فهو العاطفة ونجد انضج عواطفهم وأصدقها عندما يعبرون عن النزعة الانسانية وتعاليم المسيحية والشعور بالظلم والبطش الذي تسبب في مغادرتهم للبلدان العربية وعندما يعبرون عن الحنين الى الوطن وغربتهم النفسية والمكانية معا.
أما العنصر الثالث فهو الخيال وهم يرون من الضرورة بمكان أن يمتلك الشاعر عيناً ثالثة وهي العين الروحية والخيالية التي يستطيع بواستطها أن يرى الكون ويفسر الحياة وفقاً لرؤيته.
أما العنصر الرابع فهو الأسلوب وأهم خصائصه الميل إلى الحرية والطلاقة في التعبير ، ويبدو ذلك جلياً في محاولاتهم الخروج عن القافية وعن التقيد بقواعد اللغة ،وكذلك الميل إلى الالفاظ التي لها علاقة بعناصر الطبيعة كالبحر والصحراء والصبح والليل …بالإضافة إلى تجسيم المعنويات أو منح الطبيعة صفات إنسانية مثل البحر الغضوب والماء الحزين والشفق الباكي ، والسماء الكئيبة والفجر الضحوك.
وهناك عدة عوامل أثرت في شعر المهجر أهمها الاغتراب الذي جعل الحنين قاسماً مشركاً في أكثر قصائدهم ، بالاضافة إلى مناخ الحرية في المهجر ، وفكرة القومية التي تسربت إليهم ، والتأثر بالثقافات الأجنبية والحركات الفكرية التي هزت بعض قناعاتهم بالأدب العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى