ثوره ديسمبر التي أطاحت بأكثرالأنظمة بقاءً علي كرسي الحكم في السودان منذ الاستقلال لم تكن ثوره طبيعية، فقد خرجت فيها الجموع الهادرة وجابت شوارع العاصمة والولايات ولم يبق بالمنازل أحد .. فقد خرج الشباب والشابات والرجال والنساء والشيوخ حتي الأطفال خرجوا ولم يكن الخروج يوماً أو يومين بل استمر الخروج أياماً وليالي . ولم تخيف الناس حينئذ دوريات الشرطة ولات اتشرات الجهاز ولا مدرعات الجيش، فقد خرج هؤلاء الناس وهم يحملون أكفانهم في أياديهم ..كانت ثوره ديسمبر ثوره مختلفة عن ثورات الربيع العربي وما اعقبه من ثورات علي مستوي العالم العربي والإفريقي.
وقد اختلفت الآراء حول هوية الثوار الذين خرجوا إلى الشارع فكانت أصابع الاتهام تشير تارة إلى الغرب ، وتارة إلى الحركات المسلحة المتمردة ولكن من أغرب الروايات وأكثرها صدي في نفسي تقول أن أبناء الحزب الحاكم ثاروا ضده بسبب تقسيم كيكه السلطة وممارسة الفصل التعسفي والإقصاء..
والراجح أن الانقاذ تآكلت من الداخل وتطاحنت قياداتها حول السلطة والثروه وأسهم أهلها في زوالها بانشغالهم بالخاص عن الشأن العام .واجتمعت هذه الأسباب وغيرها فكان السقوط مدوياً.
ولأن المشهد كان معقداً بسبب تسييس الانقاذ للمؤسسة العسكريه وتجييرها لمصلحه الحزب الحاكم برزت مشكلة رأس الدولة فلم يبارح الثوارم بني القياده حتى سقط الرأس الأول وتنحى الثاني ، وقبلوا بالثالث لأن الجنرال حميدتي الذي لقب بالضكران حينها كان ضامناً له وبهذه الضمانة أصبح البرهان رئيساً وحميدتي نائب له ..
استمرت هذه الثنائية لمدة اربعة أعوام مضت وهي تتأرجح مابين طيات ظرف قاهر تتلاطمه الأمواج ولقيا تعززها الأهداف ، يتقاطعان أحيانا ويلتقيان في أحايين أخرى ،وتتجاذبهما سياسات الخارج ويتصارعان مع الواقع من الداخل ..لكنهما يمسكان بأطراف اللعبة جيدا ً فيصيبان احياناً ويخطئآن في أحايين أخرى ..
ومابين محرقه السنين العجاف التي قضاها الرجلان في المحافظة علي القليل من الأمن والاقتصاد يقع البرهان في الفخ الكيزاني اللعين والذي طالما حاول أن يتبرأ منه وإن ينفي الاتهامات التي تنتاشه بشأن تعاطفه معهم وحمايته لمصالحهم ليخرج بالأمس القريب عن عهده الذي قطعه مع رفيق دربه الذي كان حامياً له من التيارالثوري الجارف ويأخذه الحنين إلى الكيزان الذين استطاعوا أن يقنعوه بابتلاع الطعمة وزرعوا الفتنة بينه وصاحبه..ليخرج بتصريحات لاتنم عن خير لهذه البلاد ، ويرسل رسائل واضحة لا يدركها إلا أعمي البصيرة