الخرطوم مراديس نيوز
لم ينطفئ نور الأدب في العصر الوسيط كما يتبادر للقارئ عندما يجد المؤرخين قد أطلقوا عليه عصر الانحطاط بل قل المستمعين إليه من قبل الملوك والعامة فقد برز في العصر شعراء كبار أمثال ابن نباتة المصري ، وابن الوردي وابن خلدون ، وقد عرف بعض الشعراء بالظرف واللطف وحسن الأخلاق كما عرفوا بحسن المحاضرة وحلاوة المفاكهة ، وقد برزت كثير من المطارحات الأدبية في العصر ، وقد اتصفت بعض أشعارهم بالجزالة والجودة وحسن السبك وقوة المعاني وبعضها اتصف الرقة واللطافة ، غير أن شعرهم عرف بكثرة الالغاز والابتهالات والشفاعات ، كما تميز بكثرة المحفوظ والمعرفة والأخبار والتواريخ والسير ، واشتهر بعضهم بالذكاء حتي كان بعضهم يقتدر على تصوير الباطل حقاً والحق باطلاً ، كما عرف أغلب الشعراء بالتدين والصلاح واتباع السلف الصالح وحسن الاخلاق ، واتبع بعضهم الأولياء الصالحين وتخلقوا بأخلاقهم وتأدبوا بآدابهم.
لكن عندما ننظر إلى الأدب عبر تاريخة الطويل الذي يبدأ من العصر الجاهلي ثم صدر الإسلام فالأموي والعباسي حتى نصل إلى العصر الوسيط نجد مآخذ كثيرة على أدب هذا العصر ، عدها المؤرخون سمات للانحطاط مثل: الركاكة في لغة كثير من نصوصه ، وانتشار العامية في ثناياها نحو قول أحد شعراء العصر “كلما يرضيك عني …فهو على عيني ورأسي” بالإضافة إلى أن أدب العصر في معظمه تقريري جاف خال من الخيال ، اهتموا فيه باللفظ على حساب المعنى ، واكثروا فيه من استخدام المحسنات البديعية ، وتكلفوا المعاني اللطيفة كالتورية والطباق ، نحو قول الشاعر:
طرقت الباب حتى كل متني ولما كل متني كلمتني
فقالت أيا إسماعيل صبرا فقلت لها أيا أسما عيل صبري
وأساءوا استخدام الصور الفنية في الأدب، واستخدموا فيه الأوزان القصيرة كالرجز والهزج ، وابتعدوا عن القصائد الطوال ، وركزوا فيه على وصف الأشياء المألوفة ، كما ركزوا على الأدب الإباحي كالخمريات واللهو ، والأدب الديني كالزهد ، والتصوف والمدائح ، وانحصرت الفنون النثرية في الرسائل الاخوانية والديوانية .
هذا الانحطاط الذي أصبح وصمة للأدب في العصر لم ينسحب على العلوم الاخري لكنه كان انعكاساً طبيعياً للحياة السياسية ، فقد قل الاهتمام باللغة العربية من قبل الحكام والملوك الأعاجم بالإضافة لاستهدافهم لدواوين الانشاء التي كان يجتمع فيها الكتاب بالالغاء والتجميد ، وعدم توافر الحرية الكاملة للإبداع ، وتوقف الحكام عن عطاء الشعراء والأدباء مما أدى إلى هجرتهم من الأدب إلى المهن الأخرى كالحدادة والنجارة حتى اشتهروا بها أكثر من شهرتهم بالأدب.
نواصل