آداب

د. أسامة محمد جمعة داؤد يكتب …الرؤية الأمريكية للأدب المقارن (٢)

مراديس نيوز

رفض النقاد الأمركان القبول بمنطق المدرسة الفرنسية الذي ينظر للأدب الامريكي بأنه جزءاً من الأدب الانجليزي المنتج في انجلترا أو تابعاً له نسبة لاختلاف البيئة الاجتماعية بين الدولتين.
ومنذ بداية الخمسينات من القرن الماضي بدأ النقاد الأمركان في محاولات التصدي لمفهوم المدرسة الفرنسية وتغيير مفهوم الأدب المقارن ، وقد استطاع رينيه ولك أن يضع النواة الأولى لهذا التغيير المنشود عندما قدم بحثاً في المؤتمر الثاني للجمعية العالمية للأدب المقارن في عام 1948م ، ووجه فيه نقداً لازعاً للمدرسة الفرنسية التي طبعت الأدب المقارن بالروح الوطني والعنصري والسياسي وجعلته مكملاً لتاريخ الأدب.
ولم يمض الكثير من الوقت حتى وضع الناقد الأمريكي هنري رماك أسساً للمدرسة الأمريكية وعرف الأدب المقارن بأنه ” دراسة الأدب خلف حدود بلد معين ، ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة ومناطق أخرى من المعرفة والاعتقاد”
وبهذا التعريف استطاع هنري رماك أن يخرج الأدب الأمريكي من تبعية الأدب الانجليزي ، بعد أن اسقط عن مفهوم الأدب المقارن ، عدة شروط أولها اختلاف لغتي الأدبين ، ثم الصلات التاريخية والتاثير والتأثر، وقد وسّع رماك دراسات الأدب المقارن لتشمل المقارنة بين الآداب والعلوم الأخرى بدلاً من قصرها في إطار الأدب فقط ، وربما المدرسة الفرنسية كانت تهتم بتك الدراسات ولكن لا تعد ذلك من الأدب المقارن.
وبحسب مفهوم المدرسة الأمريكية الذي يعتبر الابداع البشري كلٌ واحدٌ لا يتجزأ ، وأن أي نشاط بشري وثيق الصلة بالنشاطات الأخري فإن الأديب المقارن يمكنه أن يدرس العلاقة بين الأدب والرسم أو النحت أو العمارة ، أو الموسيقى اوالتاريخ أو السياسة أو الاجتماع أو العلوم الدينية أو الفلسفة أو العلوم.
فقد وجد الباحثون في الأدب المقارن بمنطق المدرسة الأمريكية أن هناك علاقة وطيدة بين الفلسفة والأدب نتج عنها ما يسمى بفلسفة الأدب التي تناقش مشكلات التعبير الشعري وسلاس اللفظ والايقاع والبحر والأسلوب ، والصور ، والرموز ، والأساطير.
ونتج عن علاقة الأدب بالسياسة الأدب السياسي الذي يتناول موضوعات كالعنصرية ، والعبودية ، والاحتلال العسكري ، والانقلابات ، والحروب الأهلية ، والاحزاب السياسية. وبإمكاننا أن نقرأ أفكار علمية في الأدب عن الطب وعلم النفس والطب البيطري ، والكيمياء.
ولعل هذا الموقف الأمريكي يتسق تماماً مع ما ذهب إليه ابن خلدون قبل ميلاد المدرسة الأمريكية في مقارنته بين الشعر والغناء، بل هناك بعض النقاد العرب قد سبقوا المدرسة الأمريكية في هذا المنطق ومنهم :رفاعة رافع الطحطاوي الذي عقد مقارنة بين الأساليب العربية في الشعر والبلاغة ونظيرها في الفرنسية ، وروح الخالدي الذي كتب كتاباً عقد فيه مقارنة بين الكوميديا الإلهية لدانتي ورسالة الغفران للمعري.
وقد لخص المقارنون وجوه الاختلاف بين المدرستين الفرنسية والأمريكية في عدة نقاط : فالمدرسة المدرسة الفرنسية قد اعتمدت منهجاً تاريخياً واشترطت اختلاف لغة الأدبين المراد عقد المقارنة بينهما ، كما اشترطت توافر الصلات التاريخية بين الأدبين و، حدوث التأثير والتأثر بينهما ، وقصرت دراسة الأدب المقارن بين الآداب فقط ، بينما المدرسة الأمريكية قد اعتمدت المنهج النقدي ، ولم تشترط اختلاف لغة الأدبين ، أو توافر الصلاة التاريخية أو التأثير والتأثر ، ولم تقصر دراسة الأدب المقارن بين الآداب بل وسعت دراسته لتشمل الأدب والعلوم الأخرى.
وبالرغم من حداثة سن المدرسة الأمريكية ولكنها حققت انتشاراً واسعاً وذلك لعدة أسباب منها طريقة عمل الجامعات الأمريكية المثمرة ، فقد تم اعتماد الأدب المقارن كثير من الجامعات الامريكية، وانتخبت له كراس يشغلها كبار المقارنيين. وتنافس الأساتذة الأمركان في تأليف كتب الأدب المقارن ، ونظمت الولايات المتحدة الأمريكية مؤتمرات متعاقبة في الأدب المقارن وفتحت التنافس للروابط الأدبية التي لعبت دوراً كبيراً في تجميع المقارنيين ، بالإضافة إلى تشجيع الجهات المختصة في إمريكا للباحثين الوافدين من خارج أمريكا والإفادة منهم في الإرتقاء بالدرس الأدبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى