بدأ عشرات الكتاب حملة شرسة ضد الجنرال حميدتي لأنه تمسك بالعهد والميثاق الذي حمله إلي التوقيع عليه قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي فكر وقدر ثم جلس مع الحرية والتغيير المركزي واتفق معهم في غيابه ،ثم أنبأه لاحقاً بان المؤسسة العسكرية سوف تعود إلى ثكناتها وتخرج من عالم السياسة ، ..لم يتردد حميدتي في مباركة أمر ارتضى به قائده ولكن أكد على ضرورة الالتزام بالعهد والميثاق.
اليوم وبعد أن بلغ الأمر زروته وتجاوزت أخباره الحدود القوميه وشارف الاتفاق على نهايته، يحاول القائد الأعلى أن يسوق الجنرال حميدتي سوقاً حميداً ليبادر بالتنصل عن الاتفاق ولكن الجنرال حميدتي تعلم من الأيام وأدرك أنه لن يلدغ مرتين .
وقد كانت زرقاء اليمامة تحدثنا أن القائد الأعلى قد حل ضيفاً على الشيخ الجد في رمضان الماضي وبارك مبادرته وشجعها وعندما بلغت زروتها ، قعد منها مقعداً قصياً ، وانسحب دون أن تدركة الأنظار للاتفاق مع المجلس المركزي، واستطاع أن يستغفل الجنرال حميدتي ليعلن أمام الملأ مايشير بعدم قبوله لمبادرة الجد ، ليخلّصه من العهد الذي قطعه مع (الجد) ويفقد حميدتي انصاره المتصوفة في معركة رسمت له بدقة، وحفرة حفرت له ليقع فيها، ويريد القائد الأعلى أن يستغفله للمرة الثانية ليفقده أنصاره من الحرية والتغيير.
وتُحدّث الزرقاء عن الهجوم على الحركيين فتقول أن حميدتي لم يبتدر الهجوم على الحركيين، بل بدأه القائد الأعلى في (معسكر حطاب) ، وقد وضع الاسلاميون أياديهم في آذانهم وكأنهم لم يسمعوا شيئاً ، ولكن عندما سار حميدتي على درب القائد الاعلى ونفذ سياسته في الهجوم على الحركيين تكالبت عليه أسافيرهم ومزاميرهم وقلبوا الدنيا رأساً على عقب (بتعييره وشتمه)
هذه كلها محاولات اغتيال مدبره من أصدقاء الأمس ورفقاء اليوم، وهي امتداد للخطط الأربعة الفاشلة التي دبرت بعد نجاح الثورة للخلاص من حميدتي بإغتياله معنوياً أو جسدياً ولكنها فشلت بقدرة الواحد الأحد ، وهذه الخطط رسمتها جهات مجهولة( ) (لدينا) لم يعجبها التقارب الذي بدا بين الثوار والدعم السريع ، ومن هنا بدأت التخطيط (لعكننة) الأجواء لفك الإرتباط بينهما . وكانت الخطة الأولي ” تقضي باستدراج القائد حميدتي لساحة الاعتصام بحجة الحديث إلى المحتجين، ومن ثم اغتياله من على البعد بواسطة قناصة داخل ساحة الاعتصام، وبعدها يتم اتهام الثوار باغتياله، وبالتالي إحداث وقيعة بين المعتصمين وقوات الدعم السريع تنتهي بالعنف و”لكن المخطط فشل” ( ) ، لأن الجنرال حميدتي لم يأت لمكان الاعتصام أما الخطة الثانية فكانت تقضي بتحريض الثوار للهتاف ضد قوات الدعم السريع في ساحة الاعتصام واستفزازهم وجرهم للعراك مع الثوار ولكن القائد حميدتي أدرك هذا المخطط وأصدر الأوامر لقواته بأن لا “تستجيب للاستفزازات وأن تتحلى بالصبر”( .( وقال لقواته بأسلوبه (البسيط) “لا ترشوا الناس حتى بالمياه”( ). ووجههم بمد حبل الصبر للمعتصمين، وحتى لو فعلوا أخطأءً تقتضي التدخل( ). ، وأكد قبل ذلك “في مقطع مصوّر أنه لن يرسل قواته لتفريق الاعتصام” (.(
أما الخطة الثالثة فكانت تقضي بقنص قوات الدعم السريع والثوار معاً باستخدام مندسين لتنفيذ هذه المهمة لإثارة الوقيعة بين الطرفين ولكن القائد حميدتي أدرك ذلك المخطط لا سيما بعد أن تم قنص عدد من أفراده، وظل يحذر من خطر المندسين في كل خطاباته
أما الخطة الرابعة التي لم ينتبه إليها القائد حميدتي هي (مخطط كولمبيا) الذي يقضي بفض الاعتصام ليتحمل وزره الدعم السريع ، وهذا ما أشار إليه حميدتي في قوله: ” أنّ فض الاعتصام فخٌ نصب لقواته” ( ) وقوله :” لو كنا نعرف أن كولمبيا ستكون مدخلاً لمخطط يتم تنفيذه لما اقتربنا منها ، وأبقينا عليها رغم ما فيها من سلبيات”( ) وقوله : إن “هنالك شخصاً خطط لفض الاعتصام ويجب الوصول اليه ( ) ، ولم يدل القائد دقلو بأي تفاصيلٍ عن ما يعنيه بالفخ ، وماهيته وما الجهة التي نصبته ، لكن الناطق الرسمي باسم الدعم السريع العميد ركن جمال جمعة أكد حينها:”أنّ الدعم السريع قد تعرض للطعن من الخلف في حادثة الاعتداء على ميدان الاعتصام”( ) .
لذلك فإن موقف حميدتي الذي أعلنه ليس جديداً ، فقد كان الى جانب الثوار منذ بداية الثورة عندما استدعى قوات الدعم السريع للخرطوم، لحماية المتظاهرين، وقال في حوار مع جريد الشرق الأوسط “لم يكن الرئيس أو غيره يعلم بالأمر”( .(
وقد أسهم الجنرال حمدتي إسهاما كبيراً في نجاح الثورة عندما رفض المشاركة في قمع التظاهرات واشترك مع بعض رفاقه العسكريين في عملية تجريد الجنود من سلاحهم، ومنع استخدام الرصاص والتصدي للمخطط الذي كان يحاك لإحداث عمليات قتل بشعة وواسعة وسط الثوار( )
وأبدى الجنرال حميدتي ” تعاطفه، (في كلمة أمام قواته ) مع آلاف المحتجين الذين تدفقوا على الشوارع في ديسمبر/ كانون الأول، 2019م مطالبين بالغذاء والوقود والقضاء على الفساد وانتقد المسؤولين قائلاً: إنهم يأخذون ما ليس من حقهم.( ) وأظهر الجنرال حميدتي تمايزاً عن باقي رجالات نظام البشير حيث وجه في أكثر من مناسبة انتقادات للحكومة متهماً إياها بالتقصير ومطالباً بضرورة محاسبة المتورطين في الفساد والذين يطلق عليهم في السودان “القطط السمان(. )
وقطع الطريق أمام الانقاذيين بقوله: إنّه “لن يطلق طلقة واحدة تجاه المُعتصمين السلميين، وإنّ مهمة بندقيته تتلخص في الحفاظ على امن البلاد واستقرارها من التفلتات الأمنية الداخلية والعدوان الخارجي( ).
وبات الجنرال حميدتي الرقم الصعب في المعادلة السودانية، حيث إنه كسر شوكة النظام قبل سقوطه بنحو 100يوم حين أعلن عصيانه على الرئيس البشير بالانحياز للمتظاهرين( )
وكان الجنرال “حميدتي” أحد القادة الذين طالبوا البشير بالرحيل بحديث مباشر معه، وظهر في مقطع فيديو قال فيه إن البشير أمره بالتعامل الخشن مع المتظاهرين وقتل الآلاف منهم لكنه رفض هذا الأمر وطالبه بالرحيل( )
وعقب إعلان الجنرال عوض بن عوف رئيساً للمجلس العسكري، “قرر عدم المشاركة في المجلس العسكري إلى حين الاستجابة لمتطلبات الشعب والبدء فيها”.( ).
وأصدر بياناً رفض فيه ضمنياً ما جاء به عوض بن عوف ، وطالب بفترة انتقالية لا تزيد عن سته أشهر ، كما أصرّ على تشكيل مجلس انتقالي عسكري مهمته إنقاذ الوضع الإقتصادي ، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنيين ، وتشكيل حكومة مدنية يتم الاتفاق عليها بواسطة القوى السياسية ( ) ويقال أن الرئيس الأول للمجلس، عوض بن عوف استقال بعد 24 ساعة لاختلافه مع الجنرال حميدتي، الذي فضّل عليه الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان.
وبعد نجاح الثورة عمل حميدتى على حمايتها من الانقلابات فرفض مليونيات تفويض الجيش لإستلام السلطة ، وقال في مُقابلة مع قناة “سودانية 24”: “لن نسمح بأيِّ انقلاب على حكومة الثورة وقد تواثقنا على ذلك”، ووصف الداعين لمليونية تفويض القوات المُسلّحة بـ”الثورة المُضادة وأعداء الشعب”، وأضاف: “نقول لأصحاب الدعوات لمليونية تفويض القوات المُسلّحة، …لن نسمح بانقلاب). )
وقد أشـار المحللون والخبراء السياسيين إلـى دور الجنرال حميدتي فـي إنجـاح ثـورة ديسمبر، ومنهم الكاتـب والمحلـل السياسـي د. عبـده مختـار الذي قال ” لولا انحيـاز دقلـو للثـورة لوقعـت ضحايـا كثيـرة” ، وقال الخبيـر الاسـتراتيجي الفريـق ركـن محمـد بشـير سـليمان ” أن انحيـاز دقلـو للثـورة منـذ بدايتهـا له إيجابيـة داخليـة وخارجيـة علـى الثـورة”( ) .وقال غندور” : الفريــق اول محمــد حمــدان دقلــو (حميدتــي) لعــب دوراً كبيــراً فــي التغييــر ولا يزال يلعــب دوراً كبيــراً فــي اســتتباب الأمــن ” ( ) ..هذا هو موقف حميدتي لم يتغيير من بداية الثورة وحتي الآن .